سجل لنا الأدب القبطى أسلوبا أدبيا راقياً ليبين كيف استقبلت الأرض مجئ السيد المسيح عيسى بن السيدة العذراء مريم، وما هى الشواهد التى تم رصدها فى إطار أدبى لتمهد لمجئ المسيح فقد سطر الكاتب د. مينا بديع عبد الملك أستاذ الرياضة التطبيقية بجامعة الإسكندرية فكتب عن «المسيح فى تراث الأدب القبطي» فقال «بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح أقدم نموذجا لكتابات القديس مار آفرام السريانى الذى ولد فى نصيبين وحضر مجمع نيقية مع معلمه القديس يعقوب أسقف نصيبين ويقال إنه زار مصر وعاش بين رهبان وادى النطرون وعندما تحدث عن الملائكة والرعاة المرتبطين بحادثة ميلاد السيد المسيح قال: «اليوم ينزل الملائكة ليسبحوا تسبيحة جديدة على الأرض، ويبتهجوا مع الحراس الساهرين «أى الرعاة» الرعاة الساهرون صاروا زملاء الملائكة كان الملائكة المتيقظون مبتهجين، فأتوا لإيقاظنا فمن ذا الذى يقضى هذه الليلة فى نعاس وفيم كان كل العالم ساهرا من ذا الذى ينام فى هذه الليلة التى أيقظت كل المخلوقات فحيث أن آدم جلب إلى العالم نعاس الموت بالخطايا لذلك نزل الملائكة لإيقاظنا من نوم الخطية فلنسهر، والذى لا يسهر بفرح ليس سهره سوى نوم! والذى لا يسهر فى طهارة، فإن سهره سوف يكون عدوا له». نجم غير طبيعى أشرق فجأة، أقل من الشمس، وأعظم من الشمس، أقل منها فى نورها الظاهري، وأعظم منها فى قوته المخفاة، بسبب سرها ألقى أشعته على الظلام، وقاد المجوس كالعميان، فجاءوا وتقبلوا نورا عظيما، وسجدوا ورجعوا. حملق الطاغية «هيرودس» فى المجوس عندما سألوا عن المولود، وبينما كان قلبه متكدرا تظاهر بالبهجة ومع الحملان أرسل ذئابا لكى يقتلوا الحمل. وقد وجدت مخطوطة كتبها الأسقف أبابيوس فى القرن العاشر الميلادى باللغة العربية عنوانها «كتاب العنوان المكلل بفضائل الحكمة المتوج بأنوار الفلسفة وحقائق المعرفة.. قال فى مقدمة أحد أجزائها: وجدنا فى كتب كثيرين من الفلاسفة إشارتهم إلى يوم صلب المسيح. ويشير يوسيفوس أيضاً إلى يعقوب أخى يسوع، فى وصفه لأعمال حنّان رئيس الكهنة، فيقول: تسلم حنّان رئاسة الكهنة، وكان شجاعاً جداً، واتبع طائفة الصدوقيين الذين كانوا سيفاً مسلطاً على اليهود، كما سبق أن أشرنا وقد انتهز حنّان فرصة موت فستوس، وفرصة أن الحاكم الجديد ألينوس لم يكن قد وصل بعد، وجمع مجلس قضاة، وجاء أمامه بيعقوب أخى يسوع الذى يدعى المسيح ومعه آخرون، ووجه لهم تهمة كسر الناموس وسلمهم للرجم. وكتب موير عن جستن الشهيد يقول: فيلسوف وشهيد ومدافع عن المسيحية ولد فى فيلادلفيا نيابوليس، تعلم جيداً وكان له من الموارد ما استطاع معه أن يحيا حياة الدرس والسفر، ولما كان يفتش عن الحق بأمانة واجتهاد فقد طرق أبواب الرواقيين وأرسطو وفيثاغورس وأفلاطون، ولكنه كان يبغض الأبيقوريين وفى بدء حياته العلمية تعرف على اليهودية ولكنها لم تعجبه، وقد أعجبته فلسفة أفلاطون جداً، وكاد يصل منها إلى هدف الفلسفة: رؤية الله، حتى جاء يوم كان يسير فيه وحيداً بقرب الشاطئ وعندما التقى بمسيحى عجوز جذاب الملامح لطيف المعشر، تحدث معه فزعزع ثقته فى الحكمة البشرية، ووجهه إلى الأنبياء العبرانيين الذين جاءوا قبل كل الفلاسفة المشهورين، والذين تنبأوا عن مجئ المسيح وبعد هذه المحادثة أصبح الشاب الأفلاطونى الغيور مؤمناً بالمسيح وكتب يقول: وجدت أن هذه الفلسفة هى الوحيدة الأمينة المفيدة وقد كرس جستن كل جهوده بعد ذلك للدفاع عن المسيحية ونشر رسالتها. من أجمل ما كتب عن المسيح ما جاء فى شعر «جبران خليل جبران» حيث قال :«الإنسانية ترى يسوع الناصرى مولودا كالفقراء.. عائشا كالمساكين مهانا كالضعفاء .. مصلوبا كالمجرمين فتبكيه وترثيه وتندبه.. وهذا كل ما تفعله لتكريمه منذ تسعة عشر جيلا والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع.. ويسوع كان قويا ولكنهم لا يفهمون معنى القوة الحقيقية ما عاش يسوع مسكينا خائفا ولم يمت شاكيا متوجعا بل عاش ثائرا وصلبا متمردا ومات جبارا... لم يكن يسوع طائرا مكسور الجناحين.. بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الاجنحة المعوجة لم يجىء يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الآلم رمزا للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزا للحق والحرية... لم يخف يسوع مضطهديه ولم يخش أعداؤه ولم يتوجع أمام قاتليه لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبنى من حجارتها الأديرة والصوامع، ويستهوى الرجال الاشداء ليقودهم قساوسة ورهبانا.. لم يجئ يسوع ليعلم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة فى جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة بل جاء ليجعل قلب الإنسان هيكلا ونفسه مذبحا وعقله كاهنا... هذا ما صنعه يسوع الناصرى وهذه هى المبادئ التى صلب لأجلها باختياره الكامل، وباصرار تام.. ولو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهللين منشدين اهازيج الغلبة والانتصار.. إن إكليل الشوك على رأسك هو أجل وأجمل من تاج بهرام، والمسمار فى كفك اسمى وأفخم من صولجان المشترى، وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعانا من قلائد عشتروت... فسامح يا سيد هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنهم لا يدرون كيف ينوحون على نفوسهم، واغفر لهم لأنهم لا يعلمون أنك صرعت الموت بالموت ووهبت الحياة لمن فى القبور».