ظهرت الفتوة والفتونة والفتوات فى مصر منذ قديم الزمان وحملت أسماء ودلالات متعددة تداعت منذ ماض بعيد، ففى التراث العربى تم وصف الفتوة بمرادفات متعددة منها الشطار - العيار - الزعار - الصعاليك - الفداوية - الحرافيش . ويذكر التراث أيضا أن كلمة فتونة ولوقت طويل كانت مرادفاً للأخلاق النبيلة والشهامة والفضيلة وهى شخصية حامى الحمى أو مغيث الضعيف فكان من مهامهم تنظيم الأمن فى الأماكن التى يحمونها حتى أن الدولة حين أنشأت أقساما للشرطة لجأت إليهم فى بداية الأمر عندما طافت تريد القبض على أحد الخارجين إذا كان يختبىء بحارتهم. مواقف وطنية وقد تعرض المؤرخ ابن إياس فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» لهؤلاء وأسماهم بالحرافيش واشتهروا بمصارعة الرجال وإجادة القتال والمهارة العجيبة فى الكر والفر وأنهم لايهابون الموت. ويرى ابن إياس أن فتوات القاهرة لهم مواقف تشهد بالوطنية وتدل على الشهامة والجدعنة كما أن لهم مواقف انتهازية لا تتفق مع أخلاق أولاد البلد فحين التقى السلطان المملوكى قنصوه الغورى مع العثمانيين اصطحب معه الحرافيش أى فتوات ذلك الزمان وزحفوا لملاقاة العثمانيين وظهروا في مقدمة صفوف الرجال، كما أنهم وقفوا بجانب السلطان طومان باى بعد أن وعدهم بأن كل من يقبض منهم على عثمانى ويقطع رأسه ويسلمها إليه سينعم عليه بسيف وترس وينفق عليه. كما تحدث ابن إياس عن هؤلاء ودورهم فى عزل الباشوات ومطالباتهم بالإتاوات منهم ورفع الظلم عن الشعب مما جعل بعض الولاة يعمل على كسب تأييدهم. ويعرض هؤلاء أيضا لهم مواق مشرقة وتحدث عن ذلك المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى فى الجزء الثالث من كتابه عجائب الآثار فى التراجم والأخبار فأشار إلى إنه خلال ثورات القاهرة ضد الفرنسيين تكونت منهم فى أحياء الحسينية والعطوف والقرافة وعرب اليسار فرق للمقاومة، كما قام هؤلاء بدور حاسم خلال ثورة القاهرة الثانية 0081حين قاتلوا الفرنسيين بكل بسالة وتم القبض علي زعمائهم وايداعهم السجون وضاق نابليون ذرعاً بهم فأطلق عليهما الحشاشين والبطالين وحذر الناس منهم. المعلم يعقوب من أشهر الفتوات والشخصيات التى دار حولها جدل كبير فى تلك الفترة هو «المعلم يعقوب» وذلك لتعاونه مع الحملة الفرنسية وخيانته لمصر. إلا إن هناك اتجاها آخر يرى إنه كان ثائرا على الظلم العثمانى وبطلاً وطنياً حاول جعل مصر دولة مستقلة. نشأ يعقوب يوحنا فى مدينة ملوى بمحافظة المنيا عام5471م.. وعندما كبر عمل لدى «سليمان أغا» رئيس الانكشارية وكان من كبار أغنياء المماليك. فتكونت لدى يعقوب ثروة كبيرة وعندما جاءت قوات «حسن» باشا إلى مصر عام6871م لتثبيت الحكم العثمانى شارك المعلم يعقوب فى القتال ولكن فى صفوف المماليك. وعندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر عمل يعقوب على تسهيل كل الصعاب التى كانت تواجد الحملة حيث كانت لديه خبرة فى طريقة تفكير المماليك لعمله معهم لفترة طويلة، كما قام بتجهيز ما يلزم للحملة وتأمين مواصلاتها إلى الصعيد لمطاردة جيش مراد بك. وبالفعل قاد فصيلة من الجيش الفرنسى واستطاع أن يهزم المماليك ويستشهد المؤرخ «شفيق غربال» على دور المعلم «يعقوب» برسالة كتبها الجنرال «جاك فرانسوا مينو» إلى بونابرت قال فيها :«إننى وجدت رجلا ذا دراية ومعرفة واسعة اسمه المعلم «يعقوب» وهو الذى يؤدى لنا خدمات باهرة منها تعزيز قوة الجيش الفرنسى بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا». ويصف المؤرخ «عبدالرحمن الجبرتى» فى كتابه «مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس».. الصداقة الحميمة التى نشأت بين المعلم يعقوب والجنرال ديزيه إلى الحد الذى جعل يعقوب يقوم بجمع الضرائب من أهالى الصعيد بأبشع الوسائل، وعندما عاد إلى القاهرة حول داره إلى ما يشبه القلعة العسكرية وجعل لها بوابة محصنة، وتوافق ذلك مع مشروع نابليون في بناء عدة قلاع حول القاهرة، واعتبرت قلعة المعلم «يعقوب» واحدة من قلاع الفرنسيين فى القاهرة، ونتيجة للمساعدات الكبيرة التى قدمها المعلم «يعقوب» للحملة الفرنسية قام «كليبر» بمنح «يعقوب» رتبة «كولونيل» وجعله على رأس فرقة عسكرية تم تدريبها على أيدى ضباط فرنسيين كما تولى يعقوب تزويدهم بالسلاح على نفقته الخاصة. وبعد اغتيال «كليبر» قام الجنرال «جاك مينو» بمنح «يعقوب» رتبة جنرال عام1081م. فى 01 أغسطس عام 1081 غادر مصر مع الحملة. ولكن بعد يومين فقط أصيب بالحمى وإسهال حاد وتوفى صباح يوم 61أغسطس1081 وكانت وصيته أن يدفن بجوار صديقه الجنرال «ديزيه» لذا نفذ الفرنسيون الوصية ، واحتفظوا بجثمانه في برميل من الخمر «النبيذ» حتى وصلوا إلي فرنسا ودفن هناك. فتوات الحسينية حين بزغ نجم محمد على ورأى زعماء الشعب أن يتم تنصيبه واليا، شارك فتوات الحسينية فى الحركة الشعبية التى قادها عمر مكرم وأسفرت عن توليه حكم مصر عام 5081، وكان من زعمائهم حجاج الخضرى وابن شمعة. ولم يخلو التاريخ من حكايات جدعنة الفتوات الستات حيث تربعن على عرشها سنوات طويلة فمثلا «عزيزة الفحلة» فتواية حى المغربلين استطاعت أن توقف ركب الخديو عباس الثانى أثناء سيره فى الطريق وراحت تصرخ أمامه «مظلومين يا أفندينا» فأمر الخديو فورا بحل مشاكل حى المغربلين مع مأمور القسم. وهناك قصة أثبتت جدعنة الستات الفتوات قبيل بدايات تولى محمد على حكم مصر عندما أصدر البرديسى أشهر امراء المماليك فرمانا لرجالة بجباية الأموال من المصريين في بعض أحياء المحروسة وانصاع الرجال لتعليمات سيدهم وكبيرهم وهجموا على حى باب الشعرية يعيثون فيه نهبا وفسادا فما كان من نساء الحى إلا أن خرجن مسلحات بالعصى والشوم والسيوف والسكاكين والزجاجات المكسورة وانهلن ضربا على رجال البرديسى قائلين «إيش تاخد يا برديسى من تفليسى» وسالت الدماء ولم يكن أمام البرديسى فى قصره الذى تحتله اليوم السفنية للبنات إلا أن سحب فرمانه وتقبل الأمر الواقع. أما جليلة فتوة الجيزة فكان يخشاها الرجال ولم تكن تفتعل المشاجرات ولكنها كانت تدخلها بدافع الشهامة وحماية الضعفاء من الأقوياء حتى انخفضت نسبة الطلاق فى حارتها ووصلت إلي الصفر لأنها كانت نصيرة الستات المقهورات المظلومات من أزواجهن والويل كل الويل للزوج الذى يفكر فى تطليق زوجته لأسباب تافهة أو سطحية أو فيه ظلم حتى أن مشكلات البيوت كانت كلها تحل فى مقهى جليلة. وذات يوم صدمت سيارة بائعا مسكينا فى الحى فجرت ووقفت أمام السيارة ومنعت تدخل الرجال وقالت للسائق انزل يا حلو وضربته ضربة رأس وأخذته من يده إلى القسم لضمان حقوق البائع المصاب. وفى نهاية 0591 ترشح أحد ابناء الحى أمام مرشح معروف لحزب الوفد فتعصبت جليلة لابن حتتها وبدأت بنفسها حملة دعاية واسعة له تركب العربة الكارو مرتدية ملابس الرجال وتهتف وتصفق باسم ابن حتتها وحاول المنافس مساومتها لضمها إلى صفوفه لكنها رفضت وهاجمته حتى طلب حماية البوليس وجعل أتباعه يسمونها «سكسكة».