بدأت ظاهرة بيع الفتيات القاصرات لشيوخ و أمراء الخليج فى شكل عقد زواج مع بداية النصف الثانى من عقد السبعينيات، عندما بدأت عائدات البترول تتدفق بشكل جنونى على بلادهم، بعد حرب اكتوبر 1973 ، حينها بدأت أفواج السائحين العرب تتدفق على مصر، ولبنان، وتونس، والمغرب، تطلب المتعة بجميع صورها، ولكن مغلفة بإطار شرعى لا يغنى من الحق شيئا. و بعد أن ازدادت الظاهرة فى الأعوام التالية تنبه لها المجتمع المدنى من جمعيات حقوق الانسان، والدفاع عن المرأة والطفولة، وهو ما لفت نظر مخرجة سينمائية صاعدة وقتها، لأهمية الظاهرة، وضرورة التعامل معها، فبدأت الإعداد لفيلمها المهم «لحم رخيص» عرض عام 1995. و رغم ان الفيلم يتحدث عن فتيات ناضجات، و لسن قاصرات، إلا ان الفيلم يتنبه للظاهرة، ويتناولها بشكل قريب الشبه بها، متتبعا كل المشاكل التى يمكن أن تترتب عليها، يبدأ الفيلم بمبروك (كمال الشناوى) سمسار القرية الذى يتاجر فى كل شيء تبعا لقوانين الانفتاح السبعينية، حتى ولو كانت اعراض بنات القرية التى يسكن بها، نتابع البؤس والفقر والأمراض المنتشرة فى القرية من خلال حكايات ثلاث فتيات من داخل القرية. الاولى هى «خفة» (وفاء مكى) التى تتزوج بشيخ خليجى، هبط الى القرية مع السمسار مبروك باحثا عن زوجة للمتعة، يقبض الاب ثمن بيع ابنته التى تسافر مع زوجها الى بلاده، و هناك تفاجأ بالحقائق تتوالى عليها تتري.. فأولا الشيخ متزوج من ثلاث زوجات غيرها، وهى بالطبع الرابعة، ثانيا الرجل يريد منها إشباع رغباته الشاذة بأوضاع محرمة شرعا، وعندما ترفض يجبرها على ذلك ويغتصبها بشكل عنيف ، ثالثا انها بخلاف إشباع رغبات الشيخ الشاذة مطالبة بكل اعمال المنزل كخادمة ليس للشيخ فقط، وإنما ايضا لزوجاته الأخريات وابنائه منهن. تحاول خفة الهرب من زوجها واللجوء للسفارة المصرية فى البلد المقيمة به، ولكنها تفشل وتتعرض للضرب والاهانة من زوجها لتفكيرها فى الهرب وتكتمل مصيبتها بحملها من الشيخ، و يكون الحمل هو طوق النجاة لها، اذ انها لا تصلح مع الحمل لإشباع رغبات الشيخ فيطلقها، ويعيدها الى مصر، لتبدأ معاناة من نوع آخر لإثبات نسب ابنها، ومحاولات مستحيلة لحصوله على الجنسية المصرية. الفتاة الثانية إخلاص (جيهان سلامة) التي تحب شابا خليجيا يدرس فى مصر وتتزوج به وبعد ان يقضى سنوات دراسته يعود الى بلده وينساها تماما، وكأنها كانت مجرد اداة للمتعة خلال غربته فى مصر. اما الفتاة الثالثة توحيدة (إلهام شاهين) فتقدم النموذج الايجابى فى الفيلم، والذى يتمثل فى البديل الذى يمكن ان تفعله الفتاة لكى تتجنب هذا المصير البائس، فتوحيدة تضطر للعمل كخادمة فى بيوت الاثرياء، وتتعرض لمحاولات اغتصاب والعديد من الاغراءات للسقوط، ولكنها كانت دائما ترفض وعن طريق السمسار مبروك تعمل فى بيوت الاجانب فقط حيث المعاملة تختلف خاصة العاملين فى السلك الدبلوماسى، ومن خلال عملها تتدخر مبلغا لا بأس به تستطيع عن طريقه شراء بعض ماكينات خياطة والبدء فى مشروع سرعان ما ينتج ويكبر ويتوسع ويساع بنات قريتها بما فيهن خفة واخلاص ضحايا سماسرة الاعراض. هذا هو الفيلم الأول الذى ناقش الظاهرة، و قدمناه بشيء من التوسع لدقة الفيلم فى عرض التبعات والمشاكل المترتبة على الظاهرة والبديل الافضل الذى يجب النظر اليه بدلا من حجج الفقر والاضطرار. وعندما نتأمل فى افلام السينما المصرية بعد ذلك سنجد اشارات للظاهرة منها على سبيل المثال الفتاة القاصر التى كانت تعمل خادمة فى فيلم «صاحب الادارة بواب العمارة» والتى ماتت نتيجة اغتصابها فى الفيلم، كذلك فيلم «الجراج» والفتاة التى يحاول رب الاسرة اغتصابها بعد تبنيها ، وهناك العديد من الاشارات الشبيهة، ولكن لم تتناول السينما الظاهرة بشكلها المناسب. هذه هى النماذج القليلة التى قدمتها السينما المصرية لظاهرة مهمة تكاد تأكل فى اساس المجتمع، وتهدد سلامه الاجتماعى بخلق نماذج مشوهة وحاقدة على المجتمع وما فيه، و كان لابد من الاجابة عن هذا السؤال : لماذا لم تهتم السينما بهذه الظاهرة رغم اهميتها الكاتب الكبير وحيد حامد يجيب عن هذا السؤال قائلا: ان المجتمع المصرى كان يسير بشكل طبيعى، ولم يكن زواج البنت فى سن صغيرة يمثل مشكلة، انما كان يمر بشكل طبيعى بعيد كل البعد عن فكرة الاستغلال التى ظهرت مؤخرا، ولذلك لن تجد احدا من كتاب السينما او الادب تناول المشكلة ،لأنها لم تكن مطروحة من الاساس ، اما الآن فالمشكلة باتت ملحة، لأنها خرجت عن السياق الطبيعى لها الى فكرة المتعة والاستحواذ وإشباع الشهوات والنهم الجنسى من جانب بعض التيارات الدينية، التى ترى فى زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة فى سن صغيرة -إن صحت هذه الاقوال سنة تتبع، وليس طبيعة مجتمع وخصوصية للرسول دون سائر العالمين. وعندما تنظر لتراث السينما المصرية ستجدها تعاملت مع كل مشاكل المرأة والفتيات القاصرات لكن بعيدا عن فكرة الزواج المبكر التى لم تكن مطروحة حينها ، واعتقد انها ستكون مطروحة الفترة المقبلة على الساحة السينمائية والادبية بشكل كبير. ومن جانبه يجيب الناقد الكبير محمود قاسم بأن السينما المصرية ترصد ما هو قائم بالفعل فى المجتمع، ونادرا ما استبقت السينما المصرية ظاهرة ما بالرصد قبل تفاقمها فى المجتمع، و على ذلك سنجدها تعاملت مع كل مشاكل القاصرات فى افلام عديدة منذ بدايتها فى افلام من نوعية «المراهقات» و«بيت القاصرات» و«بنات فى الجامعة» وبنت 17» و«احلام البنات» وغيرها من الافلام، ولكن كانت نوعية المشاكل التى تناقشها بعيدة كل البعد عن الزواج المبكر الذى كان معروف وغير مستهجن فى الريف والاوساط الشعبية ، وكانت المشاكل المطروحة من نوعية الحب الاول وحق الفتاة فى التعليم ومشاكل المراهقة، والعلاقات الجنسية وما يتبعها من مشاكل الى اخر هذه المشاكل التى كانت مطروحة بشكل ملح على المجتمع آن ذاك. اما الآن مع التغيرات فى المجتمع طفت الى السطح مشكلة بيع القاصرات كجوارٍ بعقد زواج، وهى المشكلة التى سنراها كثيرا فى الافلام القادمة، وستكون تحديا كبيرا للسينما المصرية، لتقوم بدورها فى مواجهة التيارات المتزمتة التى تفسر الدين على طريقتها الخاصة دون النظر الى سماحة الاسلام ووسطيته.