الدخول لسور الأزبكية يجب ألا يكون بالملابس الرسمية فقد تأخذك الأوراق القديمة إلى متاهات الماضى فيتصبب عرقك أو تنزلق قدماك فتتعثر بين الصفحات لا تقوى على النهوض إلا بعد أن ترهق عيناك الباحثة فى كنوز الماضى. هنا بين صفحات العدد 7201 الصادر 92 يناير عام5591 وقعت عينى على تقرير صغير تحت عنوان «الرئيس جمال عبدالناصر فى الصحف السورية» المقال يصف الثورة المصرية التى قادها عبدالناصر آنذاك ويقارنها بالثورة السورية حيث شهد هذا الوقت ربيعا عربيا أيضا كما نشهد نحن الآن.. ذكرتنى مقارنة الصحف السورية تلك بينما نقوم به نحن من مقارنات فى صحفنا بين ثورتنا الحالية وباقى ثورات الربيع العربى وخاصة الثورة التونسية. حيث كان التقرير كما يلى: نشرت مجلة الميادين السورية مقالا جاء فيه:«لقد جلسنا نحن الصحفيون السوريون إلى الرئيس جمال عبدالناصر وخرجنا بفكرة واضحة تختلف كل الأختلاف عما كنا نعتقد، أن ثورة مصر كانت ضرورة قومية وجاءت ملبية لرغبات المصريين، وقامت بمشروعات جبارة». ثم مضى الكاتب يقول : إن الأغلبية من المواطنين المصريين يرون أن اتجاه الثورة السياسى اتجاه سليم لا تشوبه شائبة، والأغلبية أيضا مؤمنة بسلامة أخلاق عبدالناصر وإخوانه من الناحيتين الشخصية والقومية ولم نسمع فى مصر قاطبة من يتهم جمال عبدالناصر فى أخلاقه الشخصية أو فى مبادئه الوطنية كما لم نسمع من انسان واحد أن جمال قد استغل نفوذه لمنفعة شخصية، أو لبسط نفوذ يرجى من ورائه خير لقريب أو صديق. وقارن الكاتب بين الانقلابين السورى والمصرى حيث قال:«إن ثورة مصر تختلف عن انقلاب سوريا، فعبد الناصر وإخوانه يمتازون بمتانة الخلق الشخصى والوطنى كما أن الثورة فى مصر لها كثير من الحسنات التى قدمتها وتقدمها إلى المصريين فى كل يوم، وليس هذا بكثير على رجل عظيم كجمال عبدالناصر الذى هدم قلاع فاروق الباغى المستبد، وقوض صرح الاستعمار الانجليزى منذ نيف وسبعين سنة، وقدم للشعب العربى المصرى ما لم يقدمه إليه إنسان من قبل أو بعد». .. انتهى التقرير إلا أننى أرى أن ما قدمه جمال بالفعل لم يقدم من قبل لكنه قدم من بعد على أيدى شباب 52يناير إلا أن عدم وجود عبدالناصر بيننا جعل ثورتنا تتوه فهل من رجعية؟!! لعل التاريخ يحمل لنا إجابة شافية يوما «ما يجدها أجيالنا القادمة هنا فى سور الأزبكية»!!