وقعت الواقعة، وسبق السيف العزل، وتحولت امتحانات الثانوية العامة هذا العام، إلى ملهاة تجمع بين المأساة والطرافة في آن واحد، صفحات الغش على مواقع التواصل الاجتماعى بقيادة "شاومينج"، والذين معه، تُسرّب الامتحان تلو الامتحان، في تحد سافر، لكل من ذاكر واجتهد، مبدأ تكافؤ الفرص انتحر كمدا، الحكومة رفعت الراية البيضاء استسلاما، وزارة التربية والتعليم صارت مخترقة ومحتلة من عدد من معدومى الضمائر، الوزارة لم تعد تربى أو تعلم، اسم على غير مسمى، الطلاب تظاهروا أمام مقر الوزارة، واعتلوا أسوارها، وهتفوا بإقالة الوزير، مطاردة الأمن للطالب "سيف ناصر"، التي انفردت "فيتو" بنشرها، تختزل المشهد المؤلم، الأزمة قفزت على كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الذكرى الثالثة لثورة 30 يونيو، وتعهد بعدم تكرارها، وتحدث عن نظام جديد للبعبع التاريخى المعروف إعلاميا ب"الثانوية العامة"، كيف؟ لا ندرى، مصر عادة لا تولى نظم التعليم اهتماما جادا، تتحدث عنه في المناسبات فقط، ذرا للرماد في العيون، تماما كحديثها عن تجديد الخطاب الدينى، الذي تحول إلى أسطورة من الأساطير، مصر تحافظ بامتياز على مراكزها المتأخرة في مؤشرات جودة التعليم على مستوى العالم، المجد في مصر لم يعد للتعليم، المجد، كل المجد، للبلطجة والخروج عن القانون وانتهاك الأعراف وقتل التقاليد، مصر تنفق على التسليح كثيرا وهذا حسن، ولكنها تبخل على التعليم كثيرا وهذا قبيح، نتجاهل حكمة أمير الشعراء أحمد شوقى: بالعلم والمال يبنى الناسُ مُلكهمُ، لم يُبن مُلكُ على جهلٍ وإقلالٍ، لا نتحرك أولا، ننتظر حتى تقع الكارثة، ثم نتظاهر بالتفكير في حلول لها، ثم سرعان ما تدخل إلى غياهب النسيان، ما أكثر المشروعات التي تم طرحها قبل ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وبعدهما، لتطوير نظم التعليم في مصر، لا سيما مرحلة الثانوية العامة، غير أنه ينطبق علينا قول الشاعر الجاهلى "عمرو بن معديكرب": لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي، ما حدث جُرم بحق بلد كبير مثل مصر، ولكن الصغار لا يعرفون قيمة الأوطان، فقط يعرفون كيف يحافظون على مصالحهم رافعين شعارات رخيصة مثل: "مصلحتى أولا"، و"أنا ومن بعدى الطوفان" وليس انتهاء «بالغش اتجمعنا»! متى يستقيم الأمر، متى تمتلك مصر نظما تعليمية راقية ومتطورة ومتقدمة، لا تقوم على التلقين والحفظ، والغش التي تخرج لنا أجيالا شائهة، متى يعود إلى المدرسة مكانتها المفقودة، وإلى المعلم وقاره المهدور، وينتهى زمن الدروس الخصوصية التي فشلت الوزارة في القضاء عليها كما تعهدت في مطلع العام الدراسى؟ المدارس الحكومية تحولت إلى ساحات للبلطجة، والخاصة وما فوقها إلى وسيلة للابتزاز وجمع المال، والمدرسون دهسوا رسالتهم النبيلة، وصاروا كراقصة تنتقل من عُرس إلى آخر، بحثا عن البنكنوت، ولا شىء غيره، لا أمل في الإصلاح إن جاء من القمة، لا بد من استئصال جميع الأورام التي تراكمت عبر السنين، من جسد العملية التعليمية، قبل إعادة البناء، يجب تمكين ذوى الخبرات والتجارب الناجحة، أما الفاشلون والمتخاذلون والمتكاسلون والمتنطعون فيمتنعون، لم يعد بوسع مصر أن تحتمل تجارب فاشلة جديدة، الأمر جدّ خطير، مسكنات الرئاسة والحكومة فقدت مفعولها منذ زمن، تطوير امتحانات الثانوية العامة ليس مشروعا هندسيا، يتم تنفيذه خلال فترة وجيزة بالأمر المباشر، ولكنه قضية كبرى، قضية أمن قومى، مستقبل وطن، تعامت عنه الأنظمة السياسية المتعاقبة، فكانت النتيجة أن جرى ما جرى، وربما لم يأت الأسوأ بعد، وسوف يأتى حتما، هناك دول لا تدعى أنها "أم الدنيا" ولا "أد الدنيا"، و"لا مهد الحضارات"، ولا صانعة "التاريخ"، انحازت مبكرا جدا للإنسان، فاهتمت به منذ خروجه إلى الحياة، وفرت له الأجواء المثالية، وفق منظومة تعليمية متكاملة، وكانت النتيجة أن قفزت تلك الدول، التي لا تمتلك من التاريخ شيئا، إلى المستقبل الذي لا يعترف بتاريخ أو جغرافيا، ولكنه ينحاز للأقوى في كل شىء، في مصر وزارتان للتعليم، وقبل عام، كانت لديها 3 وزارات للتعليم، ومجلس استشارى بالرئاسة، ولجنة للتعليم بالبرلمان، ومجالس وكيانات أخرى، تعزف عزفا منفردا لا يعرف تناغما ولا توافقا، أنتج في نهاية الأمر تعليما مترديا، وأجيالا لا تجيد القراءة والكتابة على نحو سليم، وعقولا تكره التفكير، فمن شبّ على الحفظ والتلقينوالغش لا تترقب منه خيرا.. نحن نواجه خطرا حقيقيا يستوجب تحركا جادا وشاملا، سيناريو هذا العام لا يجب أن يتكرر الأعوام المقبلة، مصر تحتاج ثورة تعليمية شاملة، تتفق فيها إرادة الجميع، على التطوير الحقيقى، والخروج بآليات التعليم من براثن الجهل والرجعية والنمطية.. الصفحات التالية تلقى الضوء على واقع الثانوية العامة ومستقبلها ومشروعات تطويرها، لعل وعسى أن يكون القادم أفضل، كما تعهد الرئيس..