رغم تعودنا على قطع خطوط السكك الحديدية من كثرة حدوث ذلك على مدار عام مضى، إلا أن ما حدث للسكك الحديدية، يوم غلق باب الترشح لانتخابات الرئاسة لم يكن مسبوقا.. فقد احتل بضعة آلاف من المتظاهرين محطة مصر للسكك الحديدية فى رمسيس، ومنعوا انطلاق أى قطارات منها ومنع استقبال أى قطارات قادمة إليها.. وظل الموقف غامضا.. حتى بدأ هؤلاء المتظاهرون يرفعون الشعارات التى أعدوها لهذه المناسبة وبدأوا يهتفون بمطالبهم. فقد تبين أنهم كلهم من الصيادلة الذين جاءوا يحتجون على عدم ترشح صيدلى واحد للرئاسة، بينما ضمت قائمة المرشحين للرئاسة من يمارسون عددا كبيرا من المهن.. فمنهم الكاتب الروائى، مثلما منهم الموظف والعالم والباحث، ورجل المخابرات، وضابط الجيش السابق، وضابط الشرطة السابق، والوزير السابق، والسياسى والحزبى، وحتى المطرب، ورجل المطافئ، والميكانيكى!.. ولذلك شعر الصيادلة بالغيرة لأن أحدا منهم لم يمثلهم فى قائمة المرشحين للرئاسة التى تجاوزت الخمسين مرشحا، بمعدل مرشح لكل مليون ناخب!.. لذلك احتلوا محطة مصر لإجبار لجنة الانتخابات الرئاسية على إعادة فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة، حتى يتسنى لهم ترشيح أحد منهم في هذه الانتخابات، نظرا لأن الفترة التى فتح فيها باب الترشح، والتى امتدت لقرابة الشهر، كانت من وجهة نظرهم، قصيرة لكى يتوافق جميع الصيادلة على المرشح الذى يمثلهم فى هذه الانتخابات، بسبب شح التوافق فى مصر حاليا، الذى لا يقل عن شح اسطوانات البوتاجاز فى معظم أنحاء البلاد. .. ولأننا دأبنا على التعامل برقة بالغة مع كل من يقطع خطوط السكك الحديدية منذ أن حدث ذلك لأول مرة فى قنا رفضا لمحافظ قبطى، فقد أمر المسئولون عن محطة مصر بتزويد الصيادلة المعتصمين بالمشروبات المتنوعة الساخنة والباردة ، بينما أنخرط عدد من قادة الأمن والجيش فى التفاوض مع حشد الصيادلة الذين احتلوا محطة مصر لإقناعهم بأنهاء اعتصامهم حتى لا يعذبوا آلاف الركاب المسافرين من القاهرة إلي جميع أنحاء البلاد من الإسكندرية إلى أسوان أو القادمين إليها.. لكن بدا من الوهلة الأولى أن هذه المفاوضات ليست سهلة لإصرار الصيادلة على إعادة فتح باب الترشيح للرئاسة، وهو المطلب الذى كانت لجنة الانتخابات الرئاسية ترى صعوبة الاستجابة له، لأنه سوف يؤدى» إلى إرباك تنفيذ جدول الانتخابات الرئاسية، وتأخر هذه الانتخابات وبالتالى تأخر تسليم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة فى البلاد، مما قد يفتح الباب أمام اندلاع حملات تشكيك جديدة فى نوايا القوات المسلحة تسليم السلطة. فالصيادلة لم يقبلوا بما قاله لهم المفاوضون حول أنهم ليسوا وحدهم غير المممثلين فى قائمة مرشحى الرئاسة الكبيرة.. فهناك مهن عديدة خلت منها هذه القائمة مثل التجاريين والكيمائيين، والطيارين، والمضيفين والجويين، والسائقين، وعمال النظافة، والسباكين، وحتى العمال والفلاحين الذين كان لهم نصف مقاعد مجلس الشعب والشورى خلت منهم قائمة مرشحى الرئاسة.. وقال المعتصمون أنهم يرفضون مساواتهم بأحد غيرهم، لأنهم الأجدر من كل أصحاب المهن المختلفة لتولى منصب الرئاسة، لأن مصر الآن مريضة اقتصاديا وأمنيا وتحتاج للعلاج، وهم بحكم مهنتهم تعودوا على تقديم العلاج للمرضى.. أى أنهم هم رجال هذه المرحلة. وإزاء إصرار الصيادلة على موقفهم لم يكن أمام قيادات الجيش والأمن سوى التفاوض مع لجنة الانتخابات الرئاسية لإقناعها بتدبير أمرها وإعادة فتح باب الترشح لهذه الانتخابات، ولكن لم يهنأ بال رجال الجيش والشرطة سوى بضعة دقائق قليلة فقط.. فقد فوجئت إدارة المحطة بتجمع كل مرشحى الرئاسة ومع كل منهم أعضاء حملته الانتخابية يتجمعون فى المحطة ويحتلون الأرصفة التى أخلاها الصيادلة، ويعلنون بدء اعتصام شامل لهم، نظرا لأن إعادة فتح باب الترشيح نجم عنه اختصار فترة الدعاية الانتخابية لدرجة بات متعذرا على كل واحد منهم إنفاق العشرة ملايين جنيه المقررة للدعاية الانتخابية!