لا توجد دولة في العالم تعاني من الفقر المائي، وتقدم على تصدير الأرز، إلا مصر التي سمحت حكوماتها بالخروج عن تلك القاعدة، علما بأن تصدير الأرز يعني تصدير المياه. وعندما أصرت حكومة شريف إسماعيل على إصدار قرار بمنع التصدير، تعرضت لضغوط عديدة لإجبارها على التراجع، ولكن إدراك الحكومة للأخطار القادمة، دفعها لاتخاذ قرار المنع في اجتماعها الأخير. المصدرون يدافعون عن الأرباح التي يحققونها ولو على حساب إقامة مشروعات الدولة التي تستهدف استصلاح واستزراع أراض جديدة، بينما حقق المستوردون أرباحا هائلة في العام الماضي، بسبب نقص المنتج في السوق المحلية ما دفع الحكومة إلى الاستيراد لسد احتياجات المواطنين.. وارتفعت الأسعار بصورة غير مسبوقة. ولا شك أن الحكومات المتعاقبة تتحمل الجانب الأكبر من المسئولية، لأنها تساهلت مع مزارعي الأرز بالمخالفة استجابة لمطالب النواب. يتجاهل الذين يسعون للتأثير على الحكومة، وإجبارها على التراجع في قرار منع تصدير الأرز بجميع أنواعه، ردود الأفعال الإثيوبية التي تستغل الموقف، في الزعم بأن مصر لا تعاني نقصا في المياه، إنما تهدره بفعل سياستها الزراعية. والملاحظ أنه كلما تحدث مسئول مصري عن أن الدولة تواجه «الفقر المائي، بفعل سد النهضة» يأتي الرد الجاهز من الجانب الاثيوبي، بأن مصر تصدر المياه عن طريق تصدير الأرز، وهو من المحاصيل الشرهة جدا لاستهلاك المياه، وبذلك نخسر كثيرا في إقناع الآخرين بأن لدينا مشكلة حقيقية في نقص المياه، وأن الحصة المقررة من مياه النيل التي تقدر ب 55٫5 مليار متر مكعب سنويا، وأقرت عام 1959 حينما كان عدد سكانها لا يتجاوز 25 مليون نسمة، لم تعد تكفي أكثر من 90 مليون نسمة. لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في وضع مشكلة المياه في سلم أولوياتها، كما فشلت في إقناع المواطنين بالآثار المدمرة للمشكلة، ومازالوا يهدرون المياه في استخداماتهم اليومية، سواء في الزراعة.. أو غيرها.