المصريون يستمتعون بمخالفة القانون والتحايل عليه وعدم احترامه شدد الدكتور محمد الذهبي، أستاذ القانون الدستورى بالأكاديمية البحرية على أن تحقيق العدالة بين الجميع هو ركن ركين في تحقيق فكرة المدينة المثالية، مؤكدا في حواره مع فيتو على أن الدولة التي تؤمن بقيمة العدل وتطبيق القانون هي الأقرب إلى المدينة الفاضلة.. وإلى نص الحوار: بداية.. إذا افترضنا وجود مدينة في عصرنا الحالى على غرار مدينة أفلاطون الفاضلة.. ما أبرز ملامحها من وجهة نظرك؟ أعتقد أنها ستكون مدينة تؤمن فيها الدولة بكامل سلطاتها ومؤسساتها وهيئاتها إيمانًا حقيقيًا بفكرة احترام القانون، والأمر ذاته بالنسبة إلى أفرادها، بالإضافة إلى أنها سوف تأخذ في اعتبارها مفهوم الدولة القانونية، وهو مفهوم تتبعه أي بلد ترغب في تحقيق أي نوع من التقدم والتطور إذًا فالقانون أساسى تحت سماء المدينة الفاضلة؟ بالتأكيد، احترام القانون وتنفيذه دون تمييز من الأمور الأساسية، فيجب ألا تظل القوانين مجرد نصوص في الدستور واللوائح ولا يتم تطبيقها في الواقع العملى، فمصر على سبيل المثال، يوجد بها عدد كبير من النصوص القانونية العظيمة ولكنها للأسف لا يتم تطبيقها، وذلك يرجع إلى عدم إيمان الدولة ولا الأفراد بضرورة تنفيذ القانون، بل إن الوضع في مصر وصل إلى حد "استمتاع" المواطنين بمخالفة القانون، وأصبح عدم الالتزام بالقوانين جزءا من فلسفة وفكر المواطن المصري وثقافته. وما أبرز الآثار الإيجابية التي سوف تترتب على احترام القوانين وتنفيذها ؟ تتعدد الآثار الإيجابية لهذا الأمر، وفى مقدمتها الآثار التي ستعود على ميزانية الدولة من خلال احترام القانون وتنفيذه، فهذا الأمر ليس مكلفا كما يعتقد البعض، فضلًا عن أنه لا يُعد بمثابة عبء على ميزانية الدولة، لأن تنفيذ القانون سيضمن تحصيل الأموال إلى الدولة وليس العكس، وذلك من خلال الغرامات التي يدفعها المخالفون، بالإضافة إلى الرسوم التي تفرضها الدولة والتي تُدر عائدًا على ميزانيتها. ومن المنوط به تنفيذ هذه القوانين؟ أريد الإشارة في هذا الصدد إلى أنه بالرغم من أن الدولة هي المنوط بها احتكار القوة لتنفيذ القانون، فإن هذا الأمر يجب ألا يقتصر فقط على سلطاتها، بل لابد أن تشارك كل المؤسسات في تعليم المواطنين هذا القانون وضرورة احترامه والعمل على تنفيذه، ولابد أن يبدأ هذا مع الطفل منذ نعومة أظافره، فيتعلم من المدرسة، التي تُعد من أهم المؤسسات التربوية والتي لها دور أساسى في تنشئة الطفل، احترام القوانين وأهمية تنفيذها، بالإضافة إلى ضرورة إلزام رؤساء كل مؤسسة من مؤسسات الدولة كل العاملين والموظفين لديهم باحترام القانون. كما أن تطبيق القانون بشكل حاسم وعادل على كل الأفراد دون التمييز بينهم سيصل بنا في الأخير لا محالة إلى العدالة التي ينشدها الجميع، ففى مصر على سبيل المثال إذا تم تطبيق القانون بصورة حقيقية ستختفى المخالفات، وبالتالى سنجد أن الدولة يسودها النظام، لأن سبب الفوضى التي نعيشها حاليًا والتي تشيع بين أرجاء مصر والمصريين سببها الأساسى هو أن كل فرد يقوم بفعل ما يحلو له، فنجد أن نصف الشعب المصرى تحول فجأة إلى باعة جائلين وأصحاب أكشاك وهذه أوضاع لا توجد في أي دولة من دول العالم. وهل سيضمن تطبيق القانون بعدالة بين المواطنين الحفاظ على حقوق الإنسان؟ بطبيعة الحال عندما يتم تطبيق القانون بالعدل بين المواطنين ستختفى جملة "اشمعنى فلان؟"، وماذا عن الحريات؟ إذا آمن الجميع أن كل نص قانونى في الدستور حقيقى ولابد من احترامه وتنفيذه ستختفى التجاوزات، لأن أي تجاوز يحدث في ملف الحقوق والحريات العامة في مصر على سبيل المثال يحدث في الأساس بسبب عدم إيمان أي طرف من الأطراف الفاعلة في مصر بالقانون إيمانًا حقيقيًا، فلا الدولة بسلطاتها تفعل ذلك ولا المواطنون أنفسهم، فالفرد نفسه الذي لا يكن أي احترام للقانون يتحول فيما بعد إلى مسئول في الدولة لا يحترم القانون أيضًا. هل تعنى أن الإصلاح الحقيقى لمصر واقترابها من نموذج المدينة الفاضلة يكمن في غرس قيمة احترام القوانين داخل المصريين؟ بالطبع، ويجب أن يتخطى الأمر الأفكار النظرية إلى مرحلة تطبيقها، فلابد أن نتربى منذ طفولتنا على فكرة احترام القانون كقيمة إنسانية وتأكيد أهميتها تمامًا كقيم العمل والنظام والأخلاق والضمير، فضلًا عن ضرورة تطبيق نصوص القانون والدستور على الجميع دون تمييز أو تفرقة بين المواطنين ودون استثناء أو حسابات أخرى وأيضًا بغض النظر عن أي أبعاد سياسية أو اجتماعية، فأى شخص يقود سيارته وهو يتحدث في هاتفه المحمول لابد من تطبيق الغرامة عليه سواء كان هذا الشخص سائق ميكروباص أو سائق سيارة ملاكى أو مسئولا أو قاضيا أو خفيرا، كما يجب الالتزام بتنفيذ أحكام القضاء وضمان استقلاله بصورة حقيقية، وهذه من الأمور الأساسية في سبيل التقدم والتطور، كما أنها بمثابة الخطوت الأولى لكى يمكن أن تتحول مصر إلى مدينة أقرب إلى المدينة الفاضلة التي تقوم على العدل والمساواة بين أفرادها دون أي استثناءت لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.