فى ندوة نظمها صالون «فيتو» حول سياسات التيارات الإسلامية ومستقبل مصر معها، شن الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة جامعة الأزهر، هجوما حادا على تلك التيارات وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، مؤكد أنها تواصل سعيها الدءوب للسيطرة على الأزهر وأخونته بإدخاله فى بيت الطاعة الإخوانى، مشددا على أن الإخوان يريدون الهيمنة على المناصب القيادية بالأزهر. الدكتور كريمة فى بداية الندوة استنكر بشدة بيعة المرشد العام للإخوان المسلمين، واصفا إياها بأنها بدعة إخوانية مخالفة لتعاليم الإسلام، مؤكدا أنه لا بيعة فى الإسلام إلا لله ورسوله. واستهل كريمة كلامه بعبارات تحمل هواجس مخيفة بخصوص مستقبل المصريين مع المتاجرين بالدين فى سوق السياسة، حيث قال: إن الإخوان والسلفيين غيروا صحيح الإسلام وتسبب تغييرهم له فى أن أصبحنا مثل غثاء السيل وصرنا على وشك الدخول إلى غربة الإسلام عن طريق رباعى أوصل الأمة إلى غربة دينية، وهذا الرباعى هو الإخوان وخاصة القطبيون والمتسلفون والمتصوفون والمتشيعون. وعندما سألناه عن سر تأكده من صحة كل ذلك، قال الدكتور كريمة: أنا معنِىّ بمواجهة العنف الفكرى بالفكر ورسالتى العلمية هى «تصحيح مفاهيم مغلوطة وتصويب أفكار خاطئة»، ولا أرتضى لرسالتى بديلا مهما كلفنى ذلك من تضحيات ولن أبيع دينى فى سوق النخاسة الفكرى، لأن من يرث علوم النبى لا بد أن يسير على منهجه دون غلو فى الدين، ولا أشتغل بالسياسة، وأنا ضد اشتغال المنسوب إلى الدين بالسياسة لأنه بعمله فيها يفسد الدين والدنيا. الدكتور كريمة كشف مكمن الخطر فى إخوان بديع، حيث أكد أن الإخوان الذين يحكمون مصر الآن ويواجههم المصريون فى ميادين الثورة، هم أتباع سيد قطب وليس حسن البنا، قائلا عن البنا إنه كان من المجددين الإصلاحيين «له وعليه»، ولكن الخطورة تكمن فى أن الإخوان الموجودين على الساحة الآن من أتباع سيد قطب صاحب كتاب «معالم فى الطريق»، ويلتقون مع السلفية فى تكفير المسلمين الآخرين، ويختلفون عنهم فى أنهم أكثر ذكاء فى إخفاء ما فى الصدور باتباع «التقية». وفى ذات السياق أكد كريمة أن الإخوان لا يعلنون التكفير الآن، ولكنهم يمارسونه لأن منهجهم قائم على نظرية سيد قطب وفحواها أن المجتمع جاهلى ولا بد من تغييره ولو بالقوة المسلحة، وذلك وفقا لتغيير المنكر باليد، وهو ما يقتنع به السلفيون، ووفقا للدستور الخاص بالإخوان وهو كتاب معالم على الطريق الذى يعتمد على قلب أنظمة الحكم بالقوة المسلحة، وهو ما يكشف سر تاريخ الإخوان الطويل فى ممارسة العنف. وعن كيفية تكريس العنف وتجذيره فى نفوس أعضاء الجماعة قال كريمة: إن العنف منهج فى التربية الإخوانية، حيث يقوم الإخوان بأخذ أطفال المسلمين فى المرحلة الابتدائية ويتم تدريبهم على أعمال الكارتية والتايكندوا، ثم تقوم معسكرات «الشبيبة» بالإسماعيلة، ويتم تدريب الأولاد على تسلق الجدران والمواسير فى الإسكندرية. متى بدأت مشكلة الإخوان مع الأزهر؟ هكذا سألنا الدكتور أحمد كريمة، فقال: إنها بدأت مبكرا مع تولى الرئيس محمد مرسى مقاليد الحكم فى مصر، حيث تم نزع اللافتة الخاصة بشيخ الأزهر من كرسيه فى الصف الأول عندما كان يلقى الرئيس خطابه فى جامعة القاهرة ولم يتم رد الاعتبار لشيخ الأزهر بعد إهانته، وهى إهانة لن نسكت عنها لأنها تخص كل علماء الأزهر وإهانة لهم جميعا وليس لشيح الأزهر فقط، فنحن نعلم الدنيا كلها الإسلام. الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر لم يطح بالدكتور أسامة العبد الرئيس السابق لجامعة الأزهر، ولكن أطاح به الإخوان، هذا ما أكد عليه الدكتور كريمة واصفا العبد بأنه رجل محترم ظل يتحدى تعنت رئاسة الوزراء وإدارة الجامعة لمدة سبعة أشهر بدون نواب، وفعل الإخوان ذلك بهدف التضييق عليه وتطفيشه، قائلا: إن الدكتور العبد كان يقول له عندما كان يزوره فى مكتبه «ادعيلى يا دكتور كريمة أن أخرج من هذه الورطة». واستدل كريمة على رغبة الإخوان فى إضعاف الأزهر بأن ميزانية جامعة الأزهر أدنى ميزانية بين الجامعات فى مصر، وشيخ الأزهر يستصرخ جميع الجهات لتحسينها ودعمها دون جدوى. وفى رد على سؤال حول قضية تسمم 600 طالب بجامعة الأزهر، قال: إنها قضية تم تسيسها من جانب الإخوان للإطاحة بشيخ الأزهر ولتصفية الحسابات معه، متسائلا: ما الذى أقحم الدكتور أحمد الطيب فى هذا الأمر؟ وهل من مهام شيخ الأزهر أن يذهب لمطاعم المدينة الجامعية؟ وتساءل الدكتور كريمة أيضا: أين الدولة من تسمم طلبة جامعة الإسكندرية، وأين الدولة من مشكلة جامعة مصر الدولية, إذا كان الإخوان يحملون المسئولية لرئيس الجامعة؟ وأين مسئولية رئيس الوزراء التضامنية بصفته أو بصفته الوزير التنفيذى لشئون الأزهر؟ ولماذا الأزهر الآن، سؤال طرحناه على الدكتور أحمد كريمة فقال: لا بد أن نعلم أن مقومات الدولة تقوم على جيش وشرطة وقضاء ومؤسسة دينية، فإذا نظرنا للجيش بحد أنه تم إهانته بشعار «يسقط العسكر» والشرطة مدمرة نفسيا والقضاء يحارب وتم إهانته والتنكيل به، ولم يتبق إلا الأزهر، والإخوان يريدون المناصب القيادية فى الأزهر لأن أعينهم على الصندوق الانتخابى عن طريق التأثير على الطلاب ثم المرحلة الأخرى وهى فرض العنف الفكرى والتكفيرى. وأكد كريمة أن سيطرة الإخوان على الأزهر تمثل خطورة كبيرة؛ لأن العالِم سيفتقد تجرده العلمى؛ لأنه من المفترض أن يكون العالم المحترم متبوعا وليس تابعا، لكن عندما يكون العالم إخوانيا أو سلفيا أو متصوفا أو متشيعا سيتحول إلى «ذيل» وليس عالما، ونحن وارثو علم النبى، لذلك لا بد أن يكون حامل منهج نبى الإسلام متفرد متجرد، والبحث العلمى فى الغرب يمنع انتساب الأساتذة المنتمين لأيديولوجية معينة. وعن الضرر الذى يلحق بالأزهر من اختراق الإخوان له قال الدكتور أحمد كريمة: القيادى الإخوانى عندما يأتى للأزهر سوف يفرض الفكر الإخوانى على العملية التعليمية، ويؤثر على الطلاب لتغيير أفكارهم ليكون إخوانيا، وسيكون لديه أشياء كثيرة جدا لعمل ذلك، منها الأبحاث والدرجات والنجاح والرسوب، وهذا سيفقد المؤسسة الإسلامية المعتمدة حياديتها، وإذا فقد الأزهر حياديته لن يثق فيه أحد لا فى الداخل ولا الخارج، ووقتها لن تقوم له قائمة، وهذا ما نخشاه، وعلى مر التاريخ لم نسمع عن عالم محترم من علمائنا الأزهريين اشتغل بالسياسة، والعالم من حقه أن يشتغل بالسياسة لكن خارج الأزهر، أما داخل الأزهر فهو مصباح ينير الطريق للجميع، وإذا دخل الأزهر حجرة الإخوان فلن ينير سوى حجرة الإخوان فقط. سألناه وما هى أهم النقاط الخلافية بينكم كأزهريين وبين الإخوان المسلمين؟ فقال: خلافنا مع الإخوان والسلفيين علمى وليس سياسيا، فهناك أمور علمية وعقائدية نختلف مع الإخوان فيها، وهى بيعة المرشد والسمع والطاعة وإلغاء العقل وبناء الدين. وعن بيعة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للمرشد العام للجماعة قال الدكتور كريمة: إنهم وقعوا فى خطأ كبير لأن البيعة فى الإسلام لا تكون الا لله وللرسول ولولى الأمر، ومعنى ذلك أن الإسلام حصر البيعة ل»الله ورسوله وولى الأمر فقط»، لذلك فبيعة المرشد بدعة منكرة مخالفة للإسلام، ولايجرؤ فقيه أن يفتى بجوازها، والسؤال هنا، على ماذا يبايع أعضاء الجماعة المرشد؟ فإذا كانوا يبايعونه سياسيا فهذا شأنهم، مع العلم أنه لا يوجد فى السياسة بيعة لأن ذلك ممنوع شرعا وعرفا. وأضاف أن مبادئ الإخوان متطابقة أيديولوجيا مع الشيعة، فالإمام لدى الشيعة معصوم، والإخوان يعتبرون المرشد معصوما، وكل هذا خارج عن العلم الصحيح؛ لأن كل الناس بعد الله ورسوله «يؤخذ من كلامه ويرُد عليه». وأكد كريمة أن الخلافة الإسلامية ليست أصلا من أصول الإسلام، ولا ركنا من أركان الإيمان، ولكنها كانت عملا دعويا إلى خلافة الإمام على بن أبى طالب، ثم تحولت إلى عمل سياسى، ومن يقول غير ذلك فهو مزور. وأنهى كريمة حديثه قائلا: دفاعى عن الإسلام فى مواجهة الإخوان والسلفيين تسبب فى تهديدى بالقتل، وشيخ الأزهر يعلم ذلك جيدا، وأفكر فى اللجوء السياسى خارج مصر.