كلما طال التفاوض زادت المكاسب، وفي أزمة سد النهضة أمسكت إثيوبيا جيدًا بأوراق اللعبة، فبعد انتهاء المكاتب الاستشارية المقرر عملها لمدة 8 أشهر سيكون السد قد تم ومن ثم لا حاجة إلى الدراسات نفسها. تحركات رئيس الوزراء الإثيوبي هيلا ماريام ديسالين مؤخرًا أثبتت أن أديس أبابا «رمت طوبة المفاوضات خلف ظهرها»، وتعاملت على أساس أن الأمر حسم، وعلى الجميع بالتالي الاستعداد لما هو قادم، كما أعلن «ديسالين» في وسائل إعلام إثيوبية، الأسبوع الماضي. تصريحات «ديسالين» أعقبها مباحثات ثنائية بين رئيس وزراء إثيوبيا وسيرجي لافروف وزير خارجية روسيا، لمناقشة التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وبحسب ما نقلته وكالة «نوفوستي» الروسية فإن التعاون بين موسكووأديس أبابا سيكون في قطاع الطاقة، بعد إنجاز سد النهضة بجانب مشروعات أخرى في البنية التحتية. وزير الخارجية الروسي أعلن أيضًا أن موسكو ستقوم بإنشاء محطة للطاقة الكهرومائية في الروافد العليا لنهر النيل بالقرب من سد النهضة، وهو ما يستلزم موافقة الدول المجاورة لإثيوبيا، مؤكدًا أن روسيا ناقشت مع مصر والسودان هذا التعاون للاستفادة من موارد القارة السمراء. اتفاقية روسيا لم تكن أولى المحاور التي تحرك من خلالها «ديسالين»، فمنذ ما يقرب من شهر، أعلن رئيس وزراء إثيوبيا عن إنشاء سد جديد حمل اسم «كوياشا» على نهر الأوموا -لا يضر بمصر- بتمويل إيطالي بعد تقارب «إيطالي- إثيوبي»، إثر حادث مقتل «ريجيني»، فيما أعلن رئيس الوزراء الإيطالي أن روما على استعداد لدعم كافة المشروعات المتعلقة بالطاقة. تكمل إثيوبيا في خطتها المقامة على إقامة أكبر عدد من السدود بتمويل أجنبي لتكون الموزع الأساسي للطاقة الكهربائية في القارة السمراء حتى في ظل الحديث عن أضرار يمكن أن تلاحق مصر والسودان. بالنسبة للسودان كان ذهن «ديسالين» حاضرًا حين أقنع عمر البشير الذي يبحث عن أي مخرج من الأزمات الاقتصادية بجدوى بناء سد النهضة واعدًا إياه بتصدير كهرباء بسعر مخفض بجانب إنقاذ بعض الولايات التي سيحميها السد وهو الأمر الذي دفع «البشير» إلى وقف المفاوضات طوال الفترة الماضية، وهنا سارع الدكتور محمد عبد العاطي وزير الري بزيارة خاطفة للخرطوم، محاولا إقناع السودان باستئناف المفاوضات، والتقى وزير المياه الإثيوبي لنفس الغرض فكان الرد أن إثيوبيا ليس لديها مانع لكن السودان هو من يحتاج وقتا ليراجع بنود العقد القانوني. ولم يكن غريبًا أن تدخل إسرائيل أيضًا على خط الاستفادة من الكهرباء الإثيوبية بعد أن عقدت اتفاقيات تعاون من أجل الاستفادة من الكهرباء، وذلك من خلال شركات أجنبية - معظمها تركي- ويملك استثماراتها إسرائيليون. مصدر داخل اللجنة الفنية لسد النهضة أكد أن الخبراء الفنيين أدركوا ذلك وبالتالي لم يعد هناك أي جدوى مما ستفعله اللجان، خاصة أن توقيت انتهاء العمل سيكون بعد انتهاء افتتاح المرحلة الأولى من سد النهضة، والتي تشترط بدء تخزين الخزان وهو أمر لن تستطيع مصر أن توقفه في ظل التحالف الإثيوبي السوداني.