"المالية" تتحايل على "أبو القوانين" وتخصص مبالغ ضعيفة ل "الصحة" و"التعليم" رغم المحاولات المريرة التي يسعى من خلالها مجلس النواب خلال الأيام الماضية، للتحايل على الدستور الجديد بالتنسيق مع الحكومة فيما يتعلق بأزمة دستورية مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالى الجديد 2016 /2017، إلا أن فقهاء الدستور يؤكدون أن مشروع الموازنة مخالف قطعا للدستور، وأن محاولات البرلمان ليس لها سوى طريق الفشل لأنها ليست حلا دستوريا. مشروع الموازنة الجديدة، خالف الدستور الجديد فيما يتعلق بموازنة قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمى، نظرا لإلزام الدستور في مواده "18 و19 و21 و23"، تخصيص نسبة 3% على الصحة، والتعليم 4%، والتعليم الجامعى 2%، والبحث العلمى 1%، من إجمالى الناتج القومى للبلاد، على أن يتم تطبيق ذلك من العام المالى الجديد. وهو الأمر الذي لم تلتزم به الحكومة في مشروع الموازنة الجديد، ما دعا بعض نواب البرلمان المطالبة بالالتزام بما نص عليه الدستور من نسب لتلك القطاعات بهدف النهوض والاهتمام بها. من جانبه برر الدكتور عمرو الجارحى، وزير المالية، لأعضاء البرلمان خلال اجتماعات لجنة الخطة والموازنة بالمجلس، سبب عدم التزام الحكومة بتلك النسب، بأن ما جاء بالدستور يعد أزمة وعقبة كبيرة يصعب حلها، نظرا لأنه نص على نسب لتلك القطاعات من إجمالى الناتج القومى للبلاد، وليس من إجمالى الموازنة العامة للدولة، موضحا أن هناك فارقا كبيرا بين الناتج القومى والموازنة العامة، وأنه حال تطبيق ذلك سيؤدى إلى زيادة العجز بالبلاد. ومن جانبهم حاول أعضاء اللجنة البحث عن حل للأزمة في ظل تحذير باقى أعضاء البرلمان وفقهاء الدستور من عدم دستورية مشروع الموازنة العامة للدولة حال الإبقاء على بنودها المقترحة من الحكومة بشكلها الحالى، ليعلن الدكتور حسن عيسى رئيس لجنة الخطة والموازنة بأن اللجنة لن توافق على مشروع الموازنة وبه عوار دستورى، ثم يخرج ليعلن مؤخرا أنه وبعض نواب اللجنة عقدوا عدة لقاءات مع وزير المالية لبحث أزمة عدم دستورية مشروع الموازنة وأنه تم الاتفاق على تنفيذ الاستحقاق الدستورى والخروج من مأزق عدم دستورية الموازنة العامة، بتنفيذ المخصصات الدستورية للتعليم والصحة والبحث العلمي، بشكل يتوافق مع إمكانيات الدولة وبشكل لا يزيد نسبة العجز، وذلك عن طريق إضافة بعض الموازنات لتدخل في نطاق تلك القطاعات، على سبيل المثال قطاع الصحة يتم إضافة المستشفيات التي يتعالج فيها المواطنون بالفعل، ولم تكن ضمن قطاع الصحة، ومنها مستشفيات القوات المسلحة، والشرطة، والمصل، واللقاح، والمستشفيات الجامعية، وكذلك قطاع التعليم يتم إضافة إليه بعض قطاعات التعليم التي لم تكن تابعة له وهكذا بالنسبة للبحث العلمى. ومن جانبه قال الدكتور صلاح فوزى، أستاذ القانون الدستورى وعضو لجنة العشرة التي أعدت المسودة الأولية للدستور الجديد: إن تلك النسب المنصوص عليها في الدستور، هي عقبة حقيقية أمام كل من البرلمان والحكومة، واصفا تلك المواد بالحالمة والمثالية. وأضاف، أنه كان ضد النص على تلك النسب في الدستور، وانه ليس من الحكمة تحديد نسب محددة في الدستور، وأن الأفضل هو أن يترك ذلك للقانون نظرا لتغيير الظروف. وأوضح أن الناتج القومى للبلاد يصعب تحديده بدقة إن لم يكن مستحيلا، وإنما يمكن تحديده بشكل تقريبى، وذلك لوجود ما يسمى بالاقتصاد الخفى الذي يصعب حصر عائده، لافتا إلى أن الناتج القومى الإجمالى بشكل تقريبى يبلغ 3.4 تريليون جنيه، وأن تخصيص نسبة 10٪ منه لتلك القطاعات الثلاث يعنى تخصيص مبلغ 340 مليار جنيه، بما يعادل نصف إجمالى الموازنة العامة للبلاد تقريبا. وتابع، أن مشروع الموازنة بشكله الحالى هو مخالف للدستور في ظاهره، كما أن محاولات البرلمان لحل الأزمة لن تجدى شيئا ولن تمنع عدم دستورية الموازنة، نظرا لأن القطاعات التي يحاول البرلمان ضمها لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمى، ليست تابعة لموازنة تلك القطاعات وخاصة مستشفيات القوات المسلحة فهى مدرجة رقم واحد ضمن موازنة القوات المسلحة، ولا يجوز ضمها لموازنة قطاع الصحة. وأوضح أنه رغم عدم دستورية مشروع الموازنة ظاهريا، إلا أنه لن يسبب أزمة، لأنه لا توجد رقابة على الإغفال التشريعى، موضحا أنه حال إقرار البرلمان مشروع الموازنة الحالى دون الالتزام بما نص الدستور عليه من نسب لتلك القطاعات، فذلك يسمى في القانون، إغفالا تشريعيا، وهو الأمر الذي لا يمكن للمحكمة الدستورية الرقابة عليه لأنها غير مختصة بذلك. واقترح أن ينسق البرلمان مع الحكومة لبحث آلية تدبير موارد إضافية للدولة، تسمح بزيادة ما تم تخصيصه بالموازنة العامة للقطاعات الثلاث، مع الالتزام بعدم تحميل أعباء جديدة على المواطنين وفقا لنص الدستور. وأيده المستشار محمد نور الدين الخبير الدستورى، مؤكدا عدم دستورية الموازنة بشكلها الحالى، في الوقت الذي لن يكون هناك جزاء على تلك المخالفة، نظرا لاستحالة الالتزام بالنص الدستورى الذي يعد سبب الأزمة. وأضاف أن المصلحة العامة للدولة تتطلب مخالفة النص الدستورى، نظرا لأن حال الالتزام به لن تفى الدولة بباقى التزاماتها في مختلف قطاعات الأجور والدعم والمرافق الأخرى.