درب الفشارين نسخة من مصر المحروسة .. فيها العالم والعابد.. «أبو دقن» وأبو سكسوكة وأرباب «التاتو» .. الليبرالى والمتأسلم والمستسلم.. البيه والبواب.. الدكتور والجزار والشاعر والفاجر وابن السبيل.. وأحمد ومنى ومينا وسلسبيل.. زورونا تجدوا ما يسركم، لكنكم أبدا لن تجدوا الصادق... فهذه المساحة ممنوعة إلا على أحفاد أبو لمعة الأصلى. مفاجأة من العيار الثقيل لم أكن أتوقعها يوماً فهاتفى يعلن عن مكالمة برقم خاص كان صاحبه هو المشير محمد حسين طنطاوي.. لم أصدق أذنى عندما أعلن الرجل عن نفسه وأبدى إعجابه بى وبكتاباتى فى درب الفشارين.. ولم أتردد لحظة عندما طلب لقائى فى منزله مساء الجمعة الماضية.. هندمت نفسى وظللت أنتظر حتى سمعت «كلاكسات» السيارة التى ستقلنى إلى المشير.. مفاجأة أخرى عندما نظرت من شرفتى ورأيت سيارة المشير ذات اللون الأسود التى طالما سمعت عنها الحكايات فهى قديمة بقدم المشير نفسه لكنها فارهة وأنيقة.. استقللت «الأسانسير» وأنا أدندن «يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة» حتى وصلت للدور الأرضى وأمام مدخل العمارة كان ينتظرنى شابان يرتديان الزى العسكرى فبدأت أشك فى معلوماتى فأنا أعرف أن المشير قد أحيل إلى التقاعد .. وجهت سؤالى للشابين فلم ينطقا بكلمة واحدة حتى وصلنا للتجمع الخامس مقر فيللا المشير.. ترجلنا حتى دخلنا الفيللا وبعد انتظار لم يطل خرج المشير من حجرته الخاصة مرتدياً جلباباً أبيض لم أكن أتصور أن أراه به يوماً ما.. فسبحان مغير الأحوال.. تبادلنا السلام والتحية قبل أن يجلس بجوارى ويضع عصاه ذات الرأس المنحنى على يمينه مهدهداً إياها وكأنها تحمل ما يحمله من معاناة الزمن فالرجل قد تخطى عمراً يناهز الخامسة والسبعين سنة.. قلت له: ما شاء الله عليك يا سيادة المشير أراك تتمتع بصحة جيدة وكأنك فى سن الأربعين!!.. قال: لا نريد أن نبدأ جلستنا بالفشر.. أيتها الفشارة!! .. «يلا حسن الختام» قلت: قد يكون هذا الشعور انتابك عقب قرار محمد مرسى بعزلك من منصبك!!.. قال: مرسى لم يعزانى من منصبى يا سطوطة هو فقط أحالنى للتقاعد!!.. قلت: فعلاً يا باشا إنها «تفرق» كثيراً.. قال: بلاش سخرية!! .. قلت: هل صحيح ما أشيع بأن سيادتك ستتولى رئاسة نادى الزمالك؟!!.. قال: أتريدينى بعد أن كنت أحكم مصر أنهى حياتى برئاسة ناد أيتها الفشارة؟!! قلت: لقد أشار المهندس ممدوح حمزة إلى أنه سوف يقاضى الرئيس مرسى لأنه منحك قلادة النيل!! قال: حمزة مهووس وكل يوم بتصريح .. فهذا الرجل سبق وطالب بأن لا يترك المجلس العسكرى السلطة كى لا يفوز الإخوان بالحكم!!.. قلت: لكنى أراك مكتئباً لأن مرسى أطاح بك أنت وزملاءك فى المجلس العسكرى!!.. قال: وهل تصدقى يا سطوطة أن مرسى يستطيع أن يطيح بالمجلس العسكري؟!!.. قلت: «شفت» بعينى «محدش» قالى!!.. قال: فيكى من يكتم السر؟!!.. قلت: فى بير طبعاً وأنت تعلم ذلك يا سيادة المشير!!.. ضاحكاً قال: أعلم ذلك أيتها الفشارة.. ما أردت أن أقوله لك إن خروجنا كان بناءً على طلبنا فنحن قد حصلنا على كل ما نريد السلطة والمال وكل شيء حتى قلادة النيل التى تحمينا من المحاسبة والمساءلة قد حصلنا عليها قبل الخروج الأمن يا سطوطة!!.. قلت: يعنى كده شكراً.. لا يستطيع أحد محاسبتكم على شيء!!.. قال: نحن لم نفعل أى شيء يمكن أن يحاسبنا أحد عليه فنحن عسكريون مناضلون شاركنا فى كل الحروب التى مرت على مصر.. قلت: أعلم ذلك وأعرف أنك تحارب منذ العدوان الثلاثى على مصر فأنت تبلغ من العمر أرذله!!.. قال: ألم تقولى منذ قليل أننى أبدوا فى الأربعينيات يا فشارة؟!!.. قلت: وكيف تصدقنى وأنت تعلم أننى فشارة؟!!.. قال: لكن كلام فى سرك ياسطوطة «الواد» مرسى ده طلع عفريت!!.. قلت: كيف هذا؟!!.. قال: لقد قام بتعييننا مستشارين له وبالتالى أصبح من الصعب أن نخرج من مصر إلا بإذنه كما ينص الدستور والقانون وهذه كانت مفاجئته الوحيدة لنا لأننا لم نتفق على ذلك!!.. قلت: يعنى لعبها صح!!.. قال: صح الصح ياسطوطة!!.. قلت: لكنك سلمت البلد للإخوان «تسليم أهالي» ياباشا!!.. قال: كنا على وشك أن نعلن فوز شفيق لكن ميدان التحرير وتجمعات الإخوان وباقى التيارات الإسلامية فى ميادين مصر كانت تعلن عن حرب أهلية بمجرد إعلان النتيجة لذا كان فوز مرسى هو القرار الصائب.. لكن هذا الكلام ليس للنشر يا سطوطة!!.. قلت: لا تخف ياباشا فكأنك تحدث نفسك!!.. قال: وما حدث بعد ذلك أن أمريكا نفسها قد اعطتنا ضوءاً أخضراً بنجاح مرسى لا نعرف لماذا بالتحديد وما هى الصفقة التى عقدها الإخوان معهم فاضطررنا للجلوس مع مرسى وسيادة المرشد وتوصلنا للاتفاق الذى يخرجنا آمنين نحن أيضاً وبنفس صلاحياتنا وقد كان!!.. قلت: لو كنت مكانك ياباشا آخذ العيال وأذهب إلى أى بلد أوروبى وأعيش حياتى وها هى الفلوس كما الأرز!!.. قال: هذا ما كنت أنويه أنا وعنان «بيه» لكن مرسى فعلها وجعلنا مستشارين له كى لا نقوى على الخروج من مصر إلا بقرار منه حسب نص القانون!!.. قلت: إذن فلتظل معنا هنا وها أنت تنير سماء المحروسة أما أنا فاسمح لى أن آتى لزيارتك كل «حين ومين»!!.. قال: أنا موافق بشرط أن يكون كل ما يدور بيننا من حوارات سرياً جداً «علشان ما توديناش فى داهية» ياسطوطة .. وهنا ربت على كتفه واستأذنته فى الانصراف وأنا أردد سرك فى بير ياباشا!!