أزهريون: التكافل الاجتماعي ينهي الفقر ويقلل معدلات الجريمة رعاية المساكين وكفالة اليتيم من فروض الكفاية التي أولتها الشريعة الإسلامية اهتماما لافتا، وتعتبر ضرورة للحفاظ على بناء المجتمع، وتسهم في إزالة الحقد الطبقى، وتقلل معدلات الجريمة. إذا نظرنا إلى عدد من يشملهم فرض الكفاية في شأن التكافل الاجتماعى في مصر، نجد أن آخر إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تقول إن 27.8 من السكان في مصر فقراء، ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وأن من بينهم 57% من سكان ريف الوجه القبلي، مقابل 19.7% من ريف الوجه البحري، أما بالنسبة للأيتام فيؤكد آخر تعداد خاص بوزارة التضامن الاجتماعي وجمعية الأورمان أن عدد الأيتام يتراوح ما بين 5-3٪ من عدد السكان، أي بمعدل 4: 5.2 ملايين طفل، بعضهم يعيشون مع أهاليهم، والبعض الآخر كتب عليهم القدر أن تحتضنهم دور رعاية، والتي يقدر عددها في مصر ب 472 دورا. ومن أجل ذلك..أولى القرآن الكريم والأحاديث النبوية اهتماما كبيرا بالأيتام والمساكين للترغيب في الإحسان إليهم، والحث على الاهتمام بهم، والتخويف من الإساءة لهم، ويكفى أن كلمة اليتيم ذكرت 23 مرة في القرآن الكريم، وأكثر من 10 مرات في الأحاديث الشريفة، للتأكيد على أهمية الدور الذي يلعبه كافل اليتيم، وثوابه عند الله في الدنيا والآخرة، وشرع الله في التعامل مع أمواله ورعايته، كما تزايدت وصايا القرآن الكريم والسنة النبوية على المساكين في أكثر من موضع، بعضها صريح والآخر ضمني، حيث ذكرت كلمة "مسكين" في القرآن 23 مرة في 18 سورة، وقدم الرسول وصايا للمسلمين تجاه تلك الفئة في أكثر من 15 حديثا. فقد قال الله في كتابه العزيز «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ - سورة الضحى (9)»، «كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ - سورة الفجر(17)»، « وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا - سورة الإنسان (8)»، « وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا - الإسراء (34)»، «فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ - البقرة (220)»، « يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ - البقرة (215)». كما جاءت السنة النبوية لتوضح ما جاء في كتاب الله العزيز، وتركز على أهمية العطف والحنان على اليتيم، فعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى- رواه البخاري»، وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال: «أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه ؟ فقال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك - رواه الطبراني». ووجهنا صلى الله عليه وآله وسلم إلى حب الفقراء والمساكين، عندما أوصى الصحابى الجليل سيدنا أبا ذر الغفارى قائلا «أَحِبَّ المَساكينَ وجالِسْهُم ولا تَنْظُرْ إلى من هوَ فَوْقَكَ وانْظُر إلى من هوَ دُونَك»، كما أوصى السيدة عائشة رضى الله عنها فقال لها: «يا عائشة أحبِّى المساكين، وقرّبيهم، فإن اللَّه يقربك يوم القيامة»، وأكبر دليل على تعظيم الرسول للمساكين أن أكثر دعواته كانت «اللهم أحيينى مسكينًا وتوفنى مسكينًا، واحشرنى مع المساكين». ولأن الرسول قدوة المسلمين، وضرب مثلا في احتضان الأيتام، تجسد خلاله معانى الرحمة والحنان، يحكى في أحد مواقفه معهم، أن الرسول خرج يوما لأداء صلاة العيد، فرأى أطفالا يلعبون ولكنه رأى بينهم طفلا يبكي، وعليه ثوب ممزق فاقترب منه وقال "مالكَ تبكى ولا تلعب مع الصبيان" ؟، فأجابه الصبي: أيها الرجل دعنى وشأني، لقد قتل أبى في الحرب، وتزوجت أمى فأكلوا مالى وأخرجونى من بيتى فليس عندى مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا بيت آوى إليه!! فعندما رأيت الصبيان يلعبون بسرور تجدد حزنى فبكيت على مصيبتي، فأخذ الرسول بيد الصبى وقال له:"أما ترضى أن أكون لك أبا وفاطمة أختا وعلى عما والحسن والحسين أخوين ؟، فعرف الصبى (اليتيم) الرسول وقال: كيف لا أرضى بذلك يا رسول لله، فأخذه الرسول إلى بيته وكساه ثوبا جديدا وأطعمه وبعث في قلبه السرور، فركض الصبى إلى الزقاق ليلعب مع الصبيان، فقال له الصبية: لقد كنت تبكى فما الذي جعلك تكون فرحا ومسرورا؟، فقال اليتيم: كنت جائعا فشبعت وكنت عاريا فكُسيت وكنت يتيما فأصبح رسول الله أبى وفاطمة الزهراء أختى وعلى عمى والحسن والحسين أخوتي، فقال له الصبيان: ليت آباءنا قُتلوا في الحرب لنحصل على هذا الشرف الذي حصلت عليه أنت، وعاش هذا الطفل في كنف وحماية رسول الله حتى توفي. ومن بعض مواقفه الجميلة مع المساكين، التي تمكنت من توصيل رسالته للمسلمين، موقفه مع زاهر بن حرام وهو رجل أعرابى فقير، يتاجر بين المدينة والبادية، يدخل يومًا إلى المدينة باحثًا عن النبى فلا يجده، فيأتى النبى ويسأل أهل بيته هل أتى أحد وسأل عنى؟ فيقال له: زاهر بن حرام، فيخرج النبى باحثًا عنه في السوق، فيصل ويراه من الخلف، فيفاجأ زاهر برجل يحضنه من ورائه، فيفزع زاهر ويقول:من أنت؟؟ أرسلنى يا هذا، يحاول زاهر الإفلات منه فيفشل، وجعل يلتفت وراءه فرأى النبى فاطمأنت نفسه، وصار يلصق ظهره بصدر النبي، فصاح النبى صلى الله عليه وسلم يقول في الناس مازحا زاهرًا "من يشترى العبد؟ فنظر زاهر في حاله.. فإذا هو فقير كسير..لا مال.. ولا جمال.. فيهمس زاهر في أذن النبي: إذن والله تجدنى كاسدًا يا رسول الله، فيقول النبي: لكنك عند الله لست بكاسد، أنت عند الله غال. وعن أهمية تطبيق هذا الفرض الكفائى ومردوده على عموم المسلمين، ودوره في القضاء على الفقر في المجتمع، يقول «أحمد كريمة» أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أوجبت الشريعة الإسلامية توفير الكفاية للأيتام والمساكين، وعرف المسلمون ذلك، وجعلوا رواتب معلومة لهؤلاء من بيت زكاة المسلمين، واستكملت الدولة الحديثة المهمة باستحداث وزارة التضامن الاجتماعى أنظمة تؤدى هذا الدور، وخاصة أنه فرض كفاية وعدم تأديته من قبل فرض واحد يوقع الجميع في الإثم، كما أن المسئولية هنا مجتمعية تقع على عاتق المواطنين والمؤسسات والجمعيات الخيرية، وليس الأنظمة والحكومات فقط. عدم القضاء على الفقر نهائيا، لا يعنى الفشل في تطبيق وصايا الله ورسوله على الأيتام والمساكين، من وجهة نظر "كريمة"، فلا يمكن القضاء على الفقر نهائيا هذه هي حكمة الله في الأرض، ولكن يمكن تقليل العدد، وتخفيف حدته مشيرا إلى أنه يلزم لتحقيق ذلك توافر بعض الشروط منها: العدالة الاجتماعية والزهد والورع والقدرة على تحقيق العدل والمساواة، مؤكدا أن الغِنى والفقر ابتلاء من الله تعالى لعباده، يوسع على هذا ويهبه الخيرات؛ ليسمع حمده وشكره أو يتجبر ويطغى، ويقدر على آخر رزقه ويمنع عنه شيئا من الدنيا؛ ليمتحن صبره ورضاه، أو يعلن تسخطه وجزعه. وفى نفس السياق، يقول "عبد الحليم منصور" وكيل كلية الشريعة بجامعة الأزهر، شعور الأيتام والمساكين الذين لا يملكون عائلا ولا أحد يكفلهم، بأنهم عالة على المجتمع، يؤدى إلى حقد طبقى وانتشار للجريمة، ومن هنا جاء المبدأ الشرعى فرض الكفاية لكفالة اليتيم والمسكين، وجعل الخلاص يوم القيامة مرتبط بإطعام المساكين والفقراء. وتابع "عبد الحليم" الاهتمام بهذا الأمر في شهر رمضان على وجه الخصوص، يظهر المسلمين بشكل لائق ويبين مدى التلاحم الدينى بينهم، مما يساعد في تحقيق التكافل الاجتماعي، وذوبان الفروق والطبقات، وإزالة الحقد الطبقى بين المسلمين، مشيرا إلى أن بعض المسلمين يعملون على أداء دورهم في هذه المهمة، والبعض الآخر يتحايل على الشرع والدولة فيها، مؤكدا أن حال الأيتام والمساكين عموما في تقدم مستمر، بدءا من عصر الجاهلية ثم الإسلامي، وصولا لسن الدول الإسلامية حديثا قوانين تكفل لهم حقوقهم وتحفظها.