أرسى الإسلام قواعد العدل بين الناس، لأن العدل أساس المُلك وهو من المثل العليا والقيم الخالدة، في كل زمان ومكان، وفرض الله على المؤمنين إتباع الحق، وإلتزام الصدق، والترفع عن الظلم، لأن الظلم عاقبته وخيمة؛ ولأن الظلم ظلمات يوم القيامة، والله لا يحب الظالمين، فيهتف الإسلام بالضمير البشرى أن يتحرى العدل في القول والعمل، وحثّ الإسلام على تحقيق العدل، وعدّه الله سبحانه وتعالى مقصدًا من مقاصد التشريع الإسلامي، فالمتأمل لأحكام التشريع المختلفة يجد مدى حرص الشريعة الغراء على تحقيق العدل من خلال أحكامها المختلفة التي تحرص على العدل بجميع أنواعه، سواء أكانت الأحكام التي تنظم علاقة المسلم بربه، أم بنفسه، أم بغيره. وتعتبر البشرية اليوم في أمسِ الحاجة إلى العدل الذي أقامه الإسلام على الأرض لإسعاد الناس في الدنيا وتصحيح مسار البشر لأنه لا سبيلَ لاستقرار العالم إلا بالرجوع إلى العدل، وتلبية أمر الله للبشر في قوله تعالي: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ»، فالحكم بالعدل شامل بين الناس جميعًا لا عدلًا بين المسلمين بعضهم البعض فحسب ولا عدلًا مع أهل الكتاب دون سائر الناس وإنما حق لكل إنسان بوصفه إنسانًا. وتعد قيمة العدل في الإسلام من القيم الإنسانية الأساسية التي جاء بها الإسلام، وجعلها من مُقَوِّمَاتِ الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية، حتى جعل القرآنُ إقامةَ القسط - أي العدل - بين الناس هو هدف الرسالات السماوية كلها. ورَفَع الله شأنَ العدلِ وسمَّاه في أسمائِه وميَّزهُ في صِفاته، فقال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِى الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». ومن سِماتُ العدلِ في الإسلام أنّهُ لا عاطفةٌ فيه؛ فلا يتأثَّر بمالٍ أو عرقٍ أو نَسَب، فيقول الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا»، وفى الآية الكريمة توجيه سام بأن لا نخاف في الله لومة لائم، فلا نحابى الغنيّ لغناه، أو فقير لفقره، بل نقول الحقّ لأنه أحق أن يُتِّبَع، ولا يجوز للمسلم أن يتبع هوى النفس وينحرف عن جادة العدل والصواب. ومِن سِماتِ العَدلِ أنَّهُ يَرفعُ صاحِبَهُ عندَ الله ويَمنَحهُ منزلةً عظيمةً وشرفًا ربَّانيًا قَرَنَهُ الله بذاتِهِ، وفى الحديثِ الشَّريف: «إنَّ المُقسِطينَ عند اللِه على منابرَ من نورٍ عن يمينِ الرَّحمنِ عَزَّ وجَلَّ، وكِلتَا يديهِ يمينٌ، الذين يَعدِلونَ في حُكمهِم وأهليهِم وما وُلّوا»، فالعادِلونَ في حُكمِهم وخِلافَتِهم في أهليهِم وفِيمَن ولَّاهُمُ الله عليهِم مُقَرَّبونَ عندَ اللهِ تعالى ومُكرَّمونَ لديهِ، يرفَعُهُم بعدلِهِم على مَنابِرَ من نورٍ، وهيَ أماكِنُ في الجَنَّةِ مُرتَفِعةٌ عاليَةٌ كرَّمَها الله وخصَّها لفئةٍ من عبادِهِ من بينِهم أولئك الذينَ يتحرَّون العَدلَ ويُقيمونَهُ في وِلايَتِهم وما استُخلفوا فيه. ويتحقق العدل في المجتمع بتطبيقه على الجميع، فلا توجدُ محاباةٌ للوزراء والسلاطين، ويتمُّ رد الحقوق للفقراء والمساكين، فمن أجرَم فله العقاب ولو كان من ذوى السلطة والمال، ومن أحسنَ فله الثوابُ ولو كان من البسطاء، ومن أجمل صور العدل، أن يقوم المسلمُ بتطبيق العدل على نفسه، فيقرَّ بالخطأ، ويعتذرَ لمن أساء إليه، ويسارع بالإحسان.ويأمر الإسلام بمراعاة قواعد العدل مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء، ولا يحل لأحد أن ينحرف عن طريق الصواب بدافع من الكراهية والبغضاء.