مقاتل بدرجة صحفي، هذا هو الوصف الذي انطبق على الكاتب الراحل مصطفى شردي، الذي شكل وعي جيل كامل من الصحفيين، وقاتل العدو المحتل بقلمه ليحصد لمصر انتصارًا سياسيًا أمام الرأي العام العالمي، وبعد تفرغه من ميادين القتال امام المحتل، بدأ شردي معركته ضد الفساد ليظل في قتال مستمر حتى يوم مماته ورحيله عن العالم. هو مصطفى النحاس محمد شردي ابن الصحفي الوفدي محمد شردي الذي سماه يوم مولده في الخامس من أكتوبر 1935 ببورسعيد تيمنا باسم الزعيم الوفدي مصطفى النحاس، وكان محمد شردي صحفيًا بجريدة «المصري» الناطقة باسم الوفد قبل ثورة 1952. كان لمحمد شردي الأب الفضل الأكبر في تكوين الصحفي مصطفى شردي، الذي ورث حب الصحافة من والده، ليقوم في سن صغيرة في مدرسته مع أقرانه بإصدار مجلة حائط يومية يكتبونها بأيديهم، وعندما وصل إلى سن الخامسة عشرة، بدأ رحلته الصحفية مع جريدة «المصري»، وكان وقتها يغطي أحداث معارك الفدائيين في منطقة القناة وعندما أغلقت جريدة «المصري» انتقل إلى «دار أخبار اليوم - الأخبار اليومية – الجيل - آخر ساعة يكتب، ويلتقط الصور، ويبعث الإثارة بتحقيقاته المصورة. في عام 1956 حقق مصطفى شردي أول نصر صحفي في حياته فبينما كان يحمل البندقية للدفاع عن مدينته الصامدة بورسعيد كان يخفي الكاميرا في ملابسه، والتقط عشرات الأفلام التي تفضح العدوان، وهي الصور التي استغلها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأرسلها مع الكاتب الكبير مصطفى أمين وعرضها في جميع دول أوربا وأمريكا وقلبت الرأي العام الدولي ضد العدوان الثلاثي. سافر شردي إلى لبنان مكلفًا من أخبار اليوم لتغطية أحداث لبنان عام 1958 والتي كانت ستتطور لحرب أهلية، وفي 1970 وضمن مجموعة من الطيور المهاجرة المصرية للخليج ليساهم في إصدار صحيفة «العروبة القطرية» بالدوحة، ثم انتقل إلى أبو ظبي ليؤسس أول جريدة يومية في دولة الإمارات العربية، وهي «الاتحاد»، وقد أسسها مع نخبة من فرسان الصحافة ثم أسس جريدة «الوفد» الأسبوعية عام 1984، والوفد اليومية في مارس 1987 رئيسا لتحريرها، وظل في هذا المنصب حتى توفاه الله عام 1989. نشر شردي عددا من قضايا الفساد، وتصدى لوزير الداخلية زكي بدر وكان للوفد صولات وجولات ضد صاحب نظرية الضرب في سويداء القلب، فما كان من بدر إلا التربص بشردي، حتى أنه ألقي القبض على ابنه إبراهيم بسبب مخالفة مرور. وتصدى لنظام مبارك وكتب مقالًا أغضب مبارك شخصيًا بعد دفاعه عن الراحل فؤاد سراج الدين بمقاله «العين بالعين والسن بالسن» كان مقالا قويا مضمونه إذا كان مبارك رئيسًا للحزب الوطني فإن سراج الدين رئيس لحزب الوفد أعرق الأحزاب وزعيم له. ومن المواقف التي لا تنسى، جلسة رفع الحصانة عن شردي، فالصحفي الهمام الذي خاض الانتخابات البرلمانية عن دائرة المناخ أغضب رئيس البرلمان رفعت المحجوب بسبب معركة «قصر العيني»، وحين جاءت قضية الصرف في مياه البحر التي اتهم فيها فوزي معاذ محافظ الإسكندرية آنذاك وقام بإقامة دعوى ضد شردي، أصر المحجوب على رفع الحصانة عن شردي وفي أول جلسة رفض النواب، فتم عقد اجتماع في الحزب الوطني وتهديد النواب فوافقوا في جلسة أخرى وهنا وقف المقاتل قائلًا « إنني أرحب بالذهاب إلى ساحة القضاء فإن مسألة محاربة الفساد هي مسألة تقترب من الجهاد في سبيل الله».