من خلال قراءة حقيقية لخريطة المشهد الاقتصادى يتبادر إلى كل الأذهان سؤال: أي نظام اقتصادى تطبقه مصر الآن.. وهنا لا نعثر على إجابة واضحة قاطعة؛ فثمة خليط مشوش متنافر من قطبى المذاهب الاقتصادية.. فلا نحن التزمنا برأسمالية اجتماعية رشيدة تحمى الفقراء، وتطلق حرية التملك والربح استنادًا لقواعد شفافة منضبطة وعادلة للسوق، ولا نحن أقمنا اشتراكية خالصة تضع مقاليد السوق والاقتصاد في يد الدولة.. والنتيجة عشوائية مفرطة في الأسواق وجشع واحتكار من التجار والمنتجين والمستوردين.. والضحايا في النهاية هم الفقراء والطبقة الوسطى التي انداح أكثرها تحت خط الفقر وتآكلت بصورة تنذر بالخطر؛ إذ يصارع ما بقى منها موجات الغلاء لكنه إن ظل الحال هكذا سيهوى في النهاية إلى قاع المجتمع بفضل الزيادة الهائلة في الأسعار التي لا تكفيها أي زيادة مقابلة في الأجور، ناهيك عن ضعف القدرة الشرائية للجنيه أمام العملات الأخرى، وتسارع وتيرة الغلاء بلا سقف محدد لهامش الربح الذي تُرك لتقدير أصحاب رءوس الأموال بلا رقابة من الدولة، وتراجع في الإنتاج بعد غلق آلاف المصانع منذ الثورة وحتى اليوم، وتراجع التصدير والسياحة وعوائدهما من العملة الصعبة.. كل ذلك يشعر به المواطن، ويراه رأى العين.. بينما تغيب الحكومة، ولا نجد لها أثرًا في ضبط الأسعار حتى أن تدخلها يكاد يقفز في الاتجاه المعاكس، حيث تتسبب إجراءاتها العشوائية في مزيد من رفع الأسعار وحرق جيوب الفقراء.. ولا أدرى ما حجة الحكومة في فرض مزيد من الضرائب في مثل هذه الظروف السيئة، وآخرها ضريبة القيمة المضافة التي تعرف الحكومة أكثر منا أنها ستلهب الأسعار أكثر فأكثر، وأكثر الضرر واقع بالفقراء الذين باتوا يئنون من شدة الأعباء.. وإذا كانت حجة الحكومة أن "القيمة المضافة" سوف تجلب 30 مليار جنيه للموازنة فيمكن للحكومة بجرة قلم توفير مثل هذا المبلغ بترشيد الإنفاق وغلق حنفية الفساد.