في رائعته «الحرافيش».. صدمنا أديب نوبل، الراحل نجيب محفوظ، بجملة واحدة يمكن القول إنه لخص بها أزماتنا، وضع اليد على «العِلة»، وترك لنا البحث عن حل، حيث قال «آفة حارتنا النسيان». النسيان الذي تحدث عنه الأديب العالمي، لا يمكن التعامل معه من الجانب السلبى فقط، لكن متابعة ورصد الواقع المصرى، تكشف أننا اعتدنا حتى «نسيان الفرحة»، وإلا ما كان عشاق آلة «السمسمية» يصرخون اليوم طالبين النجدة من المجتمع بإنقاذ آلتهم الرائعة من «غول النسيان» الذي بدأ ينهش جسدها ويهدد تاريخها بالفناء. «تامر ريكو»، أحد عازفى السمسمية في محافظة السويس، بدأ حديثه بقوله: السمسمية ليست مجرد أداة موسيقية شعبية فقط، لكنها جزء من تراث وتاريخ مصر منذ الفراعنة، وللأسف هناك ارتباط خاطئ شائع بأنها جاءت إلى السويس أثناء حفرة القناة مع أن الحفريات والقطع الأثرية أكدت أنها آلة وترية منذ أيام الفراعنة وتحديدًا الأسرة 13. «ريكو» أكمل بقوله: انتشرت «السمسمية» في السويس عن طريق التجارة إلى كل دول البحر الأحمر السعودية واليمن، وليس محافظات مصر فقط، ومن المفارقات أنها كانت آلة وترية جنائزية، وقد وصلت حتى النوبة أقصى جنوب مصر ومن أشكال السمسمية القديمة آلة الكنارة والطنبورة التي لا تزال موجودة في الطقوس الروحانية مثل الزار. ووفقًا لحديث «تامر» فإن بداية السمسمية كانت سلما خماسيا، ثم زاد وتر سادس ثم أدخل العازفون مثل نبيل فوزي من السويس ويحيي محمد من الإسماعيلية عليها تطورات، حيث تحولت السمسمية لآلة موسيقية يمكن الاستعانة بها في الأوركسترا، وانتشرت السمسمية في مصر وقت النكسة وتحديدًا أيام تهجير أهالي السويس إلى باقي المدن، وهناك تم انتشار السمسية ووقتها شكل الكابتن غزالي فرقة «ولاد الأرض» التي ربطت بين السمسمية والمقاومة الشعبية، وقدمت أغاني تحث على المقاومة والنصر والعبور. «ريكو» أكمل قائلا: من أشهر أغاني المقاومة أغنية «فات الكثير يا بلدنا» والتي غنتها الفنانة فادية كامل ومن بعدها محمد منير، وأغنية «يا ريس البحرية يا مصري»، وبعد عام 1974 بدأت السمسمية تغنى في الأفراح والتجمعات، وتم إنشاء مجموعات سمسمية بشكل دوري، منها فرقة شباب الغريب، ثم أعقبها صدور شرائط كاست وسمسمية في السويس، وقد وصلت مبياعات الكاست إلى مليون ألبوم. وفي عهد محافظ السويس تحسين شنن، تم إرسال 5 من الفنانين للقيام بجولات في أوروبا ليكونوا سفراء لفن السمسمية في العالم، في عام 1998 عادت وظهر فنانون جدد وتكونت مجموعات قديمة للسمسمية مرة أخرى، حتى أصبحت السويس فقط بها 5 أو 6 فرق أقوياء للسمسمية.