الأعياد فرحة، تمسح تضاريس الأحزان , إلا أن حزن مصر لازال غائرا على جبهة الوطن, انتقلت آثاره للاحتفال بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية, كنوع من إظهار التسامح الذى حثت عليه الأديان, ويأتى احتفال الطوائف المسيحية هذا العام, وعلى رأسها الأرثوذوكس فى ظل التغيرات السياسية, وحدث جلل ألم بمصر هو رحيل البابا شنودة ليأتى الاحتفال هذا العام, بصورة مختلفة مع البابا تواضروس الثاني الذى يهدف الى «لم الشمل وانفتاح الكنيسة والميل الى الروحانيات» بعيدا عن السياسة, والصلاة من أجل مصر, بدعوة وجهها من دير الأنبا سمعان بكنيسة المقطم,وسط طقوس رسمية وشعبية تحاصرها دماء الشهداء,منذ تفجر الثورة فى 25 يناير وحتى أحداث الاتحادية, وظروف اقتصادية خانقة لم تمنع فرحة المسيحيين, لكنهم يشعرون بما يشعر به شركاؤهم فى الوطن .. «للأديان فرحة ترسمها الاحتفالات والأعياد, ومنها الاحتفال بعيد السيد المسيح عليه السلام,بهدف نشر التسامح» , هكذا يقول الدكتور عدلى أنيس - أستاذ الجغرافيا الاقتصادية بجامعة القاهرة - مضيفا أن هناك قواعد أساسية من ناحية القداس، الذى يقام كل عام للاحتفال به, من خلال شخصية البابا تواضروس الثانى, الذى يسير على خطي البابا الراحل شنودة الثالث, باعتبارها ركائز أساسية لا شك فيها, رغم أن الاحتفال مع البابا الجديد يختلف عن سلفه, لينأى عن التعليقات السياسية على عكس البابا شنودة, الذى كان لديه تدخلات لدى السلطة فى التفاعل مع مجريات الأمور, ورغم إشفاقى على البابا الجديد الذى تولى كرسى الباباوية فى ظروف صعبة ,فى ظل نمو تيار الاسلام السياسى بقوة, وما أعقبه من تجاوزات واساءة للكنيسة والسلطة . يضيف الدكتور عدلى أن البابا تواضروس يميل الى العلمانيين, ليس بالمفهوم الشائع المتعارف عليه ,ولكن كلمة «العلمانى» فى الكنيسة تطلق على الشخص الذى يقوم بخدمات داخل الكنيسة، دون أن تتوافر له رتبة كنسية,لافتا الى ان أى تصريحات تنال من الكنيسة لا يرد عليها البابا، ويقوم الخدام بهذه المهمة,فالبابا أكثر ميلا للفصل بين الكنيسة والسياسة, سواء من خلال الممارسة أو قراراته داخل الكنيسة, فأعماله روحانية أكثر منها سياسية,خاصة بعد ثورة 25 يناير وخروج بعض قيادات الكنيسة بدرجات معينة على الساحة السياسية، واشتراك بعضهم فى التظاهرات. ينفى الدكتور عدلى أى اختلاف فى الجوهر حول الاحتفال بين الطوائف المسيحية الثلاث «الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت» لكن الاختلاف فى الممارسة والطقوس المتباينة, والمستحب أن تكون الاحتفالات هادئة، بسبب الظروف الراهنة,وحزنا على شهداء الثورة. وحول سقوط المطر وعلاقته بالاحتفالات يوضح الدكتور أنيس ان نوة الغطاس تحدث نتيجة الانخفاضات الجوية من منطقة السلوم حتى رفح,فتحدث اضطرابات مناخية, وتسقط الأمطار يوم 19يناير,وتتقابل مع نوة الغطاس, وهوربط طبيعى يستبشر به الناس خيرا,فالطقس يرتبط بالمياه مابين ايام 20,19,18 مثل رياح الخماسين التى لها ارتباطات بالتغيرات المناخية, وليس بالضرورة أن يؤدى جميع المسيحيين صلاة القداس, ولا مانع من حضور بعض المسلمين فيها,ويسبقها توجه بعض الشخصيات العامة لتقديم التهانى للبابا بالعيد, وهناك من يحضر القداس للموعظة ,سواء بطريقة الدعوة الرسمية أو للعامة . ويصف الدكتور عدلى البابا الجديد بأنه مختار من السماء, ومحمود لدينا بإرادة بشرية وربانية, مع التأكيد علي أننا لا نعبد اشخاصا, بل نعبد ربنا، ونؤمن باختياراته, فالبابا تواضروس حكيم ومثقف, مطالبا الشعب المصرى بالتوحد كشركاء فى مجتمع واحد، يستوجب منا القفز فوق كل الخلافات فى هذه المناسبات,التى تقرب ولا تبعد,مطالبا مجلس الشعب القادم- المسئول عن التشريع - بأن يكون حريصا علي عدم التفرقة بين ابناء الوطن الواحد, فالمسيحيون كتل اقتصادية وسياسية، لا تستوجب أن تتم معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وتصف الدكتورة عايدة نصيف -أستاذ الفلسفة السياسية بجامعتى القاهرة والألمانية - الاحتفال بأعياد الميلاد بالاعتزاز بالسيد المسيح,الذى تواكب هذا العام باختيار الرب لشخص البابا تواضروس الثانى, بشخصيته المنفتحة على كل الطوائف, بجانب كونه مثقفا, وصاحب علم لاهوتى ,وسط ثلاث فرحات لنا: الأولى عيد الميلاد,والثانية وجود البابا,والثالثة ان يكون العيد ميلادا لمصر الجديدة,حتى أننا شاركنا الكاثوليك الاحتفال بعيدهم, وقدم البابا تواضروس التهنئة لهم ,لأننا دائما نتبادل التهنئة, والكنائس بمختلف أنواعها تتواصل, حتى ان البابا تواضروس وجه الدعوة لمختلف الكنائس من دير الأنبا سمعان للصلاة فى كنيسة المقطم من أجل مصر, وهى أول مبادرة يدعو اليها البابا منذ عدة سنوات,وسوف يكون الاحتفال الرسمى فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية يوم واحد يناير,لكن كل الطوائف تحتفل بأعياد رأس السنة يوم 7يناير. لطفى جيد- المحامى بالادارية والدستورية العليا – يري أن الاحتفال بأعياد رأس السنة، وميلاد السيد المسيح، نستشعرها بمشاركة أشقائنا المسلمين,سواء على المستوى الرسمى وغير الرسمى,لأننا نعيش فى وطن واحد, ونتأثر بكل ما يدور فيه من أحداث, لكن طقوس الاحتفال تتمثل فى أن يوم 6يناير بالنسبة لنا يوم «الوقفة»- قبل العيد كما هو معروف لدى أعياد المسلمين - فهناك من يذهب الى الكنيسة بالعباسية للتهنئة، وهناك من يذهب يوم العيد للمشاركة فى الاحتفالات القداس، وتقديم التهانى بعد الانتهاء منه. لا يخفى لطفى جيد ان الاحتفالات هذا العام لن تكون صاخبة كما كان معهودا فى سنوات سابقة,فى ظل الأحداث الحزينة التى مرت وتمر بها مصر, بعد سقوط شهداء 25يناير، وماسبيرو ومحمد محمود، وبورسعيد، والاتحادية ,بجانب الظروف الاقتصادية الطاحنة التى يمر بها المصريون, وحالة الانقسام وما لها من تداعيات على الاحتفال, لكن يبقى عيد ميلاد السيد المسيح دعوة للمحبة والتسامح والسلام والخير بين الشعوب, على اختلاف عقائدها, لأن رسالة الأديان هى قواسم مشتركة, صفوتها الخير دائما المقدم على الشر.