لم يكن لقب "النمر الآسيوي" الذي حصل عليه الاقتصاد الصينى منطلقا من الفراغ، ولكنه تشبيه لقوة الاقتصاد الصينى على أرض الواقع الذي بات ك"النمر" المفترس المدافع عن صاحبه، متغذيا على سياسات التقشف التي كانت المنقذ الوحيد للصين من أزمات كادت تقضى عليها للأبد. حققت الصين معجزة اقتصادية في وقت قصير جدا، وهو ما أدخلها في منافسة مع الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، فبعد أن كانت مجرد بلد معتمد على الزراعة فقط، بدأ السوفييت في الاستثمار هناك بمجال إنتاج الأسلحة والمعدات الثقيلة، فتحولت الدولة إلى منشأة صناعية كبرى، وهو ما نتج عنه تطور بقدرات الجيش العسكرية وبالبنى التحتية والتقدم التكنولوجي. تعرض الاقتصاد الصينى في أواخر السبعينيات للانهيار، وفى عام 1978 تولت قيادة جديدة الحكم في البلاد بقيادة دينج شياو بينج، وتمثلت رؤيته الاقتصادية في الاكتفاء الذاتي، والابتعاد عن الانفتاح على العالم الخارجى والغرب، بعد أن عانى مواطنوها من نقص شديد في مستويات الدخل في الفترة بين 1949 و1978 وهى أعوام شهدت انخفاضا في إجمالى ناتجها المحلى ومعدل نموها الاقتصادي. حتى نهاية عقد الستينيات من القرن الماضى كانت الصين دولة فقيرة اقتصاديا، إلا إنها استطاعت من خلال اتباع سياسات اقتصادية ناجحة أن تحتل مرتبة متقدمة ضمن ترتيب الدول الصناعية المتقدمة على المستوى العالمي. بحلول عام 2014 كانت الصين تواجه أزمة اقتصادية جديدة، حيث بلغت ديونها حتى منتصف ذلك العام نحو 28 تريليون دولار بقيمة 282% من الناتج المحلي، بعد أن كانت 7 تريليونات دولار عام 2007، فلجأت الدولة لاتباع سياسة تقشفية صارمة في محاولة لمواجهة الأزمة. تسببت سياسات التقشف في خفض الإنفاق الحكومى بالصين عام 2014، بعد أن تخلت السلطات عن الإنفاق على كل ما هو غير مهم، حيث قللت الإنفاق الحكومى على الاجتماعات الرسمية، والسفر وشراء السيارات بعد إطلاق الحكومة حملة لمكافحة البذخ الحكومي. تراجع الإنفاق داخل الحزب الحاكم بنسب كبيرة راقبته اللجنة المركزية لفحص الانضباط في الحزب الشيوعى الصيني، والتي رصدت تراجع الإنفاق على الاجتماعات بنسبة 53% منذ عام 2012، وانخفاض الإنفاق على الرحلات الرسمية الخارجية بنسبة 39% وعلى شراء السيارات بنسبة 10%. على الرغم من ذلك استمرت قيمة العملة الصينية في الانخفاض منذ أغسطس 2015 وحتى العام الجاري، وانخفض احتياطي النقد المحلى في العام ذاته نحو 600 مليار دولار حتى بلغ في نهاية 2015 نحو 3.3 مليار دولار بعدما كانت قيمته 3.9 تريليون دولار في نهاية 2014. واتبعت الصين إجراءات صارمة للتقشف ضمن حملة أطلقها الرئيس شى جين بينج أواخر 2012 لوقف إهدار المال في المؤسسات الحكومية ومكافحة الفساد فيها مازالت مفروضة حتى الآن ويُحاسب عليها الجميع حتى كبار المسئولين حيث عاقبت الدولة، مؤخرا، نحو 4417 مسئولا حكوميا بسبب انتهاكهم قوانين التقشف، تضمنت منح مكافآت غير مصرح بها وإرسال وقبول هدايا واستخدام المركبات العامة في إطار سيئ. ومنعت الصين الكثير من مظاهر الترف والرفاهية ضمن خطتها للتقشف، وكان أبرز تلك الممنوعات رفع تقديم حساء زعانف القرش وعش الطائر، باهظى الثمن، من قوائم حفلات الطعام الرسمية، فضلا عن التوقف عن منع تسكين المسئولين في مستويات القيادة في أجنحة فخمة بالفنادق خلال رحلات العمل، وحظر تقديم السجائر والخمور خلال الحفلات الرسمية، أو منح الضيوف المحليين نقودًا أو سندات قابلة للتفاوض أو هدايا تذكارية أو منتجات محلية على سبيل الهدايا.