الملامح العريضة لثورة السدود التي تنتهجها إثيوبيا في الفترة الأخيرة تطرح عدة تساؤلات؛ هل كل تلك السدود هي بحاجة لها فعليًّا، أم أن هناك توجهات خارجية وأوامر عليا لكسب أهداف معينة في المنطقة وفي دول بحد ذاتها، أم أن هناك أسبابًا أخرى خفية غير معلنة؟ وفي هذا السياق قال موقع زيغابي إن إثيوبيا أعلنت بناء سد جديد قدرته 2000 ميجاوات، سيتم تمويله من شركة الائتمان الإيطالية. وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي هايله مريم ديسالين أن السد المزمع إنشاؤه اسمه كوياشا، يقع جنوب إثيوبيا على نهر أومو، وجاء هذا الإعلان بعد مفاوضات ناجحة بين الطاقة الكهربائية الإثيوبية وشركة البناء الإيطالية ساليني. وتقدر تكلفة سد كوياشا بحوالي 1.7 مليار دولار. وتفيد التقارير المالية للشركة الإيطالية بأنها ستمول السد بالكامل. ورغم ذلك فهناك وفد إثيوبي من شركة آثار البيئة التقى مع وفد من الولاياتالمتحدةالأمريكية، جاء لعرض التعاون الاقتصادي وتمويل بناء السد الإثيوبي. وهنا يتضح مدى قوة العلاقات بين الولاياتالمتحدة وإثيوبيا بالرغم من عقد مجلس الشيوخ مؤخرًا جلسة استثنائية، طالبت فيها الرئيس باراك أوباما بقطع العلاقات مع إثيوبيا؛ للتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان هناك. ولكن يبدو أنها ليست إلا مجرد خدعة أمام العالم؛ لتستمر الولاياتالمتحدة وكأنها حامية الحريات والمدافعة عن حقوق الإنسان . الضرر الأكبر سيقع على مصر وطبقًا لخطة التنمية الخمسية التي أقرتها أديس أبابا، جعلت الحكومة الإثيوبية من أولوياتها زيادة إمدادات الطاقة في البلاد، كما تتطلع للاستفادة من الأنهار لتوليد الطاقة ولو على حساب جيرانها كما حدث في الآونة الأخيرة، عندما أنشأت إثيوبيا سدًّا على نهر شبيلي المصدر المائي الوحيد للصومال، وأغلقت الماء عنها؛ مما تسبب في جفاف النهر وإحداث مجاعة ضاربة في البلاد، كما تسبب سد جيبي الثالث على نهر أومو في أضرار كبيرة لدولة كينيا. وفي الوقت الذي تتضرر فيه جيران إثيوبيا من السدود التي أقامتها دون أدنى اعتبار، جاء إعلان ديسالين عن السد الجديد كوياشا في البرلمان خلال الذكرى الخامسة من بدء بناء سد غيرد والذي يولد من الطاقة 6000 ميجاوات. أما الضرر الأكبر المتوقع أن تسببه إثيوبيا لمصر فهو بناء سد النهضة، الذي سيكون أكبر سد في إفريقيا، وفي المقابل سينقل إثيوبيا نقلة تاريخية؛ حيث سيصبح مركزًا للطاقة المتجددة في القارة. وبالنظر إلى إمكانات التنمية فإن السد سيحسن من حياة الشعب الإثيوبي، وسيكون بمثابة مركز تجاري ضخم للمواطنين، بينما في الاتجاه الآخر سيضر بنصيب مصر المائي، كما سيهدد حياة الشعب المصري بالمجاعة كما حدث مع الصومال وكما تعاني كينيا، بل وأكثر؛ لأن السدود التي أقيمت على دول الجوار لإثيوبيا صغيرة جدًّا بالنسبة لسد النهضة. تجهيز إثيوبيا من الدول الاستعمارية كقوة إقليمية بجانب السدود نجد إثيوبيا وقد سارت دراساتها في مراحل متباينة فى أكثر من17 مشروعًا لتوليد الطاقة الكهربائية من مياه الاثنى عشر نهرًا فيها. وتشمل هذه الدراسات ثمانية سدود كبيرة على منظومة النيل، هي: (1) السد الحدودى: ويقع على نهر أبّاي (النيل الأزرق) على بعد حوالي 20 كيلومترًا من الحدود مع السودان. ويتوقع أن يُولّد حوالي 1,780 ميجاوات من الطاقة الكهربائية. ولم يوضّح الإعلان عن سد الألفية العظيم إن كان السدان سيُبنيان، أم أن سد بني شنقول هو بديل للسد الحدودى. (2) سد كارادوبي: على نهر أبّاي (النيل الأزرق) لتوليد حوالي 1,700 ميجاوات من الكهرباء، بالإضافة إلى مشروع ري. (3) سد ميندايا: على نهر أبّاي (النيل الأزرق) لتوليد حوالي 1,700 ميجاوات من الكهرباء. (4) سد مابيل: على نهر أبّاي (النيل الأزرق) لتوليد حوالي 1,440 ميجاوات من الكهرباء. (5) سد دوبَس: على نهر دوبَس، وهو أحد روافد نهر أبّاي (النيل الأزرق) لتوليد حوالي 740 ميجاوات من الكهرباء، بالإضافة إلى مشروع ري. (6) سد ديدسّا: على نهر ديدسّا، وهو أحد روافد نهر أبّاي (النيل الأزرق) لتوليد حوالي 300 ميجاوات من الكهرباء. (7) سد بارو: على نهر بارو (السوباط في جنوب السودان) لتوليد حوالي 800 ميجاوات من الكهرباء. (8) سد بِربِر: على نهر بِربِر، وهو أحد روافد نهر بارو (السوباط في جنوب السودان) لتوليد حوالي 470 ميجاوات من الكهرباء. ماذا ستفعل إثيوبيا بكل هذه الطاقة الكهربائية؟ يبدو أن إثيوبيا تنوى أن تكون مصدرًا إقليميًّا للطاقة الكهربائيةن بل والضرر بدول الجوار وتعطيش مصادر مياههم؛ حتى تكون مصدرًا أيضا لدول الجوار، وحتى ما بعد الجوار. ووقعت إثيوبيا على مذكرة تفاهم لتصدير 500 ميجاوات فعليًّا إلى كينيا، كذلك تتوقع إثيوبيا تصدير طاقتها الكهربائية إلى جنوب السودان، الذي يعاني نقصًا حادًّا في الكهرباء في صفقة تبادل الكهرباء من إثيوبيا مقابل البترول من جنوب السودان. كما يُتوقع تصدير الكهرباء إلى السودان؛ للاستهلاك في ولاياتها الشرقية المجاورة لاثيوبيا، وإلى جيبوتي، وعبر جيبوتي والبحر الأحمر إلى اليمن. إذًا بالنسبة لإذثيوبيا هناك طلب عالٍ من دول الجوار، وتبقى مسألة التوليد لتغطية هذا الطلب، وهذا الطلب قد يسهل بدوره مسألة التمويل الخارجي لهذه المشاريع. وإذا تم تنفيذ هذه الخطة فإن سلعة التصدير الأساسية والأولى في إثيوبيا خلال السنوات القليلة القادمة ستكون الطاقة الكهربائية وليست البن. ومن ناحية أخرى فإن التمويل الأمريكي والإسرائيلي لإثيوبيا سيكون له مقابل؛ فالولاياتالمتحدة لديها أطماع في المنطقة، خاصة في منطقة القرن الإفريقي؛ للسيطرة على منابع المياه من خلال إثيوبيا، فالحروب المسلحة القديمة باتت لا تفي بالغرض، بل وتكلف الدول الكبرى خسائر أكثر من مكاسبها، كما حدث وتأكدت من ذلك الولاياتالمتحدة بعد غزوها للعراق وتكبدها خسائر فادحة، فكان لا بد من تغيير الاستراتيجية لفكرة الاستعمار الجديد، والذي بدأته بالفعل الدول الاستعمارية الكبرى بعد حركات التحرر من الاستعمار القديم، من خلال الاستعمار الاقتصادي والمساعدات المشروطة وعن طريق العولمة.