تنادي التيارات الاسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية، و إقامة الحدود الشرعية، متناسية الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد، والحياة الاجتماعية المعدمة التي يعيشها أكثر من نصف الشعب المصري، فهل نستطيع إقامة الحدود الشرعية الآن، وكيف سيكون تأثيرها علي الأوضاع الاقتصادية في مصر؟ الدكتورة ضحى عبدالحميد– الخبير الدولي للاقتصاد التنموي في منظمات الأممالمتحدة أجابت قائلة: لا أعتقد أننا نستطيع تنفيذ الحدود بما تنص عليه الشريعة من قطع اليد والجلد وغيرها، لأن مصر كدولة وقَّعت علي اتفاقيات دولية، فمن وجهة نظر العالم يكون إقامة الحد انتهاكا لحقوق الإنسان، فنحن كنا من أوائل الدول التي انضمت للأمم المتحدة ومثَّل مصر وقتها شيوخ من الأزهر، ومثَّل كل دولة أساطين ديانتها، وقد تجمعت مختلف الأديان علي أسس تهدف إلي كرامة وإنسانية واحترام الانسان. ولو أستجابت الدولة للأصوات التي تنادي بإقامة الحدود الشرعية، فإن عضوية مصر في الأممالمتحدة قد تلغي، ثم تتاح الفرصة للقوي الخارجية بفرض عقوبات دولية علينا، ومن ثم يتم عزل مصر عن العالم. د. ضحي أشارت إلي أن طبيعة مصر مزيج من الثقافات والحضارات، ولا نستطيع بأي حال أن نقول إن مصر لم تطبق الشريعة الإسلامية، حتي في معاملات البنوك نجد هناك بنوكا إسلامية، وهناك بنوكا تجارية، وكلاهما يخصع لاشتراطات البنك المركزي، وحتي بعض البنوك العامة بها أفرع إسلامية مثل بنك مصر، وقد أثبتت الدراسات أنه لا يوجد تعارض بين البنوك الاسلامية والبنوك التجارية. اما الدكتور صلاح الدسوقي– الخبير الاقتصادي ووكيل مؤسسي حزب المؤتمر الشعبي– يري أن المناداة بإقامة الحدود الشرعية تعني غياباً وانفصاماً كاملاً عن حقيقة الأوضاع في مصر، والمشاكل المزمنة التي عاني منها الشعب طوال 30 سنة من الاستبداد السياسي، مع وجود نسبة فقر في المجتمع تقترب من 50% أي أن نصف المصريين تحت خط الفقر، فالمشكلة لا تكمن في تطبيق الشريعة أو غيرها، وإنما هي مشكلة تنمية تحتاج إلي خطة استراتيجية، فالكلام عن الحدود من جانب التيارات الإسلامية هو خروج عن النص لا يعبر عن واقع. الدكتور محمد موسي– رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر–: يؤكد إننا نعيش الآن نكسة دينية وهزيمة بالمعني المتعارف عليه، فالشريعة الاسلامية وما تم تطبيقه علي عهد الرسول «صلي الله عليه وسلم» وخلفائه الراشدين كان يقوم علي الاصلاح، فأين الإصلاح فيما ينادون؟ وهناك شرط لإقامة الحدود الشرعية أساسه أن تقوم الدولة بتوفير وظيفة ملائمة للشباب وتيسير حصوله علي مقومات حياته من شقة لزواجه، فعلي الدولة توفير جميع الاحتياجات التي تغني الشباب عن فعل الكبائر، فالدولة لا تستطيع قطع يد السارق مع بطالة 26 مليون من خيرة شباب هذا البلد، و من يقول إن فوائد البنوك حرام هو في الأصل لا يعي آلية عمل البنوك، لأن أصل عملها هو التعامل في النقد بما يحقق الربح، إذا سمي هذا الربح فائدة أو عائداً او أي مسمى فهو حلال، لكن الربا هو استغلال حاجة البعض للمال وفرض عائد مادي كبير علي إقراض هذا المال، وأن هؤلاء الذين يدَّعون الاسلام هم في الحقيقة يمثلون عبئا علي الاسلام. والظروف الاقتصادية للبلاد الآن تلغي أي تكليف، لأن التكليف له شروط حتي يكون صحيحا ًمن أهمها حرية الاختيار، حتي ان الخليفة عمر بن الخطاب لم يطبق حد السرقة في عام «الرمادة» لأنه أسقط التكليف للظروف التي مرت بالناس. ويوضح الدكتور أحمد أبوالنور– استشاري الاقتصاديات الحرجة والأزمات بالجامعات الأمريكية- أنه لم تمر لحظة واحدة غابت فيها الشريعة عن القوانين المصرية علي تنوعها، ومن ينادي بتطبيق الشريعة فإنه يتخيل أن فهمها محدود ومنظوره لها خاص وليس عاماً– فالشريعة الحقة في منظور المسلمين وغير المسلمين تكون عامة للجميع والمفهوم الأخص يكون عند أهل العلم – وإن كانوا يقصدون إقامة الحدود التي تنص عليها الشريعة فإن حد الكبائر يصعب تطبيقه الآن، لأنه من الأمور الصعبة كقطع يد السارق لأنه يحدث عاهة مستديمة، أو رجم الزانية لأن الله وضع شروطاً لتطبيق الحدود، ففي الزني يجب أن يشهد أربعة شهود عدول– أي ذوات عدل وثقة – فإذا جاء اي أحد وشهد ضد أحد الشهود بأنه ليس عادلاً يسقط تطبيق الحد، فهذه الحدود لم تشرع إلا للتخويف والترهيب من ارتكاب الكبائر، لكن أصحاب الفكر الضيق هم من يريدون البتر والرجم والجلد، والتوقيت لا يحتمل مثل هذه المفاهيم الضيقة والتي تضيِّق الحياة علي المجتمع.