في صحراء سيناء مترامية الأطراف لا تسمع عن الدولة إلا همساً، فهي غائبة عن الخدمات مغيبة عما يحدث في الجبال والوديان، قانونها لا يغطي كل هذه المنطقة الحيوية من البلاد، لذلك تعامل أهالي سيناء وفق أعرافهم وقوانينهم، يلجأ المظلوم إلي المجالس العرفية بحثا عن حق يعلم أن القانون لن يعيده إليه، وللمجالس رجالها وقواعدها وأحكامها ومن يدان تطبق العقوبة فوراًَ فلا مجال للمماطلة وتتضامن القبيلة لدفع ما عليها من حقوق للآخرين حتى تحظى باحترام القبائل الأخرى، لكن فى بعض الحالات تتضامن قبيلة الجانى مع الخصوم ويصدر الحكم الأعنف وهو «التشميس» وهو يعني أن عائلته طردته من ظلها وبات في العراء فريسة لأصحاب الحقوق، وعليه منذ صدور الحكم أن يتولي حماية نفسه دون اللجوء إلي ظل القبيلة. والتشميس عرف جري بين قبائل سيناء للمتجاوزين للحدود من أبناء القبائل، ولا يوجد حصر دقيق بأعداد من تم تشميسهم، فمنذ عدة سنوات كان «التشميس» لا يتجاوز عدد أصبع اليد الواحدة، أما الآن فهم بالعشرات، ويتم طردهم لجلبهم المشاكل. التشميس له أصول فلا يتم تشميس أى شخص قبل «تنظيفه» وهو مصطلح بدوي يعني دفع جميع الالتزامات المادية والحقوق التي عليه للآخرين، ثم كتابة ورقة يوقع عليها عدد من مشايخ وكبار عائلة المشمس إضافة إلي والده وأعمامه، ثم يتم توزيعها علي عدد من المقاعد المجالس الخاصة بالعائلات والقبائل الأخري، وقتها يصبح الشخص مشمسا ومنبوذا من القبيلة التي ينتمي إليها، وينظر إليه نظرة دونية. والتشميس من الممكن أن يكون لشخص واحد أو لعائلة بأكملها، فقديما كانت القبيلة إذا كانت بها عائلة متجاوزة وتضع القبيلة في مشاكل مع القبائل الأخرى فإنه يتم طردها من القبيلة كلها بعد إخبار القبائل المجاورة، حتى أنه يصل الأمر إلي تهجيرهم من اراضيهم إلي أراض أخري، ولكن التاريخ يذكرنا لنا هذا علي نطاق ضيق، فقد كانت العائلات داخل القبيلة الواحدة تتكاتف لمواجهة القبائل الأخري لحماية أراضيها وممتلكاتها. التهجير أو التغريب قد يكون بطوع العائلة، فإذا رأت العائلة أن الخروج من القبيلة هو السبيل إلي النجاة من الدخول في مشكلات مع القبائل الاخري، فإنه يتم إبلاغ القبائل بخروج عائلة ما، وفي هذه الحالة يكونون عائلة وحدهم يكون مردهم لانفسهم وليس للقبيلة التي خرجوا منها، ويتكفلون بكافة الحقوق والواجبات تجاه القبائل الاخري بعيدا عن قبيلتهم التي تركوها طواعية، ومن الممكن الانضمام لقبيلة أخري فيما يعرف ب«حرق الثوب» وهي بمثابة الإعلان عن ترك قبيلة والدخول في قبيلة أخري ليصبحوا منها ويدافعوا عنها ويلتزمون بالحقوق التي يتم دفعها عن القبيلة في حالة تغريم القبيلة عرفيا.