بات الخوف من المرض أمرًا عاديًا لكثير من المصريين، لكن خلال الأشهر القليلة الماضية تبدلت الأحوال لتصبح مرحلة ما بعد المرض اللحظات المرعبة بالنسبة لهم، وذلك بعد اختفاء العديد من الأدوية، كنتاج طبيعى للأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر والتي تبعها ارتفاع جنونى لسعر الدولار وأخيرًا تحرير سعر الصرف المعروف ب«تعويم الجنيه»، الأمر الذي جعل الصيادلة يضطرون للإحجام عن استيراد الدواء والاكتفاء بالمنتج المحلى تاركين المرضى يواجهون مصيرهم المحتوم فإما الموت من شدة الألم أو الموت في انتظار ما لن يأتى. أزمة اختفاء العديد من الأدوية ظهرت في الآونة الأخيرة بشدة، وتفاقمت حدتها لتعصف بمعدومى الدخل والموظفين ذوى الأجور المتدنية وأصحاب المعاشات الذين لم يجدوا طريقًا للتغلب على آلامهم سوى الوقوف في طوابير على أبواب الصيدليات -وتحديدا صيدلية الإسعاف- لعلهم يجدون ما يخفف عنهم حدة المرض. أمام صيدلية الإسعاف، الكائنة بمنطقة وسط القاهرة، اعتادت "نهال أحمد مصطفى"، صاحبة الستين عامًا، ربة منزل لأربعة أبناء، الوقوف يوميًا منذ الصباح الباكر لتحجز دورها في الطابور الممتد والذي لا يرحم المصطفون به شيخوختها ولا ملامحها التي يعلوها التعب من المرض وطول الانتظار للحصول على دواء يخفف عنها آلام مرضها. "نهال" مريضة بالسكرى وزادت معاناتها مع المرض حين أصيبت بذبحة صدرية جعلتها تنفق ما تتحصل عليه من معاش هي وزوجها في سبيل الحصول على الدواء الذي ارتفعت أسعاره فجأة 20% ثم اختفى من الأسواق، وهو ما تصفه بقولها: «كنت بشترى الأنسولين ب 31 جنيها، وبعد ارتفاع الأسعار بقى ب 38 و40 جنيهًا، وفلوس المعاش هتكفى مصاريف علاجى أنا وجوزى ولا هتكفى الكهرباء ولا الإيجار ولا الأكل، وأنا مش عارفة هنلاقيها منين ولا منين». السيدة صاحبة الستين عامًا، تصف ارتفاع الأسعار بقولها: «الأسعار كل يوم بتزيد والمعاش زى ما هو مش بيزيد، وبنضغط على نفسنا عشان نقدر نعيش، وساعات مبقدرش أشترى الأدوية من قلة الفلوس، ولو الأسعار زادت أكتر من كده مش هشتريها تانى وملناش غير ربنا نلجأ إليه». "نهال" تصف زيادة سعر الدواء 20% بقولها: «حرام اللى بيحصل ده؛ أنا واحدة من الناس مش قادرة اشترى الدواء بسعره الجديد.. يرضى مين إن الأسعار تزيد أكتر من النص؛ ده الحقنة اللى كنت بشتريها ب 7 جنيهات بقت ب 25 جنيها، والأسبوسيد اللى كان ب 2 جنيه بقى ب 4 جنيهات». "نهال" عبرت عن استيائها من اختفاء بعض الأدوية من الأسواق: «الفترة الأخيرة مكانش فيه بخاخات للحساسية، ولما كنا بنسأل عليها كان بيقولولنا إنهم بيجددوها، وأول ما نزلوها تانى سعرها زاد وبعد ما كانت ب 16 جنيها بقت بتتباع ب 20 و25 جنيها، وفى مرة رحت اسأل عليها الصيدلى قالى إن سعرها هيزيد تانى وهتبقى ب 30 جنيها.. أنا مش عارفة مين هيقدر على الأسعار دي». "حمدية أحمد"، سيدة تجاوز عمرها الخمسين بسنوات قليلة؛ متزوجة ولديها 5 أبناء جميعهم في مراحل تعليمية مختلفة؛ أصيبت في 2006 بذبحة صدرية تطورت إلى جلطة خضعت بعدها لعملية قسطرة في القلب أجرتها على نفقتها الخاصة بعد أن فشلت في إيجاد سرير لها في المستشفيات الحكومية، وبدأت منذ ذلك الحين رحلتها مع معاناة التردد على صيدلية الإسعاف بشكل دوري لشراء علاجها. "حمدية"، تصف سنوات مرضها العشرة بقولها: «10 سنين مروًا على مرضي، وصرفت فلوس كتيرة مصاريف عشان أشترى العلاج وخاصة أدوية الذبحة الصدرية والقلب، ده غير المسكنات، ومصاريف الأشعة والتحاليل.. زمان جوزى كان موظف بيعرف يتصرف ووفرلى مصاريف عملية القلب وتمن الأدوية، ومن بعد ما طلع معاش بقينا بنشترى الدواء بالعافية؛ ودلوقتى بعد ما الدنيا بقت غالية وسعر العلاج زاد مش عارفين نجيب نوع دواء واحد، وبقيت اضغط على نفسى وأستحمل الألم وأصبر نفسى وأقول: بكرة ربنا يكرمنا ونقدر نشترى العلاج». "حامد سيد"، صاحب الأربعين عامًا، جاء من منطقة شبين القناطر ليقف أمام صيدلية الإسعاف، أملًا في شراء دواء "كلكوز 5%"، بعد أن يئس في العثور عليه في محيط سكنه والمناطق المجاورة له، واصفًا رحلته في البحث عن الدواء بقوله: «كل ما أروح صيدلية اسأل على العلاج يقولوا مش موجود، "حامد"، اضطر في أحيان كثيرة لشراء دواء والدته من السوق السوداء، موضحًا: «من كتر ما تعبت من اللف على الصيدليات اضطريت أسمع كلام واحد صاحبى ورحت اشتريت الدواء السوق السودا ولقيت سعره مضاعف؛ وحتى يوم ما بلاقيه في الصيدليات بيكون سعره أزيد من السوق السوداء، وأنا نفسى حد يجاوبنى على سؤالي: لحد إمتى هنفضل في العذاب والحيرة دي؟ أنا مسئول عن والدتى ومعايا مراتى وولادى الاتنين». «أم حسين»، سيدة في ال 65، توفى زوجها تاركًا لها 4 أبناء جميعهم متزوجون ويعيشون معها في نفس المنزل بشبرا الخيمة، ومع ارتفاع الأسعار زادت معاناتها خاصة في ظل انشغال أبنائها بحياتهم الخاصة، لتقف بمفردها أمام مستشفى 6 أكتوبر بحى الدقى التابع لمحافظة القاهرة أملًا في الحصول على دواء يخفف عنها وطأة المرض. "أم حسين"، وصفت رحلة بحثها عن العلاج بعد زيادة أسعاره، بقولها: «أنا مريضة بضعف في شرايين قلبى وعندى الدعامة مسدودة، وكمان مصابة بمرض السكر، والدكاترة قالولى لازم أعمل عملية تركيب دعامات، وأنا مش عارفة أجيب فلوس العملية منين، وأنا بشترى علاجى على نفقة الدولة ولكن دوائى الذي آخذه ليس الأصلى لأنه غالى يصل سعره إلى 300 جنيه، ومعاشى بعد وفاة زوجى 323 جنيها طبعا مش بيكفوا في الزمن اللى عايشين فيه، فقدمت على طلب مساعدة لأحد المساجد وباخد اللى فيه النصيب كل شهر لأنه في أدوية من اللى بشتريها بدفع تمنها من نفقتى الخاصة، زى دواء السكر». وعن ارتفاع أسعار الأدوية قالت "أم حسين": «كل حاجة غليت، وشريط السكر كان ب 9 جنيهات دلوقتى ب 15 جنيها، أعمل إيه وأنا مش معايا غير المعاش، وولادى محتاجين اللى يساعدهم، وكل اللى بتمناه في حياتى إنى أزور بيت الله الحرام». بجوار أم حسين يقف "سعد" المصاب بالسكرى ويبحث عن دواء الأنسولين بعد خروجه من المستشفى قائلا عن أزمة الأدوية: لا يوجد فرق بين الأدوية المهربة والأدوية التي يوضع عليها الملصق الخاص بشركة الأدوية الحكومية المستوردة، لكن سعر الأدوية التي تستوردها الشركة يبلغ أضعاف سعر المهربة، متسائلا: "يبقى المهربين ما بيكسبوش ولا الشركة الحكومية بتستغل المرضى؟". وأضاف بنبرة غاضبة: "الواحد ممكن يجيب المخدرات أسهل من الأنسولين، حرام الواحد بقى ماشى في الشارع بيكلم نفسه زى المجنون"، وأشار سعد البالغ 34 عاما المصاب بالسكرى ويعالج بالأنسولين قائلا: "بجيب الحشيش أسهل من الأنسولين، حرام الواحد بقى ماشى في الشارع بيكلم نفسه زى المجنون"، مضيفًا أنه منذ فترة نصحه أحد الصيادلة الذي يتعامل معه، بأن يشترى كمية من الأدوية التي يحتاجها ويخزنها قبل أن تختفي. أما دكتور سعد عوض، صيدلى منذ عام 2011، يقول عن نقص الأدوية في الصيدليات: "فيه نقص شديد في الأدوية وخاصة أدوية منع الحمل، حتى المدعم للمرضى غير موجود وكان بينزل للصيدلية كل شهر 5 علب لمنع الحمل ولكن الآن مش موجود في السوق أصلا، كما يوجد نقص شديد في أنواع أدوية الضغط والسكري، في نفس الوقت عند طلب طلبيات من شركات الأدوية بيرفضوا ولو فيه طلبية اتقبلت بتكون بخصومات قليلة جدا،". وأضاف قائلا: "الأدوية المستوردة ارتفع سعرها في الفترة الأخيرة 20% المفروض كان سعر الأدوية على العلبة ولكن في الواقع السعر ارتفع على الشريط الواحد، فكان وفقًا للحكومة المفروض يكون سعر الدواء الذي كان ب 9 جنيهات يكون ب11 جنيها ولكن السعر وصل إلى 13 جنيها". وفيما يخص الأدوية التي شهدت أسعارها ارتفاعات قال: "فيه أدوية زادت مائة في المائة ولكن على الأدوية الرخيصة اللى كانت تباع للمريض بجنيه أو 2 جنيه أصبحت ب5 جنيهات و4 جنيهات، وهناك أدوية ارتفع سعرها 50 %، كما أن أدوية الأنسولين زاد سعرها كان العلبة ب31 جنيهًا وأصبحت ب38 جنيهًا". وأشار د. سعد إلى أن غلاء الأسعار يطال الدكتور الصيدلى ويكون مكسبه معدوما، إضافة إلى تقليل شركات الأدوية الخصومات هناك ارتفاع في أسعار الكهرباء والإيجار غير العمالة الموجودة في الصيدلية. من جانبها قامت د.أوسام إدوارد، دكتورة صيدلانية منذ عام 1965، بفتح صيدلية خاصة لها منذ عام 1984 في مدينة السادس من أكتوبر تقول: معظم الأدوية في الفترة الأخيرة تشهد حالة من الارتفاع، فأسعار الأدوية التي كانت تصل إلى 11 جنيها وصلت إلى 13 جنيها، وما يقال عن اختفاء أدوية أو نقصها في السوق وخاصة أدوية السكرى والضغط فهذا غير صحيح كل الأدوية متوفرة في الصيدليات.