لم أر نبيلاً في خصومته ولا فارساً في معاركه السياسية والصحفية مثل المرحوم العظيم مصطفي شردى.. خاض كل المعارك ضد النظام في الثمانينات.. خاضها ضد كل رموز الفساد والبطش.. تصدي لرأس النظام شخصياً.. عندما انهالت مقالات كتاب النظام وخدامه وحملة مباخره ضد فؤاد باشا سراج الدين زعيم حزب الوفد.. فكانت مقالته الشهيرة «العين بالعين والسن بالسن».. وكانت مقالة قوية مضمونها إذا كان مبارك رئيساً للحزب الوطني فإن سراج الدين رئيساً لحزب الوفد أعرق الأحزاب وزعيم له.. وكانت رسالته قوية أغضبت نظام الحكم منه.. وقف ضد جلاد الثمانينات الأول وصاحب نظرية الضرب في سويداء القلب زكي بدر وزير الداخلية الذي أيقظ فتنة وئدت من قبل في أعقاب 1981.. ما بين الشرطة والجماعات.. فكان انتقام زكي بدر من الراحل مصطفي شردي عقاباً لشردي علي تصديه للتعذيب في السجون وأقسام الشرطة وانتهاك حقوق الانسان والحريات.. تعرض شردي لفرض الرقابة علي تحركاته والتربص بابنه إبراهيم الذي قبض عليه بمجرد مخالفة مرور.. الأمر الذي أثار نقابة الصحفيين.. عندما فشل في تلفيق أي قضية تدين مصطفي شردي. وقف وتصدي لديكتاتورية الدكتور رفعت المحجوب- رحمه الله- الذي رسخ مبدأ الديكتاتورية في إدارته للبرلمان وحوّله إلي أداة للانتقام من المعارضين ومسرح لعرض مؤامرات الحزب الحاكم في ذاك الوقت للمعارضين ومكان تنطلق منه أحط الألفاظ والسباب.. ونهش المعارضين والزعماء السياسيين.. وصل إلى حد اصرار المحجوب علي رفع الحصانة عن شردي لمثوله أمام القضاء في قضية نشر تكشف الفساد في محافظة الإسكندرية رفعها المرحوم فوزي معاذ محافظ الإسكندرية في ذاك الوقت.. وفي هذه الجلسة رفض النواب رفع الحصانة عن شردي.. فصاح رفعت المحجوب مكرراً نداءه برفع الحصانة أكثر من مرة.. وفي كل مرة يرفض النواب.. الأمر الذي أغاظ المحجوب.. وعقد الحزب الوطني اجتماعاً طارئاً هدد فيه النواب.. فما كان منهم إلا أن وافقوا في جلسة أخري علي رفع الحصانة خوفاً ورعباً من انتقام الديكتاتور.. وهنا وقف عملاق البرلمان والصحافة مصطفي شردي قائلاً: انني أرحب بالذهاب إلي ساحة القضاء فإن مسألة محاربة الفساد هي مسألة تقترب من الجهاد في سبيل الله.. ناضل مصطفي شردي وتصدي للجبابرة في يوم كان علي المناضل أن يحمل رقبته علي يديه ويدفع الثمن من سمعته وأمنه وحريته.. وأتذكر أثناء اجتماع لجريدة «الوفد» في عام 86 بحضور فؤاد باشا سراج الدين أعلن حينها مصطفي شردي أن زكي بدر وزير الداخلية طلب اعتقاله واعتقال المرحوم عادل حسين رئيس تحرير جريدة الشعب في ذات الوقت عقاباً علي ما تنشره «الوفد» و«الشعب».. وهنا داعب «سراج الدين» «شردي» قائلاً له: أنا أخذت علي الاعتقال والسجن ومستعد بدلاً منك للاعتقال. ان مصطفي شردي كان فارساً في خصومته.. لم يتعرض لأحد إلا وهو في قمة سلطته وبطشه.. قاوم الفساد والاستبداد وجعل من صحيفة «الوفد» صوتاً في يوم خرصت فيه الأصوات.. فعشقها الشعب حتي قال فارس البرلمان الراحل علوي حافظ: ان جريدة «الوفد» أصبحت كرغيف الخبز للشعب ووصل توزيعها إلي مليون نسخة.. وإذا كان مصطفي شردي نجح في أن تنطلق جريدة «الوفد»، وتحرك المياه الراكدة في الشارع المصري فقد استطاع بقيادته وإدارته للجريدة أن يخرج منها رموزاً في عالم الصحافة والاعلام تقلدت إدارة العديد من الصحف ومنابر الاعلام بل ان من تلاميذه من كانوا يوماً أكثر من نصف الهيئة البرلمانية للوفد.. ان مصطفي شردي الذي بدأ تاريخه الناصع بالمشاركة في المقاومة الشعبية في بورسعيد والتقط صوراً تكشف بشاعة مجازر العدوان الثلاثي علي بورسعيد.. الأمر الذي جعل جمال عبدالناصر يكلف الكاتب الراحل مصطفي أمين بعرض هذه الصور في مؤتمرات عقدت في دول العالم لتكشف بشاعة العدوان.. هو أيضاً مصطفي شردي صاحب أكبر سجل في محاربة الفساد والاستبداد.. وهو نفسه صاحب أطيب قلب.. وأنقي سيرة.