جاءت واقعة تسريب امتحانات الشهادة الثانوية العامة بمصر لتفتح حملة شرسة يستحقها وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالي الشربيني ورجاله ورفاقه ومن ثم بدء سلسلة من المحاكمات الشعبية والصحافية وأخيرا البرلمانية عن عمل الوزارة وخططها ومطامحها التي يمكن توصيفها في تدني سافر في مستويات الإبداع والابتكار، وجنوح سلوكي فاضح بين الطلاب من خلال ما تداولته الصحف والمواقع المصرية من اعتداءات بين الطلاب وبعضهم أو بين المعلمين والطلاب. المشكلة الحقيقية هي أن التعليم في مصر منذ سنوات بعيدة يمثل الصورة الحقيقية للفساد سواء من حيث الإدارة أو فساد الأخلاق. إن مسألة تسريب امتحانات قضية أمن قومي لاسيما حينما يطالعنا الوزير الذي يستند على قوائم طويلة من المستشارين والخبراء والمطورين وغيرهم ممن ينالون قدرا من الاتهام بأن ما حدث أشبه بالخيال. والخيال معالي الوزير التربوي قد تحقق بالفعل، ولم تدرك والوزارة والسادة أباطرة وأساطين التطوير والتحديث أن واقعكم لا يشاكل الواقع الآني للطلاب المتمثل في التسارع التكنولوجي والتصارع المحموم في السباق المعلوماتي، فكانت الوزارة أشبه ما حدث ليلة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وقتها كانت الدولة البوليسية بقيادة الرئيس المخلوع حسني مبارك يدير الدولة وليس الوطن بهراوات حبيب العادلي ورجاله وبعقل المهندس أحمد نظيف الذي أسهم في تخريب التعليم والأخلاق أيضا ولم يدرك هذا النظام العقيم والعتيق أن الشباب الذي أسقطهم أداروا المعركة بمفاتيح الحاسب الآلي والتغريدات الإليكترونية فحسب. مثول السيد وزير التربية والتعليم يوم السبت بشخصه وصفته موكلا عن رجاله وحاشيته ورفاقه بالحقل التعليمي أمام لجنتي التعليم والدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري خير دليل على أن هناك خطأ وإفساد في المنظومة التعليمية. فبدلا من أن يكرم الوزير لأنه نجح في تفعيل مشروع بنك المعرفة المصري، أو أنه استطاع بفضل سياساته وسياسات الخبراء المحيطين به في تحسين الشأن التعليمي نجده يقف بمجلس النواب ليحاكم في جملة من التهم المتعلقة بتردي الأحوال التعليمية والتربوية. والمضحك المبكي في قضية الوزارة بشأن تعاملها مع أزمة التسريب هو أنها راحت تتهم فلول جماعة الإخوان المسلمين بأنها وراء الحادث المفجع، ومرة أخرى أن المخابرات التركية وراء الحادث، ومرة ثالثة بأن مجموعة من المدرسين اخترقوا الوزارة وقاموا بتسريب الامتحانات. القضية أعمق من ذلك لأن الوزير وفرقته لم يدركوا بعد أنه بات من الضروري تجديد الخطاب التعليمي أسوة بتجديد الخطاب الديني، وأن نظم التقويم السائدة باتت تصلح وتنفع وتجدي أيام العصر الأيوبي أو دولة السلاجقة فقط. وللأسف أنني أكرر ما كتبته منذ شهور أي قبل إجراء امتحانات الثانوية العامة بمصر لكن الوزير ورفاقه لم يكترثوا أصلا بالمسألة، وأصبحت فكرة المهمة القومية التي يمارسونها تقتصر على إتمام الإجراءات وتنفيذ خطوات الوزارة بغض النظر عن واقع تعليمي يقفز بقوة غير مماثلة لخطوات الإصلاح التعليمي الرسمي. وما قلته وأعيده علما بأن الوزير قد يلملم أوراقه هو وفرقته غير الناجية من الحساب أو العقاب - على الأقل الحساب الشعبي. أن العبارة النهائية قبل فاصلة الختام هي متى نقر بأن نظامنا التعليمي في خطر حقيقي؟ ليست هي مشكلة صفر مريم الطالبة التي شغلت الرأي العام والإعلام الفارغ من المعنى والمبنى لمناقشة قضيتها والتي هي في الأصل شيك مصرفي بدون رصيد والتي لم يعِ الهلالي الشربيني ورجاله لخطورة الظاهرة وقتها ولا بعدها أيضا، ولا محاولات التطوير المستدامة الخائبة التي لم تخرج عن حقائب تعليمية ورقية فائقة الإخراج والطباعة بألوانها وخرائطها المعرفية التي تستلب العين والعقل، ولا في وزير سابق أو لاحق غير مؤهل أو مؤهل تربويا ولا في بطانة متخصصة تجمع مائة وظيفة باستلاب واضح وسافر. المشكلة هي مشكلة الإخلاص والإحسان في العمل. مدارس أجنبية وناطقة بلغات غير عربية والمحصلة تلاميذ يغنون أغنية لا تصلح إلا في أماكن اللهو والعبث والتحلل الأخلاقي والقيمي، ومعلم يقول عنه وزيره ومديره وموجهه بأن يحمل رسالة الأنبياء وهو في حالة غياب تام داخل الفصل لأنه مشغول بقانون ممارسة حقه الاستثماري الاستغلالي وهو الدروس الخصوصية ولا أعرف من أين أتى مصطلح الخصوصية الذي ينطبق أساسا على التاكسي في زمن الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أو مدير آخر تم بث مقطع فيديو قصير عنه وهو يركل التلاميذ بقدمه وكأنه يعاقب المؤمنين الذين دخلوا الإسلام بغير إرادته. إن الهلالي ورجاله الذين لن أرفق بهم باعتباري ولي أمر لتلميذ لا يزال يدرس في مدرسة تابعة لفكر وسياسات الهلالي ورفاقه الخبراء خصوصا وأنه لم يعِ بالفعل إلى أن الثانوية العامة في مصر بعد ثورتين لم تعد شهادة ورقية يحصل عليها الطالب لينتقل إلى الجامعة التي قد تحوله إلى مجرم لأنه وصل بها إلى الجامعة بطرائق خبيثة كالغش والدروس الخصوصية وغير ذلك، وكان عليه أن يخطط جيدا لاجتياز الطلاب لهذه المرحلة عن طريق بنى معرفية أخرى غير الامتحانات الكابوس. ولم يعترِ الوزير ومراكزه ورفاقه ورجالات وزارته أن المدرسة المصرية الراهنة ذات شجون وأحزان متراكمة فالشأن اقتصر بها على الشكل دونما العمق أي المضمون، أنشطة ثم أنشطة ثم تعلم تعاوني وحوكمة ومشاركة مجتمعية وتقويم شامل وملف إنجاز إليكتروني وحضور دورات تدريبية مهنية للمعلمين ومسابقات خرافية لاكتشاف مواهب مصر. وتبقى في النهاية حقائق نهائية لا تأويل لها؛ توفي نصر حامد أبو زيد وتلاميذنا لا يعلمون عنه شيئا واحدا الذي قال يوما ما إن لدينا دعاة تنوير وليس صناع تنوير، وقتل فرج فودة على يد أحد المتطرفين وأتحدى الوزير الذي سيحاكم نيابيا أمام مجلس النواب وشعبيا وإعلاميا أن أحد طلابه المرموقين بمدارسه الإيطالية والبريطانية والألمانية والهكسوسية يعلم من فرج فودة ولماذا قتل أيضا؟ والحقيقة التي يغفل عنها الوزير الذي ذهب يوما ما إلى مدرسة يوم إجازتها الأسبوعية وهو لا يعلم ولا وكيل وزارته بالمحافظة أن صيحات ودعوات تنمية التفكير وإكساب المعرفة لتلاميذنا تقف بالحتمية عند أبواب المكتبة المدرسية التي يقوم الوزير بإعداد خطط لتفعيلها مع خبرائه ومستشاريه ولا يعلم أن داء الدروس الخصوصية قضى على الأخضر واليابس بالعقول والأجساد. ونقلا عن جريدة اليوم السابع المصرية أن النائب المصري غريب حسان سيقول لوزير التربية والتعليم خلال لقائه مع لجنة تعليم البرلمان بمجلس النواب أثناء محاكمته شعبيا: "عندك أزمة ضمير والامتحانات تسربت من عندك في الوزارة"، مشيرًا إلى أن الوزارة اخفقت بشدة في التعامل مع الازمة فضلا عن منعها من إدلاء تصريحات عما يجري لتهدئة الرأي العام. والوزير الذي سمثل أمام مجلس النواب سيحاكم بشأن تطوير المنظومة التعليمية ومجددا أقول له تتجسد مشكلة النظام التعليمي في الكتاب الذي صار مريضاً بالفعل من ناحية المعلومات الباهتة ويكفيك أن تعلم حقيقة مفادها أن اللغة العربية بكتبها المدرسية تقدم معرفة وبيانات ومعلومات وتجهل المهارات اللغوية وكأن القائمين على تعليمها أخطأوا القصد وظنوا أن اللغة معرفة لكنها في الحقيقة مجموعة من المهارات والأداءات وليست كالدراسات الاجتماعية، مثلها في الحال مثل مواد الكيمياء والفيزياء والأحياء التي خرجت من طبيعتها العلمية الأدائية وأصبحت حبيسة ورقة الاختبار وتسجيل مجموعة من الحقائق العلمية بغير تطبيق أو تطوير لها. إن الحديث عن هموم التعليم حديث مستدام لا ينتهي، إلا بانتهاء الحياة على وجه الأرض، وكثير من الطروحات التنظيرية القيمة أكدت على خطورة وأهمية العملية التعليمية، وضرورة الاهتمام بالمخرج والعائد التعليمي، لأن التعليم أصبح استثماراً بشرياً أهم وأخطر من الاستثمارات الاقتصادية والمالية في مجتمع المعرفة الحالي. والتعليم في مصر لا يحتاج لكتابة المقالات أو إعداد الدراسات أو بالأحرى دغدغة المشاعر والأسماع بخطب رنانة عن أهميته وضرورته، بل في نظر كثيرين يحتاج إلى نسفه أو إلغائه من على خريطة الدولة، لأن الأنظمة التعليمية سقطت قبل سقوط الأنظمة السياسية الفاشلة مثلها تماماً، وهي التي أوصلت مصر الآن إلى ما هي عليه من فوضى أخلاقية وانفلات أمني وانعدام ثقافي وتدهور قيمي بغير رجعة. فالجميع كان على مرأى ومسمع من ترهل المنظومة التعليمية قبل ثورتي يناير ويونيو المصريتين. والأخطر استمرار هذا السقوط وتصاعد ملامح ومظاهر الشيخوخة بنظامنا التعليمي بعدهما أيضاً. وبنظرة سريعة، وليست فاحصة لأوضاع التعليم والعملية التعليمية في مصر المحروسة بعد الثورتين، نستطيع أن نستقرئ ملحوظات متباينة ومتناقضة. فوزارة تؤكد أنها تسعى لتحقيق الجودة والامتياز المدرسي والتعليمي لمدارسنا التي تؤكد فشلها كل صباح في مكافحة ومقاومة أمراض وبائية بالتعاون مع الراعي الرسمي وهي الصحة رغم أن المدارس تقدم علماً وكم من مدارس أجنبية مشبوهة في مصر أو مدارس مصرية تتبع نظماً أجنبية مشبوهة المناهج ووسائل التعلم ورغم ذلك تقف عاجزة عن مواجة أي وباء لأنها بفضل ما تبثه في عقول أبنائنا من أفكار غريبة وعجيبة عن الواقع المعرفي المصري نجحت في تلويث عقولهم وتشويه رؤاهم وتفكيرهم نحو المستقبل. وهذا الغياب الجبري من الوزارة هو الذي مكَّن لتلك المؤسسات الدولية اسماً فقط بأن تعيث في الأرض والعقول فساداً. ويكفيك بنظرة عابرة بوجوه الطلاب الأبرياء المنتمين لمثل هذه الكيانات التعليمية لتدرك على الفور أن ما كان يسعى إليه الوريث السابق جمال مبارك وحاشيته الممهدة لتطبيق قانون التوريث في عهد أبيه المخلوع قد تحقق بالفعل، فوجود نظم تعليمية غير خاضعة لرقابة الوزارة أو غير منتبهة لمقاصد الشريعة الإسلامية بصورة عامة كان خطوة أولى في تغييب عقل الطالب وولي أمره أيضاً عن ما يحدث حوله من تغير سياسي. وأخيرا معالي الوزير والسادة الأماجد المسئولين عن الشأن التعليمي بمدارسنا، أليس من المخزي حقا أن صورة الطالب المصري في الدراما الرمضانية لا تتجاوز حد الطالب المعقد نفسيا، أو المحبط، أو دائم الاكتئاب، أو ذاك الطالب المدمن للمخدرات، أو المستهتر البذيء. أخشى أن تكون الدراما المصرية قامت بتسريب صورة حقيقية لما يتلقاه الطالب المصري في مدارسنا المصرية؟ جاءت واقعة تسريب امتحانات الشهادة الثانوية العامة بمصر لتفتح حملة شرسة يستحقها وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالي الشربيني ورجاله ورفاقه ومن ثم بدء سلسلة من المحاكمات الشعبية والصحافية وأخيرا البرلمانية عن عمل الوزارة وخططها ومطامحها التي يمكن توصيفها في تدني سافر في مستويات الإبداع والابتكار، وجنوح سلوكي فاضح بين الطلاب من خلال ما تداولته الصحف والمواقع المصرية من اعتداءات بين الطلاب وبعضهم أو بين المعلمين والطلاب. المشكلة الحقيقية هي أن التعليم في مصر منذ سنوات بعيدة يمثل الصورة الحقيقية للفساد سواء من حيث الإدارة أو فساد الأخلاق. إن مسألة تسريب امتحانات قضية أمن قومي لاسيما حينما يطالعنا الوزير الذي يستند على قوائم طويلة من المستشارين والخبراء والمطورين وغيرهم ممن ينالون قدرا من الاتهام بأن ما حدث أشبه بالخيال. والخيال معالي الوزير التربوي قد تحقق بالفعل، ولم تدرك والوزارة والسادة أباطرة وأساطين التطوير والتحديث أن واقعكم لا يشاكل الواقع الآني للطلاب المتمثل في التسارع التكنولوجي والتصارع المحموم في السباق المعلوماتي، فكانت الوزارة أشبه ما حدث ليلة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وقتها كانت الدولة البوليسية بقيادة الرئيس المخلوع حسني مبارك يدير الدولة وليس الوطن بهراوات حبيب العادلي ورجاله وبعقل المهندس أحمد نظيف الذي أسهم في تخريب التعليم والأخلاق أيضا ولم يدرك هذا النظام العقيم والعتيق أن الشباب الذي أسقطهم أداروا المعركة بمفاتيح الحاسب الآلي والتغريدات الإليكترونية فحسب. مثول السيد وزير التربية والتعليم يوم السبت بشخصه وصفته موكلا عن رجاله وحاشيته ورفاقه بالحقل التعليمي أمام لجنتي التعليم والدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري خير دليل على أن هناك خطأ وإفساد في المنظومة التعليمية. فبدلا من أن يكرم الوزير لأنه نجح في تفعيل مشروع بنك المعرفة المصري، أو أنه استطاع بفضل سياساته وسياسات الخبراء المحيطين به في تحسين الشأن التعليمي نجده يقف بمجلس النواب ليحاكم في جملة من التهم المتعلقة بتردي الأحوال التعليمية والتربوية. والمضحك المبكي في قضية الوزارة بشأن تعاملها مع أزمة التسريب هو أنها راحت تتهم فلول جماعة الإخوان المسلمين بأنها وراء الحادث المفجع، ومرة أخرى أن المخابرات التركية وراء الحادث، ومرة ثالثة بأن مجموعة من المدرسين اخترقوا الوزارة وقاموا بتسريب الامتحانات. القضية أعمق من ذلك لأن الوزير وفرقته لم يدركوا بعد أنه بات من الضروري تجديد الخطاب التعليمي أسوة بتجديد الخطاب الديني، وأن نظم التقويم السائدة باتت تصلح وتنفع وتجدي أيام العصر الأيوبي أو دولة السلاجقة فقط. وللأسف أنني أكرر ما كتبته منذ شهور أي قبل إجراء امتحانات الثانوية العامة بمصر لكن الوزير ورفاقه لم يكترثوا أصلا بالمسألة، وأصبحت فكرة المهمة القومية التي يمارسونها تقتصر على إتمام الإجراءات وتنفيذ خطوات الوزارة بغض النظر عن واقع تعليمي يقفز بقوة غير مماثلة لخطوات الإصلاح التعليمي الرسمي. وما قلته وأعيده علما بأن الوزير قد يلملم أوراقه هو وفرقته غير الناجية من الحساب أو العقاب - على الأقل الحساب الشعبي. أن العبارة النهائية قبل فاصلة الختام هي متى نقر بأن نظامنا التعليمي في خطر حقيقي؟ ليست هي مشكلة صفر مريم الطالبة التي شغلت الرأي العام والإعلام الفارغ من المعنى والمبنى لمناقشة قضيتها والتي هي في الأصل شيك مصرفي بدون رصيد والتي لم يعِ الهلالي الشربيني ورجاله لخطورة الظاهرة وقتها ولا بعدها أيضا، ولا محاولات التطوير المستدامة الخائبة التي لم تخرج عن حقائب تعليمية ورقية فائقة الإخراج والطباعة بألوانها وخرائطها المعرفية التي تستلب العين والعقل، ولا في وزير سابق أو لاحق غير مؤهل أو مؤهل تربويا ولا في بطانة متخصصة تجمع مائة وظيفة باستلاب واضح وسافر. المشكلة هي مشكلة الإخلاص والإحسان في العمل. مدارس أجنبية وناطقة بلغات غير عربية والمحصلة تلاميذ يغنون أغنية لا تصلح إلا في أماكن اللهو والعبث والتحلل الأخلاقي والقيمي، ومعلم يقول عنه وزيره ومديره وموجهه بأن يحمل رسالة الأنبياء وهو في حالة غياب تام داخل الفصل لأنه مشغول بقانون ممارسة حقه الاستثماري الاستغلالي وهو الدروس الخصوصية ولا أعرف من أين أتى مصطلح الخصوصية الذي ينطبق أساسا على التاكسي في زمن الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، أو مدير آخر تم بث مقطع فيديو قصير عنه وهو يركل التلاميذ بقدمه وكأنه يعاقب المؤمنين الذين دخلوا الإسلام بغير إرادته. إن الهلالي ورجاله الذين لن أرفق بهم باعتباري ولي أمر لتلميذ لا يزال يدرس في مدرسة تابعة لفكر وسياسات الهلالي ورفاقه الخبراء خصوصا وأنه لم يعِ بالفعل إلى أن الثانوية العامة في مصر بعد ثورتين لم تعد شهادة ورقية يحصل عليها الطالب لينتقل إلى الجامعة التي قد تحوله إلى مجرم لأنه وصل بها إلى الجامعة بطرائق خبيثة كالغش والدروس الخصوصية وغير ذلك، وكان عليه أن يخطط جيدا لاجتياز الطلاب لهذه المرحلة عن طريق بنى معرفية أخرى غير الامتحانات الكابوس. ولم يعترِ الوزير ومراكزه ورفاقه ورجالات وزارته أن المدرسة المصرية الراهنة ذات شجون وأحزان متراكمة فالشأن اقتصر بها على الشكل دونما العمق أي المضمون، أنشطة ثم أنشطة ثم تعلم تعاوني وحوكمة ومشاركة مجتمعية وتقويم شامل وملف إنجاز إليكتروني وحضور دورات تدريبية مهنية للمعلمين ومسابقات خرافية لاكتشاف مواهب مصر. وتبقى في النهاية حقائق نهائية لا تأويل لها؛ توفي نصر حامد أبو زيد وتلاميذنا لا يعلمون عنه شيئا واحدا الذي قال يوما ما إن لدينا دعاة تنوير وليس صناع تنوير، وقتل فرج فودة على يد أحد المتطرفين وأتحدى الوزير الذي سيحاكم نيابيا أمام مجلس النواب وشعبيا وإعلاميا أن أحد طلابه المرموقين بمدارسه الإيطالية والبريطانية والألمانية والهكسوسية يعلم من فرج فودة ولماذا قتل أيضا؟ والحقيقة التي يغفل عنها الوزير الذي ذهب يوما ما إلى مدرسة يوم إجازتها الأسبوعية وهو لا يعلم ولا وكيل وزارته بالمحافظة أن صيحات ودعوات تنمية التفكير وإكساب المعرفة لتلاميذنا تقف بالحتمية عند أبواب المكتبة المدرسية التي يقوم الوزير بإعداد خطط لتفعيلها مع خبرائه ومستشاريه ولا يعلم أن داء الدروس الخصوصية قضى على الأخضر واليابس بالعقول والأجساد. ونقلا عن جريدة اليوم السابع المصرية أن النائب المصري غريب حسان سيقول لوزير التربية والتعليم خلال لقائه مع لجنة تعليم البرلمان بمجلس النواب أثناء محاكمته شعبيا: "عندك أزمة ضمير والامتحانات تسربت من عندك في الوزارة"، مشيرًا إلى أن الوزارة اخفقت بشدة في التعامل مع الازمة فضلا عن منعها من إدلاء تصريحات عما يجري لتهدئة الرأي العام. والوزير الذي سمثل أمام مجلس النواب سيحاكم بشأن تطوير المنظومة التعليمية ومجددا أقول له تتجسد مشكلة النظام التعليمي في الكتاب الذي صار مريضاً بالفعل من ناحية المعلومات الباهتة ويكفيك أن تعلم حقيقة مفادها أن اللغة العربية بكتبها المدرسية تقدم معرفة وبيانات ومعلومات وتجهل المهارات اللغوية وكأن القائمين على تعليمها أخطأوا القصد وظنوا أن اللغة معرفة لكنها في الحقيقة مجموعة من المهارات والأداءات وليست كالدراسات الاجتماعية، مثلها في الحال مثل مواد الكيمياء والفيزياء والأحياء التي خرجت من طبيعتها العلمية الأدائية وأصبحت حبيسة ورقة الاختبار وتسجيل مجموعة من الحقائق العلمية بغير تطبيق أو تطوير لها. إن الحديث عن هموم التعليم حديث مستدام لا ينتهي، إلا بانتهاء الحياة على وجه الأرض، وكثير من الطروحات التنظيرية القيمة أكدت على خطورة وأهمية العملية التعليمية، وضرورة الاهتمام بالمخرج والعائد التعليمي، لأن التعليم أصبح استثماراً بشرياً أهم وأخطر من الاستثمارات الاقتصادية والمالية في مجتمع المعرفة الحالي. والتعليم في مصر لا يحتاج لكتابة المقالات أو إعداد الدراسات أو بالأحرى دغدغة المشاعر والأسماع بخطب رنانة عن أهميته وضرورته، بل في نظر كثيرين يحتاج إلى نسفه أو إلغائه من على خريطة الدولة، لأن الأنظمة التعليمية سقطت قبل سقوط الأنظمة السياسية الفاشلة مثلها تماماً، وهي التي أوصلت مصر الآن إلى ما هي عليه من فوضى أخلاقية وانفلات أمني وانعدام ثقافي وتدهور قيمي بغير رجعة. فالجميع كان على مرأى ومسمع من ترهل المنظومة التعليمية قبل ثورتي يناير ويونيو المصريتين. والأخطر استمرار هذا السقوط وتصاعد ملامح ومظاهر الشيخوخة بنظامنا التعليمي بعدهما أيضاً. وبنظرة سريعة، وليست فاحصة لأوضاع التعليم والعملية التعليمية في مصر المحروسة بعد الثورتين، نستطيع أن نستقرئ ملحوظات متباينة ومتناقضة. فوزارة تؤكد أنها تسعى لتحقيق الجودة والامتياز المدرسي والتعليمي لمدارسنا التي تؤكد فشلها كل صباح في مكافحة ومقاومة أمراض وبائية بالتعاون مع الراعي الرسمي وهي الصحة رغم أن المدارس تقدم علماً وكم من مدارس أجنبية مشبوهة في مصر أو مدارس مصرية تتبع نظماً أجنبية مشبوهة المناهج ووسائل التعلم ورغم ذلك تقف عاجزة عن مواجة أي وباء لأنها بفضل ما تبثه في عقول أبنائنا من أفكار غريبة وعجيبة عن الواقع المعرفي المصري نجحت في تلويث عقولهم وتشويه رؤاهم وتفكيرهم نحو المستقبل. وهذا الغياب الجبري من الوزارة هو الذي مكَّن لتلك المؤسسات الدولية اسماً فقط بأن تعيث في الأرض والعقول فساداً. ويكفيك بنظرة عابرة بوجوه الطلاب الأبرياء المنتمين لمثل هذه الكيانات التعليمية لتدرك على الفور أن ما كان يسعى إليه الوريث السابق جمال مبارك وحاشيته الممهدة لتطبيق قانون التوريث في عهد أبيه المخلوع قد تحقق بالفعل، فوجود نظم تعليمية غير خاضعة لرقابة الوزارة أو غير منتبهة لمقاصد الشريعة الإسلامية بصورة عامة كان خطوة أولى في تغييب عقل الطالب وولي أمره أيضاً عن ما يحدث حوله من تغير سياسي. وأخيرا معالي الوزير والسادة الأماجد المسئولين عن الشأن التعليمي بمدارسنا، أليس من المخزي حقا أن صورة الطالب المصري في الدراما الرمضانية لا تتجاوز حد الطالب المعقد نفسيا، أو المحبط، أو دائم الاكتئاب، أو ذاك الطالب المدمن للمخدرات، أو المستهتر البذيء. أخشى أن تكون الدراما المصرية قامت بتسريب صورة حقيقية لما يتلقاه الطالب المصري في مدارسنا المصرية؟