حماد محمد رجل في الخمسين من عمره، يعمل سائقا لكنه أصيب بمرض السكري منذ ما يقرب من عام تقريبا، بدأ بتناول أدوية السكري المنتشرة في الأسواق وباشر علاجه مع أحد الأطباء المتخصصين، وظل يعاني من بطئ العلاج بهذه الأدوية، وفي أحدى المرات كانت زوجته تتابع التلفاز ولفت انتباهها إعلان عن دواء فعال لعلاج مرض السكري بالأعشاب، قررت أن تهادي زوجها بهذا العلاج أملاً في شفاءه. "زوجتي أحضرت الأعشاب، لكن اكتشفنا أنها مغشوشة والشركة تمارس النصب".. هكذا يقول حماد ل"مصراوي". حماد، يؤكد أن الدواء الذي تناوله كان عبارة عن بودرة أعشاب في عبوتين لدواء يدعى "جود باي ديلتيز"، ظل يتناوله لمدة ثلاثة أشهر بجانب دواء السكري الذي اعتاد عليه، "كل يوم الصبح معلقة على غيار ريق، بغلي مياه وأحط الأعشاب فيها زي الشاي". الشركة التي اشتروا منها الدواء أخبرتهم أن مفعول تلك الأعشاب سيظهر بعد شهر ونصف عند انتهاء العبوة الأولى، وسينهي مرض السكري إلى الأبد، لكن "حماد" أنهى تناول العبوة الأولى والثانية ولم يشعر بأي تحسن يذكر، وتابع: "بعد ما حللت لاقيت السكر موجود وكمان نسبة السكر عالية جداً". تقول زوجته ل"مصراوي" إنها اشترت هذا الدواء بمبلغ ألف و250 جنيه عن طريق الاتصال بأحد الأرقام التي ظهرت على الإعلان التلفزيوني لتلك الأعشاب، "بعد ما زوجي خلص العبوة الأولى وقاس السكر لاقيناه زي ما هو ما فيش تحسن، كلمنا الشركة وقلنا لهم العلاج معملش نتيجة بدأوا يتهربوا مننا".
12 مليون مريض بالسكري مرضى السكري في مصر وصل عددهم ل 12 مليون مواطن، حيث تحتل مصر المركز السابع بين دول العالم المصابة بمرض السكري، وذلك حسب احصائية أعدها المركز المصري للحق في الدواء.. حصل مصراوي على نسخة منها. ولم يكن "حماد" الشخص الوحيد الذي تعرض للنصب من شركة بيع الأعشاب لمرضى السكري، فمنصور مصطفى (55 عام) من محافظة قنا هو الأخر أحد مرضى السكري الذين اشتروا علاج الأعشاب بسبب إعلان تلفزيوني، حينما رأى إعلان على قناة "هلا مصارعة" السعودية، يتصدرها المطرب إيهاب توفيق ويروج لهذا الدواء، قرر أن يتصل على الفور بالأرقام الموجودة كي يشتري تلك الأعشاب. لكنه فوجئ بعدما دفع ثمن الدواء ألف و250 جنيه، أن العبوة منتهية الصلاحية، "الدواء اللي أنا اشتريته مدة صلاحيته منتهية عرضتها على ثمانية أطباء متخصصين وصيدليات كثيرة عندنا في البلد وقالولي أن مدة صلاحيته منتهية، فترة الصلاحية منذ عام 2005 وحتى عام 2008".. هكذا يقول في حديثه ل مصراوي. بعدها حاول التواصل مع نفس الشركة لأكثر من مرة كي يعيد الدواء المنتهي الصلاحية ويسترد أمواله، لكن الشركة لم تجيب عليه، "الدواء كله موجود عندي مفتحتوش، كل ما اتصل يقولوا سيبني خمس أيام وأبعتلك مندوب ومحدش بيجي، وأنت عارف ان السكر زي فيرس الكبد الواحد بيبقى متعلق في قشاية أي فلوس تجيله بيبقى عاوز يتعالج بيها فحرام الدواء ده ألف و250 جنيه خسرتهم، بسبب عملية نصب". يقول.
فشل كلوي "ممنوع لأي مريض سكري أن يتناول الأعشاب من الأساس لأن فيها أشياء ضارة بتأثر على الكلي والكبد والمعدة وهناك حالات كثيرة من مرضى السكري أصيبوا بفشل كلوي نتيجة تناول أعشاب زودت نسبة السكري عندهم وجالهم فشل كلوي".. يؤكد ذلك دكتور هشام الحفناوي مدير المعهد القومي للسكري سابقاً في حديثه ل مصراوي. موضحاً أن الأعشاب لا تستعمل إطلاقاً لعلاج مرض السكري، والمرضى لا يعرفون أن الأعشاب ضارة ويتناولونها، وحينما تزداد نسبة السكري لديهم يهرولون إلى الطبيب ويكتشف أنهم تناولوا أعشاب، وأضاف أن كل مريض للسكري تختلف طرق علاجه عن الأخر حسب حالته الصحية، وهناك أدوية كثيرة لذلك ما عدا الأعشاب. في السياق ذاته يقول رئيس الشعبة العامة للأدوية بالغرف التجارية علي عوف ، أن الأعشاب مادة غير صحية بالمرة، لأن يتم بيعها عن طريق محطات قنوات فضائية وهذا أسلوب غير علمي وقد يؤدي إلى مشاكل مثل أن المريض يصاب بفشل كلوي أو فقدان البصر لأن هناك أسلوب علمي لمريض السكري يسير عليه.
وأضاف ل"مصراوي"، أنه في نفس الوقت لابد من قياس مستوي السكري كل فترة قريبة، كي يتم متابعته دورياً، الأمر الأخر أن السكري قطعاً يؤثر على وظائف الكبد والكلي ويؤثر على قاع العين لأن مرض السكري على المدى الطويل يؤدي لانقسام في الشبكية مما يؤدي لعدم الرؤية والحديث عن تناول الأعشاب كعلاج للسكري مرفوض تماماً لأن العشب يحتوى على مواد ضارة كثيرة. وتابع: " لا نحبذ استخدامها للمريض، بلاش نجري وراء وهم وسراب غير مدروس وغير محسوب يؤدي إلى جعل حياة المريض في خطر، هناك حالات جالها فشل كلوي نتيجة تناول الاعشاب لان المريض اعتمد أنه خلاص الشفا فيها ولا يعلم أن نسبة السكر عنده بتزيد، وهو لا يعلم ولا يدري أن الاعشاب غير مفيدة وأن السكر بيهد في جسمه. أستاذ أمراض السكري بكلية طب القصر العيني جامعة القاهرة أحمد تيمور، يرى أن الحديث عن الأعشاب يعتبر شيئا خارج الدائرة الطبية وغير علمي وليس له علاقة بالطب، موضحا أن الأدوية تخرج من مشتقات من أصول نباتية لكن الدواء في النهاية كي يسمى دواء أن يمر بخطوات تقنية علمية معتمدة، وهذا غير موجود في الأعشاب. ويؤكد أن هناك معامل في كلية طب ووزارة الصحة تشرف على الأدوية قبل نزولها الأسواق وهناك لجنة عليا تجييز الدواء وترفضه، "احنا كمتخصصين في الطب بنقنن حاجتين في الدواء فائدته وأمانه، الأعشاب ليس لها فائدة ولا أمان، واللي بيروحوا لبائعي الأعشاب وييبيعوا لهم الوهم تحت مسميات طبية غير علمي وليس له علاقة بعلاج مرض السكري". يقول.
"جود باي ديليتيز" قصة دواء علاج السكري بالأعشاب بدأت حينما ظهر إعلان للمطرب إيهاب توفيق عبر قناة سعودية تسمى "هلا مصارعة"، يروج لدواء بعنوان "جود باي ديليتيز"، معتبراً أنه دواء نهائي يقضى على مرض السكري، وأن هذا الدواء أمريكي وحاصل على موافقة وزارة الصحة السعودية.
وأشارت القناة أسفل الإعلان، أنه تم شفاء ما يقرب من مليون شخص بهذا العلاج الذي هو عبارة عن أقراص من الأعشاب، كما أن هذا الدواء يتم عرضه حصرياً على هذه القناة المغمورة دون الإشارة إلى اسم وعنوان الشركة المنتجة أو الموزعة، واكتفى فقط بوضع رقمين لهواتف محمولة. حاولنا الوصول للشركة السعودية صاحبة الدواء والإعلان اكتشفنا أنه لا توجد لديها فروع أو أماكن معلومة في مصر ، سوى رقمي الهاتف الموضوعين أسفل الإعلان. تواصلنا مع أحد العاملين في الشركة من خلال تلك الهواتف المحمولة - لكنه رفض ذكر اسمه- أكد ل"مصراوي"، أن عدد المصريين الذين اشتروا هذا المنتج كثيرين جداً. "أقل يوم بيطلع فيه 30 طلب للدواء، المفروض أن هذا الدواء منتج سعودي وبيتم استيراده من السعودية لكن الحقيقة أن انتاجه أمريكي، الوكيل هو اللي سعودي، المنتج سعره 1250 وفيه ناس يبعيونه ب ألفين جنيهاً حتى الأن يتم الإعلان عنه على قناة هلا مصارعة".. هكذا يقول. مؤكداً أن أحد المرضى الذين اشتروا هذا المنتج من الشركة اتصل بهم ذات مرة ليخبرهم أن الدواء لم يحدث له مفعول، وأنه أحس بدوار بعدما تناول الأعشاب، وحينما ذهب للمستشفى وجد أن السكر لديه مرتفع، لكنه كأحد العاملين بالشركة يرى أن الخطأ كان من مريض السكر نفسه لأنه كان يتناول الأعشاب بدون دواء السكر الخاص به، وهذا ما أثر عليه وأحدث له دوار. ويتابع أن هذا المنتج عبارة عن أعشاب مطحونة في صورة "بدرة"، يتم تناوله كل يوم ملعقة على نص كوب ماء قبل الفطار على الريق، هناك قنوات يقولون أن تناوله ثلاث مرات يومياً، "احنا في الشركة السعودية بنقول للعميل أن استخدامه ثلاث شهور، فيه ناس تانية يستخدموه 45 يوم فقط، هذا المنتج عليه تصريح من وزارة الصحة السعودية وحتى الأن يباع، وإعلاناته موجودة على القنوات الفضائية"..يتابع.
الرقابة غائبة الدكتور محي الدين حافظ رئيس شعبة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، يؤكد أن هناك إتفاق بين وزارة الصحة وهيئة الاستثمار ممثلة لمدينة الإنتاج الإعلامي بمنع ظهور إعلانات عن أية أدوية سواء كانت مسجلة في وزارة الصحة أو غير مسجلة. ويشير في حديثه ل"مصراوي" إلى أن كل الأدوية التي تظهر عن طريق الفضائيات أدوية وأعشاب غير مسجلة وضارة جداً بالصحة، وأنهم قاموا بوقف بث عدد كبير من القنوات الفضائية التي تروج تلك المنتجات، لكن هناك قنوات أخرى تبث إرسالها من أقمار صناعية خارج مصر مثل قناة "هلا مصارعة" التي تبث إعلان الأعشاب. ويتابع: "احنا منقدرش نتعامل مع هذه القنوات لأن معندناش سلطان كحكومة مصرية غير على النايل سات، هذه الشركات تبيع أعشاب مغشوشة وغير مضبوطة، وليس لها فروع في مصر وتبيع منتجاتها عن طريق التليفون، مفيش شركات على الأرض مجرد مبيعات عن طريق التليفون ودول ناس مستخبية في أوكار وحجور وتبيع الأدوية بموتسيكلات للناس، صعب نلاقيهم وبالتالي صعب الرقابة عليهم". كما أن رئيس وحدة الرقابة والتفتيش بوزارة الصحة صابر غنيم ، نفى ل"مصراوي" علاقة وزارة الصحة بهذه الأعشاب المتداولة لعلاج مرض السكري، لكنه أقر أن هذا العلاج يتم بث إعلاناته من قنوات خارج مصر، ولن يستطيعوا الرقابة عليه أو وقف بثه. في سياق متصل وقبل شهرين كان جهاز حماية المستهلك قد حذر جميع المستهلكين من شراء المنتجات الطبية غير المسجلة بوزارة الصحة ومجهولة المصدرعبر قنوات فضائية مجهولة، ورصد الجهاز إعلانات مضللة تبث على شاشات عدة قنوات فضائية للترويج لمنتجات طبية بادعاء قدرتها على علاج عدد من الأمراض على خلاف الحقيقة. وتمت إحالة قنوات المصارع ، ستار سينما2، بيروت سينما ، ليالي سينما، دوللى سينما ماجستيك سينما، ستار2 للنيابة العامة لقيامها ببث إعلانات مجهولة المصدر، لكنه حتى الأن منتج "جود باي ديليتيز" يبث إعلاناته عبر قنوات سعودية تبث إرسالها من خارج مصر ولا يستطيع جهاز حماية المستهلك أن يحيلها للنيابة أو يوقف بثها.
"هناك مافيا كبيرة في العالم تسمي مافيا الدواء وتحديداً الأعشاب، بيعملوا دواء يكلفهم مائة جنيه ويبيعونه للمريض بألف جنيه".. هكذا يؤكد رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرف التجارية محمد إسماعيل لمصراوي. عدد كبير من محلات المستلزمات الطبية المتواجدة في المنطقة المحيطة بالقصر العيني تبيع أدوية أعشاب مختلفة بخلاف "جود باي ديليتيز"، معظمها لعلاج السكر أو التخسيس، لكن رئيس شعبة المستلزمات الطبية يوضح أنه ليس من حق أي محل مستلزمات طبية أنه يبيع اعشاب طبية، وأن الشعبة لا تصرح لهم بذلك. مؤكداً أن أي محل مستلزمات طبية يبيع أعشاب يعتبر مخالف للقانون ويتم التحفظ عليه من جهاز مباحث التموين، "الأعشاب دائما تكون مضرة للمريض، ربما يكون بها منفعة واحدة لكن سلبياتها أكثر، اللي بيفهم في شغل الأعشاب ناس محدودة جدا ومتواجدين في سينا، لابد لوزارة الصحة أن تقوم بتدريب كوادر من الأطباء على الأعشاب، حتى لا تظهر هذه الإعلانات والأعشاب المغشوشة كل فترة"..يقول.
معاناة مرضى السكري على مستوى العالم يصل عدد مرضى السكري ل 240 مليون مريض، لكنه بخلاف المرتبة السابعة التي تحتلها مصر بين دول العالم المصابين بمرض السكري، يؤكد محمود فؤاد مدير مركز الحق في الدواء أن 90% من مرضى السكري في مصر لا يجدون أدوية بشكل سريع، نتيجة ضعف قرارات العلاج على نفقة الدولة وارتفاع أسعار دواء الأنسولين أو نتيجة ارتفاع أسعار شركات الأدوية وخاصة أن الانسولين يعتمد على أدوية يتم تصنيعها في الخارج، كما ان أزمة ارتفاع سعر الدولار تسببت في ارتفاع سعر دواء السكري للمريض. بالإضافة إلى أن متوسط إنفاق مريض السكري على علاجه في مصر يصل إلى ألف جنيهاً شهرياً، ويؤكد "فؤاد" أن مرض السكري لا يستطيع العيش بمفرده ، فدائما تحدث له مشاكل ويصاب بمرض الضغط، أو القلب أو مشاكل في الكلي، وعلى المدى البعيد من الممكن إصابته بفقدان البصر، وهذا يؤكد أن مرض السكر مرض مكلف للغاية ويؤثر على الناتج القومي للدول وخاصة مصر. وأضاف أن هناك تحذيرات أقرها خبراء في مرض السكري على مستوى العالم أثناء المؤتمر العالمي لمرضي السكري في البحر المتوسط لسنة 2015، هذه التحذيرات تؤكد أن عدد مرضى السكري في مصر سيصل ل 15 مليون لعدة أسباب؛ أهمها سوء النظام الغذائي للمصريين، وعدم وجود برامج توعية حقيقة بالنسبة لمرضى السكري.
