«اصحى يا نايم وحد الدايم» عبارة التصقت بلسانه وأدمت حنجرته فترة طويلة من الزمن ولكن لها مذاق ايمانى عميق فى قلبه وروحه وهى مصدر سعادته لقناعته بانه يقوم بعمل روحانى يقربه الى الله ويزيد ميزان حساناته برغم مشقة اللف والدوران فى الازقة والشوارع حاملا طبلته على كتفه عازفا عليها ترنيمة السحور الجميلة 29 ليلة أحيانا و30 ليلة أحيانا أخرى . إنه المسحراتي والذي ارتبط بالاذهان بالرجل الفقير او المعاق أو قليل الحيلة الذى يتخذ من المهنة واجهة للفت انظار الناس اليه لمساعدته ولكن بطريقة شريفة اى اجر مقابل عمل ولو حصل عليه من البعض من قبيل الصدقة . مسحراتى هذه الايام صارت مهمته اصعب فهو يدرك جيدا بأن طبلته لم يعد لها القيمة التى كانت لها فى الماضى فى ايقاظ الناس للسحور فى وقت كان فيه معظم الناس ينامون بعد صلاة العشاء بعد يوم عمل شاق فى حين أنهم الآن يسهرون حتى آذان الفجر ولم يعد احد منهم فى حاجة لطبلة المسحراتى ولولا تمسك المسحراتية بمهنة توارثوها ابا عن جد لكانت هذه المهنة الجميلة قد انقرضت تماما منذ عدة سنوات . عبدالجليل عبداللطيف (53 عاماً) مسحراتى من الزمن الجميل التقته «فيتو» فقال: إنه ورث المهنة عن جده وعمه ووالده ويلقب حاليا بمسحراتى المدينة اى مدينة كوم حمادة بالبحيرة ويعيش بمنطقة زاوية فريج ويحمل امراضا واعاقات تجعلك تشفق عليه بمجرد النظر اليه فهو معاق بيده اليمنى ومصاب بتمزق فى الاربطة الخلفية بساقه اليسرى وبرغم ذلك يبدو لك كتلة من الحياء وينبوع من الكرامة «حريص على الاستمرار فى العمل بمهنة المسحراتى لأنها مهنة وعمل خير وثوابها عند الله ويفرح بها الاطفال الصغار الذين يلتفون حولى ويرقصون على انغام طبلتى» هكذا قال عبد الجليل مؤكدا ان طبلته عمرها 60 عاما وورثها عن جده ويصل ثمنها اليوم الى 400 جنيه بعد ان كان ثمنها فى الماضى 18 جنيها فقط . عن النغمات التى يتقنها ويتفنن فيها قال انه يستخدم اربع نغمات منها نغمة ورثها عن والده وثلاثة من اختراعه وكلها نغمات تسر الناس وتدفع الاطفال الى الرقص ورائى مؤكدا انه يلف ويدور بغية الثواب من الله وليس الاجر من الناس مستطردا:من يريد ان يد يدفع لى مقابلا فليدفع ومن لا يريد فهو وشأنه مشيرا الى ان اقصى مبلغ حصل عليه هو 5 جنيهات . على المقهى الذى كنا نحاور عبد الجليل فيه كان يوجد مسحراتى آخر صديق له يدعى كمال عويس نظر اليه عبد الجليل اثناء الحوار وقال له مداعبا : يا كمال انت حصلت اد ايه من البلوك ال 360 شقة ؟ فأجابه كمال : 18 جنيها فقط لا غير . ثم قال له كمال : يا عبد الجليل احمد ربنا كنا زمان نأخذ «المسنية» وهى الكحك والعيش وأحيانا البسكويت البيتى فى صبيحة يوم العيد بعد رمضان . فاصل من الضحكات والقفشات بين عبد الجليل وكمال تندرا على مافات وحمدا لما موجود وترقبا لما هو آت انتهى باتفاق الطرفين على ان اليوم أفضل من الأمس لأن الناس تعطيهم 4 جنيهات والفقير يعطيهم نصف جنيه وهو مقابل يستحق الحمد والشكر لله رب العالمين . سألنا عبد الجليل ماذا تغنى وانت توقظ الناس للسحور قال : انا ادق على الطبلة فقط ولا انطق نهائيا والاطفال تغنى وترقص ورائى ولا انادى على احد باسمه لأن منهجى فى العمل هو الطبلة فقط وثوابى واجرى على الله سبحانه وتعالى. فى نهاية الحديث كشف عبد الجليل ان لديه 7 أولاد زوج اثنين منهم وهما البنات وربنا يقدرنى على استكمال الرسالة مع الخمسة الاخرين مؤكد ان سيارة صدمته ذات مرة وسببت له تمزقا فى الاربطة الخلفية لساقه اليسرى وعرض عليه صاحبها مبلغ 20 الف جنيه ولكنه رفض اخذ مليم واحد وباع معزته وعالج نفسه لانه لا يقبل العوض ولأن كرامته فوق كل شىء واعتماده فى المقام الأول والأخير ليس على العباد وإنما على رب العباد.