تشكل قضية المحنة جانبا رئيسيا في تفكير ووعى ووجدان الإخوان..وعادة ما يقارنون بينها وبين أحداث من السيرة النبوية المطهرة، ليؤكدوا لأنفسهم - قبل غيرهم - أنهم ماضون على ذات النهج، ويسيرون في الطريق الصحيح، وبالتالى هم جزء من أصحاب الدعوات عبر عصور التاريخ..يطلقون على المحنة منحة، كما أنهم يعتقدون أن الصبر على لأوائها هو الطريق المؤدى إلى الجنة ففى المحنة يتفاضل أهل الايمان، ويتمايز أصحاب الكفاءات والطاقات..من ناحية أخرى، ينظر الإخوان إلى المحنة على أنها المرحلة التي تسبق التمكين، لقد مرت بالإخوان محن كثيرة، منذ أربعينيات القرن الماضى وحتى اليوم، وبالتالى لا ينقطع الأمل لديهم في أنهم سوف يعودون لممارسة أمور دعوتهم من جديد.. والحقيقة أن المحن تتفاوت في درجات الشدة من محنة إلى أخرى، كما يتفاوت الإخوان أيضا في قدراتهم ومدى تحملهم لها، فمنهم من يخرج منها وهو أكثر شدة وصلابة، وبالتالى أكثر إصرارا على المضى في نفس الطريق، وهكذا.. وقد التقينا في حياتنا الدعوية كل هذه النوعيات..لكن الخطورة تظهر آثارها عندما يتولى قيادة الجماعة هذه النوعية الأخيرة، خاصة إذا ما افتقرت إلى الرؤية الإستراتيجية والعقل والحكمة والرشد، علاوة على غياب فقه الواقع والأولويات والتوازنات والمآلات.. فإذا أضفنا إلى ذلك، وجود مفاهيم مغلوطة؛ كاعتماد العنف وسيلة للتغيير، أو المزج بين الجماعة والحزب، أو عدم الاعتراف بمفهوم الدولة الوطنية الحديثة،إلخ، أقول تصبح الخطورة مؤكدة..أحيانا يدفع سوء التقدير أو الحماس الزائد أو الاغترار بالقوة عند الجماعة إلى أن تقدم على خطوة تكلفها أعباء وخسائر قد تفوق قدراتها وطاقاتها بكثير.."، أو كما قال.. ولعل ما حدث في اعتصامى "رابعة" و"النهضة" يعبر عن ذلك أصدق تعبير..فقد تصورت الجماعة ومناصروها، أنهم قادرون على استعادة السلطة وفرض إرادتهم على الدولة، وإيقاع الهزيمة بجيشها وشرطتها(!) كان من الواضح أن هناك وعودا من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها، على الدعم والتاييد والمساندة، لكن كان هناك أيضا نوع من الغيبوبة تمثلت في التهليل والتكبير الذي أظهرته الحشود عند سماعها للرؤى المنامية التي حاول البعض أن يأسر بها القلوب ويسيطر على العقول، ويلهب بها المشاعر..