آلام السيد المسيح لم تكن آلاما جسدية وهو الأمر الذى يفوق فى شدته آلام كل الأجساد.. قبل أن يأتى الخائن «يهوذا» بفصيل من الجنود للقبض على المسيح كان الرب فى بستان «جشيمانى» حيث يمكننا أن نشاهد معركة روحية شديدة تدور رحاها فى نفس المخلص.. إنه لم يكن خائفا من الموت على الصليب الذى كان أمرا أكيدا بل كان بحسب لوقا «فى جهاد وكان يصلى بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض». انجيل لوقا «22:44» أى أن المسيح كان يخوض معركة روحية شديدة لدرجة أن الدم أخذ ينزل من جبينه.. لم يكن الموت على الصليب يخفيه ولم يحدث فى تاريخ البشرية بأسرها إن تكرر هذا الأمر لدى الذين كانوا على باب الاستشهاد فى سبيل إيمانهم، كان جهاد الجشيماني روحيا عنيفا إذ أن المخلص كان يتألم روحيا حاملا جهاداً على نفسه خطايا العالم فكما أن قصاص الخاطىء يأتى على جسده وروحه هكذا أيضا تألم المسيح جسديا وروحيا لإنقاذ جميع المؤمنين به عبر التاريخ البشرى وقد انتصر المخلص له المجد جسديا وروحيا على الشيطان.. على أكمة الجلجثة نشاهد آلام المخلص الجسدية أكثر مما نشاهد آلامه الروحية بينما فى بستان الجشيمانى نرى آلامه الروحية التى استمرت أيضا على الصليب ولكن لماذا كان على المسيح أن يتألم بهذه الصورة القاسية؟!.. لأنه تقدم أمام المحكمة الإلهية ليكفر عن خطايا الناس وكممثل للبشرية الجديدة ولذلك كان لابد له من الشعور ضمن ضميره بهذا الحزن الشديد الذى لا يوصف والذى ينتج عن «الخطية» ومثل المسيح المؤمنون به وناب عنهم حتى شعر وكأن الله تركه وغضب عليه وإذا كان فى شدة هذه الآلام قال وهو مسمرا على الصليب: إلهى إلهى لماذا تركتنى؟ طبعا إن الله لم يكن قد غضب على المسيح فى ذاته بل إن غضب الله هذا كان عليه كممثل ونائب عن البشرية وبذلك تحقق ما تنبأ به أشعياء قبل مئات السنين من الميلاد. وبما أن السيد المسيح تألم بهذه الصورة الشديدة التى وصفها لنا الأنبياء والرسل فإننا نقول إن الإنسان الذى لا يحتمى بالمخلص ولا يثق به ثقة تامة ليس عليه سوى مقابلة الموت وتحمل نتائج الخطية وحده.. فآلام الجحيم التى تذوقها المسيح أثناء آلامه الروحية الشديدة تعنى أن المؤمن به لن يتذوقها مطلقا فى الحياة الآتية.