«بين حانا ومانا .. ضاعت لحانا» مثل عربي قديم تحمل قصته مضمونا أوسع بكثير من حدود ألفاظه . كان صاحب المثل رجلا مسنا تجاوز السبعين بكثير، عندما قرر ان يتزوج من فتاة فى العشرين من عمرها . زوجته الأولي التي تقارب سنه كان اسمها « حانا» بينما كانت الشابة الصغيرة الجميلة اسمها « مانا ». فى الليلة التي يقضيها صاحبنا الذى ضل الطريق لسعادته مع حانا تفاجئه بأن تقوم بنزع الشعر الأسود من لحيته وهى تردد « كيف وأنت الشيخ الرصين تترك شعيرات سوداء تقلل من هيبتك ؟» . تتسلى حانا طوال الليل بنزع الشعر الأسود وهي سعيدة بإيلامه نفسيا وبدنيا . وفى الليلة التى تكون من نصيب «مانا» فإن صاحبنا يفاجئ بها تقود حملة ضارية علي الشعر الأبيض في لحيته ، وهي تردد « كيف وأنت لاتزال فى صباك تترك هذا الشعر الأبيض يأخذ من حيويتك ونشاطك ؟» . وتتسلى ببقية شعيرات سوداء في لحيته، حتى استيقظ الرجل يوما ليرى نفسه بلا لحية، في زمن كانت فيه اللحية جزءا من الكرامة، والرجولة، والشرف، فقال قولته «بين حانا ومانا .. ضاعت لحانا». لا أعرف حتى تاريخه لماذا اربط بين صاحبنا العربى القديم وبين الدكتور وحيد عبد المجيد الليبرالى قديما والمستجد حديثا في جماعات الحكم الفاشى . الدكتور وحيد عبد المجيد واحد ممن باعوا لنا قديما كتابات عن الليبرالية، ومفاهيمها، وتطبيقاتها، وكم من معارك خاضها الرجل أيام أن كان متزوجا من حانا ، والطريف ان الرجل يخوض.. وبنفس الحماس معاركه لبيع بضاعة غريبة عنه . فى لحظة ضعف حقيقية يغير الدكتور وحيد عبد المجيد جلده، وينجذب إلي «مانا»، فلا يهنأ بما كسبت يداه، فلا هو استطاع أن يتخلص من ماض ردد فيه الكثير حول خطورة الحكم الفاشى علي مصر، ولا هو استطاع أن يكون مقنعا علي مسرح الحياة الجديدة . وحيد فقد ظله، وعندما يفقد الرجل ظله، يفقد معناه، ويصبح بلا رائحة تؤكد ماضيه، أو زخما يزين حاضره، أصبح الدكتور وحيد عبد المجيد وجها باهتا علي مسرح الحياة السياسية، وتحول إلي تمثال طينى لايحمل من علامات الزمن تجاعيد ترسم ملامح ماض تليد، ولا نضارة شباب تخوض بحماسة الفتيان مغامرة غير محسوبة. يخطئ المرء عندما يغامر بقيمه التي آمن بها طويلا، مثل صاحبنا الذى لم يمتثل لقوانين الطبيعة، ففقد أهم وأغلى مايملك .. فقد لحيته ، والمشكلة أن صديقنا الدكتور وحيد عبد المجيد الذي انتقل من رصيف الحكومة سابقا إلى قصر الوفد العتيق لم يتحمل كثيرا في معركة النضال الفاصلة ،وقرر فجأة وبلا مقدمات ، أن يتزوج من جماعة الإخوان المسلمين بكل ماتحمل في مضامين مناهجها من مظاهر لحكم فاشٍ مرعب . ومن الرصيف إلي القصر .. إلي المعبد .. تصور الرجل وهماً أن الكهانة خبرة تكتسب دون أن يدرك أنها سر كبير .. أكبر من سر الشعر الأبيض في لحية العربى القديم. قد تنزعج مثلى، وأنت تري الدكتور وحيد عبد المجيد يبذل جهودا جبارة دفاعا عن باطل، هو يعرفه، كما نعرف نحن من هو وحيد عبد المجيد . ويتورط أكثر فأكثر .. يغرق أكثر فأكثر .. يصبح وجبة بلا ملح ، وبلا طعم . يرفض قبول طعن أحمد شفيق، ويصف ذلك بالبلطجة القانونية ..يقول: حكم الدستورية ليس الفيصل في حل البرلمان .. وبعد أن كان يقول إن حزب الوفد لديه خطط وبرامج لبناء مصر الحديثة، قال نفس الكلام عن حزب الحرية والعدالة، بعد أن وعدوه بكرسى فى البرلمان . تتساقط أوراق التوت واحدة تلو الأخرى ، عندما يفقد صاحبنا العربى القديم الذي ألقي بنفسه بين حانا ومانا، وتتساقط نفس الأوراق، عندما يدعم الرجل انقلابا ضد الدستورية، قام به محمد مرسى رئيسه فى الحزب الذى ترشح على قوائمه ، وعندما يصدق محمد مرسى علي معايير التأسيسية ، يقفز الرجل الوقور فى الهواء فرحا، بما أثمت يد الرئيس . وحيد عبد المجيد قال يوما: « إن الشعب يريد حكومة بدون مرسيدس .. تعمل من أجله، وليس من أجل رجال الأعمال » . قال ذلك ورئيس مجلس الشعب المنحل الذى ينتمى إلى نفس حزبه لم يعد سيارة المجلس رغم قرار حله . لايتورع الدكتور وحيد عبد المجيد عن أن يخرج علينا يوميا بتقرير عن نشاط تأسيسية الدستور، التي قاطعها الجميع إلا هو .. ويعلن عن سعادته لأنه أصبح متحدثا رسميا باسم تأسيسية الإخوان، وهو الذى كان يبيع لنا قيما أكبر من أن تجعل مثل هذا الموقع يسعده . لقد اختار الرجل.. الأدني من تاريخه ، وبعد أن كنا نراه.. منظرا سياسيا ليبراليا مهما .. ومتأنيا وموضوعيا في رؤاه وأكبر من مقعد برلمانى .. اختار بنفسه أن نراه علي صورته النهائية رجل فقد لحيته!!