4 سنوات بالتمام والكمال، مرت على تجليس البابا تواضروس الثانى، على رأس الكنيسة المصرية، حافظ خلالها على دورها الوطنى في تاريخ مصر، وبعيدا عن أدواره الوطنية الراسخة بشأن ثورة 30 يونيو 2013، وأزمة سد النهضة وغيرهما، فإن البابا حقق إنجازات مهمة داخل الكنيسة، فعلى الصعيد الإداري، أعد مجموعة من اللوائح المنظمة للخدمة والعمل الكنسي مثل الرسامات الكهنوتية، والتكريس، والتربية الكنسية، ولجان الكنائس، وتعليميا..اهتم بهيكلة الكلية الإكليريكية ومعهدي الدراسات القبطية والرعاية، كما أقام مشروعي "الألف معلم قبطي" و"قائد أرثوذكسي مؤثر وفعال"، وبذل جهدًا في تفعيل العلاقة بين الكنيستين المرقسية الأرثوذكسية، من ناحية وبقية الكنائس الممثلة للمذاهب المسيحية الأخرى، من ناحية ثانية، وأجري الكثير من اللقاءات والزيارات مع رؤساء تلك الكنائس في مصر والخارج، وعلى صعيد النشء والشباب..أقام أسقفية للشباب في الولاياتالمتحدة، ضمن مشروع إنشاء عدد كبير من الاسقفيات للشباب في جميع أنحاء العالم، وأسس ايبارشيات جديدة في كندا وألمانيا.. ولا يزال نهر عطاء بابا مصر، وهو يستقبل عاما خامسا، ممتدا ومستمرا ومتجددا.. من مطبخ دير الأنبا بيشوى.. إلى عرش مارمرقس الرسول رحلة البطريرك 118 لن ينسى التاريخ حكمته الخالدة: «وطن بلا كنائس.. خير من كنائس بلا وطن» وصف بالطبيب والحكيم والإداري نسبة لمؤهلاته العلمية، عيد ميلاده مرتبط ب«عيد الحب»، وبعد ستين عامًا ولد من جديد بعد اختياره في 2012 بابا وبطريركًا للكنيسة القبطية.. إنه «البابا تواضروس الثاني» البطريرك ال 118 في سلسلة باباوات الكرسي المرقسي. شهر نوفمبر وبرج العقرب لهما أثر بالغ في حياة البطريرك منذ ميلاده وصولا لقيادته دفة الكنيسة في ظروف أقل ما توصف "كانت حالكة"، لكنه أدار الأزمة بحنكة وحكمة حرصًا على الوطن واحد أعمدته الكنيسة للوصول إلى بر الأمان. البابا "تواضروس الثانى" من مواليد 4 نوفمبر 1952، وُلِد باسم وجيه صبحي باقي سليمان بالمنصورة محافظة الدقهلية، له ثلاث شقيقات توفيت أصغرهن في سن مبكرة، وكان والده مهندس مساحة، ونظرًا لمهام عمله جعل الأسرة تنتقل إلى أكثر من مكان ما بين المنصورة وسوهاج ودمنهور. بدأت أولى رحلات التنقلات وهو في سن الخامسة بسوهاج، وبقي هناك لثلاث سنوات، ثم توجه برفقة أسرته إلى دمنهور عام 1961، وفى 3 يونيو عام 1967 توفى والده بالتزامن مع أول أيام امتحانات البابا تواضروس، وقبل النكسة بيومين. بدأ «البابا تواضروس» خدمته الروحية في صيف المرحلة الثانوية عام 1968 بكنيسة الملاك الأثرية بدمنهور، مع القمص ميخائيل جرجس والذي كان أبًا للاعتراف ل«وجيه - أو البابا تواضروس» إلى حين دخوله الدير، وكان دائم القراءة والاطلاع. حصل البابا على شهادة الثانوية العامة عام 1970، التحق بكلية الصيدلة جامعة الإسكندرية، وحصل على بكالوريوس الصيدلة عام 1975 بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف، وكان يحلم بأن يصبح صيدليًا؛ لأن -حسب تعبير قداسته- «الصيدلي هو شخص يريح الناس»، وكان الدافع للهث وراء ذلك أن والده كان مصابًا بقرحة المعدة، وكان هو من يجلب له الأدوية. أصبح «تواضروس الثاني» أمينًا للخدمة في كنيسة دمنهور عام 1975 وكانوا يلقبونه ب«الأخ الكبير» وهو كاهن، وقام الأنبا باخوميوس مطران البحيرة برسامته أغسطسًا «أحد الرتب الشماسية» في 27 سبتمبر 1975. عمل البابا كصيدلي تابع لمؤسسات وزارة الصحة، حتى كانت آخر وظيفة له قبل الرهبنة مديرًا لمصنع أدوية تابع للوزارة بدمنهور؛ ولم يتوقف عند حد الحصل على زمالة الصحة العالمية بإنجلترا عام 1985، لكنه والتحق بالكلية الإكليركية وتخرج فيها عام 1983. وفي 20 أغسطس 1986 ذهب إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وكان ذلك في صيام العذراء مريم، وظل طالبًا للرهبنة لمدة عامين تقريبًا، وخدم في الدير قبل رهبنته في المطبخ «مبنى الضيافة»، وقضى سنتين بجوار مضيفة استقبال الزوار لتقديم الطعام وخلافه وصيدلية الدير. ترهبن «البابا تواضروس الثاني» يوم الأحد 31 يوليو عام 1988، وكان البابا شنودة هو الذي اختار له اسم «ثيودور»، وأصبح مسئولًا عن استقبال زوار الرحلات لشرح تاريخ الدير، وبعد عام رسم قسًا يوم السبت الموافق 23 ديسمبر 1989. وانتقل للخدمة بمحافظة البحيرة في بداية عام 1990، وبعدها سافر كراهب إلى الخارج وتحديدًا إلى قبرص لحضور اللقاء المسكوني لمجلس كنائس الشرق، ومرة أخرى إلى ليبيا لمساعدة الآباء في الخدمة ببني غازي وطرابلس. نال درجة الأسقفية في 15 يونيو 1997 الموافق لعيد العنصرة وحمل اسم الأنبا تواضروس، وعمل في مساعدة الأنبا باخوميوس المطران، في حقل إيبارشية البحيرة، واعتنى بالأطفال والشباب والمبدعين وكان مسئولا عن لجنة الطفولة بالمجمع المقدس. ومن اللافت للنظر أن اسم الراهب «ثيودور» الذي حملة الأنبا تواضروس «البابا الحالي»، وقت ترهبه في دير الأنبا بيشوي يعني نفس اسم تواضروس أو تادرس باليونانية، والبابا من عائلة كهنوتية، سواء قبل حصوله على نعمة الكهنوت أو بعدها، فكان عمه القمص أنطونيوس باقي. وبعد رحيل البابا شنودة ظل كرسي مارمرقس الرسول شاغرًا، قبل أن يتولى الأنبا باخوميوس قائمًا مقام البابا، وعندما تطلب الأمر انتخاب بابا جديد لتولي أمور الكنيسة، كان البابا تواضروس أحد المرشحين وفقًا لتزكيات عديدة منها تزكية الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط. وبعد انتخابات شهد لها الكل بالرقي والتحضر، جاءت مرحلة الفصل بالقرعة الهيكلية بين تصفيات الانتخابات وفي 4 نوفمبر 2012 للبابا تواضروس، ووقع الاختيار الإلهي عليه بعد أن اختاره الطفل «بيشوي جرجس سعد - 6 سنوات - طفل القرعة الهيكلية». وفي 18 من نوفمبر 2012 احتفلت الكنيسة القبطية كلها بتجليسه على السدة المرقسية، ليصبح بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رقم 118. يرى أن الدفاع عن الهوية المصرية.. واجب وطنى المتواضع «لكل عصر رجاله».. جملة كررها البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية مرارا، كلما تم سؤاله عن المقارنة بين عصره وعصور السابقين من الباباوات، خصوصًا أن البابا تواضروس تولى مهام الكنيسة القبطية بمصر وخارجها، بعدما جاء في ظروف استثنائية أبرزها تضييق الخناق على المسيحيين، من قبل جماعة الإخوان «الإرهابية»، بعد 25 يناير، بل وإطلاق الرصاص على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (مقر البطريرك) لأول مرة في التاريخ، مرورا بمحاولات إقحام الكنيسة في دائرة العنف، خلال تظاهرات 30 يونيو، وصولا بأغسطس الأسود الذي شهد إضرام النار في الكنائس عقوبة عللا دورها الوطني. أدار البابا الأزمات بطريقة «لا تَكُن يَابِسَا فَتُكْسَر ولَا لَيِّنَا فَتُعْصَر»، حال اعتداءات الكاتدرائية لم يقف مكتوف الأيدي أو مكمم الفم، وأعلن صراحة «إن ما حدث تخطى كل الخطوط الحمراء»، حيث قال البابا: إن «الرئيس في إشارة للمعزول محمد مرسي وعدني بحماية الكاتدرائية، ولكن هذا لم يحدث على أرض الواقع، ولا أستطيع أن اسمي هذا سوى أنه تقصير». كما وصف تصريحات عصام الحداد مستشار محمد مرسي، الذي أصدر بيانا أكد فيه أن الكنيسة هي من بدأت بالاعتداء، بأنه «كذب إنجليزي». وقبيل دعوات المصريين للنزول إلى الميادين احتجاجا على حكم جماعة الإخوان للحفاظ على الهوية المصرية، تعرضت الكنيسة للعديد من الضغوط، ولعل أبرزها الزيارة المفاجئة للسفيرة الأمريكية آنذاك بالقاهرة «آن باترسون» للبطريرك بالمقر الباباوى، وتطرقت للحديث حول مشاركة الأقباط من عدمه في تظاهرات 30 يونيو وإمكانية محاولة الكنيسة أثناءهم، وجاء رد البابا صادمًا: «إن الأقباط كسائر المصريين لهم الحرية في التعبير عن آرائهم ما يصب في صالح بلادهم». كما سبق والتقى البطريرك وشيخ الأزهر مع المعزول محمد مرسي للحديث عما يجري بالشارع، وكان يتصور خلاله أن نهاية يونيو ستمضي كأي يوم طبيعي دون الوقوف على أرض الواقع لما يجري في الشارع من حالة غليان. الدفاع عن الهوية المصرية وما إن اقتربت لحظة انطلاق شرارة يونيو، حتى تحدث البابا في مداخلة تليفونية على قناة الكنيسة القبطية ليعلن موقفا صريحا بأن الدفاع عن الهوية المصرية واجب وطني على كل مصري، ولكل مواطن حرية الخروج والمشاركة في الدعوات مع الاحتفاظ بعدم استخدام العنف وتجنب الدماء. ولم يتأخر البابا لحظة عند دعوته للمشاركة في الاجتماع الوطني للحديث عن أوضاع البلاد ولبي النداء، حيث قال حينها: «إنه يوم 3 يوليو اجتمعوا 5 ساعات قبل إلقاء المشير عبد الفتاح السيسي بيان خارطة الطريق.. السيسي كان يدير اللقاء بكل ديمقراطية والجميع طرح رؤيته ثم خرج البيان، وتم مراجعته قانونيًا، وراجعه الإمام الأكبر لغويًا، وطلب من الحاضرين أن يجهز كل منهم كلمة لمدة دقيقتين، ووزعت أوراق لكتابة الكلمات». وتابع أنه لم يجد كلمات يتحدث فيها، ورأى العَلم فكتب عن ألوان العَلم، وأثناء التحضير لإلقاء البيان جاء وقت الصلاة، فصلى بهم الإمام الأكبر، وأنا جالس، ثم ألقي البيان وبعدها اجتمعنا وتناولنا العشاء معًا. وعقب حرق نحو 80 مبنى كنسيا على مستوى الجمهورية في 14 أغسطس 2013 على يد متشددين، وصف البابا تواضروس ما حدث بأنه «جرح للوحدة الوطنية»، مضيفا: «الإرهاب اجتمع مع الإجرام والدموية الوحشية في أناس يتكلمون باسم الدين.. هذا أمر غير مقبول». «أعلم أن الشرطة والجيش والإعلام وإخوتنا المعتدلين تحملوا الكثير ولكن يجب ألا يتخلى أي منهم عن دوره.. المشكلة تظل في حدودها وأشخاصها ويجب ألا تمتد ويجب أن نحفظ الوطن».. كلمات سارع البابا تواضروس بإلقائها إثر الأحداث التي شهدتها الكنائس بعد 30 يونيو. آنذاك جمعه لقاء مع خبير شئون الشرق لسفير الفاتيكان لدى الأممالمتحدة فليب برزر، وبحديثه في تفاصيل احتراق الكنائس عقب سقوط الإخوان، قال البابا تواضروس: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن». ودائمًا يحرص بابا الكنيسة القبطية على المشاركة في الاستحقاقات الدستورية من انتخابات وما شابه، ويدعو رعايا الكنيسة للاهتمام بالأمر، ولم يقف الحال عند هذا الحد، بل دعم المشروعات القومية، وعلى رأسها قناة السويس وغيرها. ومع زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأمريكا – أول مرة - دعا البابا تواضروس الأقباط المتواجدين بالمهجر لدعمه ومساندته لكونه معبرا عن مصر أمام العالم أجمع، ولذلك استقبلته حشود بالترحاب، كما أوفد البطريرك الأنبا يؤانس أسقف أسيوط والأنبا بيمن أسقف نقادة لينسقا مع أساقفة أمريكا دعم الزيارة. الزيارة الأولى للقدس واجه البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية انتقادات لاذعة على خلفية سفرة إلى القدسالمحتلة حال وفاة الأنبا ابراهام، مطران القدس والكرسي الأورشليمي، في نوفمبر العام الماضي بدافع الأصول لإقامة صلاة الجنازة على الراحل، والذي أوصي بدفنه هناك، ليسجل البابا الزيارة الأولى لبطريرك الكنيسة القبطية بعد عزوف 35 عامًا لم تطأ أقدام بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أراضى تحمل من عبق التاريخ ميراثًا حافلا، حيث شهدت مولد المسيح «أرض فلسطينالمحتلة». حينها أوضح البطريرك أن عدم زيارته يعنى تقصيرًا في أداء واجب، خصوصًا أن مطران القدس هو الرجل الثانى بالكنيسة القبطية بعد البطريرك والراحل كان أول الرهبان الذين استقبلوه في الدير، حينما كان لازال طالبا للرهبنة والجانب الإنسانى والأصول تحتم السفر لوداعه. وقال إنه خاطب الرئاسة قبل سفره وفاء للمطران الراحل وليست الرحلة إلا لمهمة لا تختلط بالجانب السياسي لا من قريب أو بعيد، مؤكدًا أن التواجد المصري المسيحي بالقدس كان أمرا هاما ولدينا مطران حالى لرعاية الكنيسة هناك. وألمح البابا تواضروس إلى أن قرار عدم زيارة الأقباط للقدس جاء عقب نكسة 67 من البابا كيرلس السادس، وبعده البابا شنودة، عندما قال: «لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين»، وجاء قرار المجمع في 1980 بحظر الزيارة طالما أن دير السلطان المملوك للأقباط لم يرد إليهم. وحدة الكنائس المصرية كما كسر عادة الأقباط في حضور العظة الأسبوعية بمقر الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وبات يتجول بين الأيباراشيات والكنائس ليحضروا اجتماعه الأسبوعي ويتقارب من الشعب بطريقة جديدة، وسعى إلى وحدة الكنائس المصرية، فاجتمع في 18 فبراير 2013 برؤساء الكنائس في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتأسيس «مجلس كنائس مصر»، ويضم الكنائس «الأرثوذكسية، والكاثوليكية، والإنجيلية، والروم الأرثوذكس، والأسقفية»، وقال البابا وقتها «أشعر أن التاريخ يسجل هذا اليوم». وفي إطار تواصل جسور الود بين الطوائف، كانت أولى زيارات البابا تواضروس الخارجية إلى الفاتيكان في مايو الماضي بالتزامن مع الزيارة التي قام بها البابا شنودة الثالث عام 1973، مجددا فتح قنوات حوار مع الكنيسة الروسية، والتواصل الجاد مع الكنيسة الإثيوبية ومن خلالها يحاولون لعب دور في حل أزمة سد النهضة وإن كانت المحاولات ليست مجدية كسابق العهد نظرًا لانفصال الحكم عن العمل الكنسي. واتخذ البابا تواضروس خطوات جادة لمحاولات استعادة واسترداد دير السلطان التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية المتواجد على أرض القدسالمحتلة، وذلك من خلال تنفيذ الأحكام الصادرة منذ سنوات بأحقية رد الدير لأصحابه. وعمل على تطوير طريقة إعداد زيت الميرون المقدس الذي كان يعد بطرق تقليدية ويستغرق أوقات طويلة من طريقة الأعداد، واستبداله بزيوت مستوردة تحتوي علامات جودة ودقة، ويؤدي عليه طقوس والصلوات المعروفة في إعداده ليصبح زيتا مقدسًا، وواجه عدة انتقادات لهذا الأمر ولم يعطها اهتماما، واكتفى بالرد ليس هناك أكثر حرصا منى على الإيمان. وهنا قال شكري نجيب أحد أراخنة الكنيسة القبطية بإنجلترا وضمن المقربين من البابا منذ خدمته في دمنهور: «أتذكر موقفين للبابا تواضروس الثاني يعكسان مدى تواضعه، أولهما عندما كان مرشحا للباباوية أعدت له صورة بنر كبيرة وذهبت لزيارته في مكتبه بالبحيرة فرفضها ورمها، وبعد تجليسه بطريركا ذهبت للتهنئة وقلت بأنك رفضت صورة لك منى والآن صورك بالكرازة والكنائس كلها».