في يوم من ذات الأيام الخيالية التي مرت على درب المهابيل ، رأيت أنا الفنان المغمور أبو يكح الجوسقي أن أكتب مسرحية عالمية ، وأن أقوم بإخراجها ليشاهدها أهل الدرب الكرام ، ومن باب الصدف السعيدة تم نقل المسرحية تليفزيونيا على الهواء مباشرة ، لتنافس جلسات مجلس الشعب وبرامج «التوك توك شوك» وهاهي المسرحية أمامكم فشاهدوها : المشهد الأول يفتح الستار على خشبة مسرح واسعة الأرجاء ،وفي الخلفية بيوت شعبية ، وأمامها يقف جمع غفير من الشعب وهو يهتف « الشعب يريد إسقاط النظام ، الشعب يريد إسقاط النظام » وفجأة تهجم بعض قوات الشرطة على جموع الشعب الثائر، ولكن الشعب يدخل معها في اشتباكات دامية ، ويقع من الشعب قتلى وجرحى ، يغلق الستار والدماء تملأ خشبة المسرح . المشهد الثاني يفتح الستار مرة أخرى على نفس المكان ونرى جموعا من الشعب في الخلف ما بين جريح يجلس على الأرض يئن ويتأوه وشهيد ملفوف بعلم مصر ، ونشاهد وسط المسرح مجموعة من الرجال يتحدثون بانفعال شديد . الريس حمدون : إنها الثورة ، لابد أن يسقط النظام ، أرأيتم الجماهير وهي تهتف خلفي ، أنا الذي علمتهم العزة والكرامة ، أنا كنت أتوضأ في الميضة كما كان عبد الناصر يتوضأ ، أنا سألغي اتفاقية كامب ديفيد وسألقي إسرائيل في البحر . الأخ فتحون : سيسقط النظام سيسقط وإنا إن شاء الله لمنتصرون ، النظام السابق إخوة بغوا علينا ، ولكن إرادة الله فوق كل إرادة. الأخ شطرون : كلنا فداء مصر ، أنا وكل رجالي مع تلك الثورة ، سنتجرد وسنبحث عن مصلحة مصر . يغمز الأخ شطرون بعينه لرجل ملتح يقف جانبه وهو يضغط بجانب شفته العليا على جانب شفته السفلى . يظهر شاب مجهول يبدو عليه الإجهاد يقترب من الثلاثي ويقول لهم : المجهول : ساعدوني كلكم وقفوا معي حتى تكتمل ثورتنا. شطرون : من أنت أيها الشاب ؟ المجهول : أنا ثورون بن الثوري . حمدون : أهلا بك يا ثورون ، أنت ابني وأنا معك بكل قوتي . حمدون : مرحبا بك أيها الأخ الفاضل ، لقد تذكرتك ، أظنك كنت تقف معي على سلم نقابة الأطباء يوم الخامس والعشرين من يناير . شطرون : آه طبعا أنا أعرفك يا ثورون ، أنت معي في التنظيم . ثورون بن الثوري : ماذا تقصد يا سيدي بأنني معك في التنظيم . شطرون : أقصد أنك تحب النظام . ثورون : ماذا تقول أيها السيد ، أنا أساسا قمت بثورة ضد النظام وهتفت : الشعب يريد إسقاط النظام !! . شطرون : لا لا أقصد هذا يا ثورون ، أقصد أنك تحب التنظيم . ثورون : أنا لا أفهمك ، أي تنظيم تقصد ؟ . شطرون : ها ها ها ، لا تشغل بالك .... ثم ينظر شطرون لرفقائه ويقول لهم : أرأيتم هو معي في التنظيم ولكننا نحب أن نحتفظ بهذا سرا لأننا آلينا على أنفسنا أن نتجرد لمصلحة الوطن . لا يلتفت أحد لكلامه ، إذ كانوا يتسامرون همسا فيما بينهم ... نشاهد رجلا عسكريا يقترب منهم ويسلم عليهم ويقبل وجناتهم . السيد عسكرون : أنا وقفت معكم في هذه الثورة الرائعة ، إن النظام كان فاسدا ونحن الذين حمينا الثورة . المجموع يرد على السيد عسكرون : نشكرك يا عسكرون جميلك على رأسنا من فوق . يقترب عسكرون من شطرون ، ويهمس في أذنه قائلا : أترى هذا الشاب ثورون بن الثوري ؟ هل تصدق أن له أجندة خارجية وأنه تدرب على الثورة في أنجولا وموزمبيق ، نحن نخشى من غلبة التيار العلماني الكافر على بلادنا المؤمنة . شطرون : أنا قلت ذلك لرفقائي الذين يقفون معي عندما رأيته ، ولكنهم لم يصدقوني . عسكرون : انتبه من رفقائك إنهم يريدون قتلك ، لقد وصلت لنا معلومات موثقة تفيد ذلك ، أنت تعلم أننا نعرف دبة النملة . شطرون : وما الحل ؟ عسكرون : دعك منهم وكن معنا في كل خطواتنا ، نحن نبحث عن مصلحة البلاد وأنتم أمل البلاد . شطرون : سنكون معك ولكن يجب محاكمة الحاكم المخلوع على جرائمه . عسكرون : اطمئن ، سيأخذ إعداما ، أؤكد لك يا سيد شطرون أن مصر لك وليس لأحد غيرك . ينصرف شطرون وهو يبتسم ابتسامة عريضة . المشهد الثالث يفتح الستار على قاعة البرلمان ، ونجد مجموعة من نواب الشعب الملتحين يجلسون في مقاعدهم البرلمانية : نائب أول : فضحونا ، ليس لنا صلاحيات حتى الآن . نائب آخر : سيبك انت ، لقد مارسنا هواياتنا في الخطابة ، الولد بليغ ابني مبسوط جدا وقال لي عندما شاهدني أخطب : إنك لشنقيط سميدع . النائب الأول : ها ها ها ، إنه مثل الولد حزلقون ابني ، أما أم العيال فقد قالت لي : لقد نقلت التليفزيون للمطبخ حتى أشاهدك وأنت تسلق القوانين . النائب الآخر : أرأيت المظاهرات المستمرة ؟! إنها قلة أدب بصراحة من الولد ثورون بن الثوري ، هذا ولد يتلقى تمويلا من أوغندا ونيكاراجوا . وفجأة تنتظم جلسة البرلمان وتبدأ كلمات الأعضاء تتوالى ، يمسك النائب الأول الميكروفون ويقول : الشرعية للبرلمان وليس للميدان ، لا يوجد في الداخلية طلقات خرطوش ، إن الذين يخرجون للميدان مجموعة من المرتزقة والبلطجية والأفاقين ، يغلق الستار والنواب يهتفون ضد الثوار . المشهد الرابع يفتح الستار على خشبة المسرح حيث نرى اللافتات الانتخابية معلقة على حوائط البيوت ، هذه لافتة مكتوب فيها « انتخبوا الريس حمدون حبيب عبد الناصر وحبيب الفلاحين » ولافتات أخرى مكتوب فيها « الدكتور فتحون هو الذي واجه السادات» وبجوارها لافتة أخرى مكتوب فيها « لا تصدقوه أنا حمدون الذي واجهت السادات قبل مواجهته هو بثلاث دقائق» وأخرى « فتحون مؤدب زيادة عن اللزوم ولكنه لن يتنازل لأحد» وبجوارها أخرى تقول « فتحون كان في أفغانستان وهو إرهابي من زمان وحمدون لن يتنازل له » وعلى يمين المسرح لافتات كثيرة مكتوب فيها «انتخبوا الاستبن الخاص بشطرون تجدونه في خدمتكم ، صلاحية أربع سنوات أو ستين ألف كيلو» ولافتة أخرى تقول « انتخاب الاستبن فريضة على كل مسلم ومسلمة» وأخرى « لا إله إلا الله الاستبن مؤيد من الله » وأخرى «انتخبوا الاستبن من أجل الشريعة ، أما فتحون فسيقدم لكم الشنيعة» . نرى أفواجا من الجماهير في حيرة لا تعرف من الذي يجب أن تختاره لكي يكون رئيسا للجمهورية ، وفي وسط المسرح يقف المجهول ثورون بن الثوري وهو يخطب في الناس : سأقاطع الانتخابات ، كلهم لا يبحثون إلا عن مصالحهم ، كلهم خانوني ، سأعود للميدان ، سأعود للميدان ، يغلق الستار على الشرطة وهي تقترب من الشاب ثورون . المشهد الخامس يفتح الستار على مشهد رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات يجلس على منصة تحيط بها الجماهير ويعلن النتيجة بسقوط حمدون وفتحون ، وإعادة بين الفلولي شفيقون ، واستبن شطرون ، ويغلق الستار والناس تصيح صيحات الموافقة والاعتراض في آن واحد . يفتح الستار على نفس المشهد السابق ، رئيس اللجنة الانتخابية يعلن فوز الفلولي شفيقون بمنصب رئيس الجمهورية ، يخرج شفيقون على الجماهير ليخطب فيهم فيقف قائلا : لمصلحة البلاد أعلن التخلي عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف السيد عسكرون إدارة شئون البلاد والله الموفق والمستعان . الشعب في حيرة من أمره ، تبدأ حالات شغب ، العراك يشتد بين الجماهير ، يخرج فتحون وحمدون وشطرون يهتفون : النظام يريد إسقاط الشعب ، النظام يريد إسقاط الشعب ، يأتي من الخلف الشاب ثورون بن الثوري ومعه زمرة من الشباب يهتفون : الشعب يريد إسقاط النخبة ، الشعب يريد إسقاط النخبة ، خيبتنا في نخبتنا خيبتنا في خيبتنا ، يظلم المكان وتظهر دائرة ضوء يظهر فيها المصري الأصيل أسمر اللون يقف وحيدا حائرا ، يقترب منه رجل ذو لحية بيضاء كثيفة ، نعرف أنه « التاريخ» يتحرك التاريخ للأمام وهو يمسك قلمه وصفحته ومحبرته للأمام وهو يقول : هذا هو الشعب الذي قال إنني سأثور على حاكمي ، ليس لأنني أرفضه ، ولكن لأنه أحاط نفسه بحاشية فاسدة ، وعندما أسقط الشعب حاكمه ، انتخب الحاشية الفاسدة !! . المصري الأصيل يقترب من التاريخ ثم ينظر للخلف ويقول : أتفووو عليهم كلهم . يغلق الستار لنكتشف أن صالة المسرح لا يجلس فيها أحد.