ذاكرته عصية على كل عوامل النسيان ..عقليته مصباح للمحبة والتسامح مع الآخر .. المعاملة الحسنة دستور حاكم لصداقته بمسيحيين ظن جيرانه أنهم أشقاؤه من فرط حبه لهم وخاصة القمص بطرس .. إنه الشيخ معوض عوض إبراهيم اكبر المعمرين من خريجي الأزهر الشريف برصيد قرن كامل من الزمن .. فتح قلبه ل "فيتو" كاشفا عن أسرار تؤكد أن مصر بالفعل "عريقة ": عن أهم محطات حياته قال : ولدت عام 1912 بقرية كفر الترعة بمركز شربين الدقهلية "حاليا" الغربية "سابقا" وحفظت القرآن فى كتاب القرية وتخرجت في كلية أصول الدين عام 1939 وعملت مدرسا فى كلية الشريعة بالرياض عام 73 وباحثا علميا فى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء لعام 1976 وعملت مدرسا فى كليتي أصول الدين والحديث فى الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة . همه الأكبر وشغله الشاغل هو أن يرى العلاقة بين المسلمين والأقباط الآن مثلما كانت عليه فى زمن التسامح الجميل حيث يقول : الصداقة كانت وطيدة بين المسلمين والأقباط فالأقباط كانوا أخوة لنا فى الوطن وكان التعامل تسامحى وعلى أساس القرآن الكريم الذى قال " لكم دينكم ولى دين " فالمعاملة الحسنة المتبادلة والموجودة فى دين كل منا كانت هى نبراس العلاقة . ضاربا مثالا على التسامح العام قال الشيخ معوض : فى قريتى كان يعيش مسيحى فى أحضان المسلمين بها وكان يعمل بمزلقان السكة الحديد ويشعر بأنه واحد من أبنائها المسلمين لأن القرية كانت تحيطه بالرعاية والاهتمام . حكاية محفورة بذاكرته تؤكد نفس المعنى التسامحى لخصها بقوله : تم تعيينى واعظا فى أسوان وكانت هذه الوظيفة وذات يوم حدث خلاف بين تجار الأقمشة الذين كانت المديرية توزع الأقمشة عليهم وكانوا من المسلمين والأقباط وعلم عبد الله الباز شعيب مدير مديرية الأوقاف بأسوان بالمشكلة فقرر تشكيل لجنة من المسلمين والمسيحيين شملتني أنا وأحد القساوسة وكان المسيحيون وقتها مسرورين بوجودي فيها لإدراكهم باني أتعامل من منطلق الإنسانية لا بمنطق التفرقة على أساس الدين . مكملا حكايته قال : التجار المسيحيون تمسكوا بى ورفضوا وجود القسيس وعقدت جلسة الصلح فى فندق كتراكت وخلالها قلت لهم لابد من حضور القسيس فحضر إلى اللجنة وقال : "لن أتكلم طالما الشيخ معوض موجود" وفى هذا دليل على الترابط القوي بين المسلمين والمسيحيين وعلى المودة التى تربط بين شطرى الأمة فى وطن واحد قائم على الشراكة ولم ينته إلا بالصلح والتراضي بين الطرفين . عن ذكرياته فى مدينة كوم امبو وما فيها من دلالات على التسامح يحكى الشيخ معوض : أثناء عملى فى كوم امبو كان لى صديق مسيحى وكنت اعتز به جدا وكان يعرف اننى احتاج للجبن والبيض والسمن للطعام فى غربتى وكان يشتريه لى باستمرار ويرفض بشدة اخذ ثمنه ولكننى كنت اصر على دفعه لأنه حقه ولأن دفع الحقوق فضيلة وفرض ملزم وهذا كله يدل على أن المسلمين والأقباط فى مصر كانوا على قلب رجل واحد . مشهد آخر للتسامح تذكره قائلا : أثناء اقامتى فى الفيوم بدءا من عام 1945 ولمدة ثلاث سنوات كنت اتردد على مسجد العسيلى بشارع بحر يوسف وأشاهد شريكين احدهما مسلم والآخر مسيحي يجلسان معا فى محبة تجعل الكثيرين يقبلون على بضاعتهما بشكل كبير وعندما انتقلت للعمل كواعظ ببور سعيد عام 1948 كان أكثر مشهد يرضى جماهيرها هو رؤيتهم لى فى المناسبات والجنازات بصحبة القمص بطرس عوض وكانت تربطنى به علاقة صداقة ومحبة لدرجة أن بعض الناس كانوا يعلقون على صداقتى له بأنه قريب لى وشقيقي. قمة التسامح مع الأقباط عبر عنها الشيخ معوض عندما سألناه عن رأيه فى وجود قبطى فى مجمع البحوث الإسلامية حيث قال : لا مانع ما دام يحتفى بالإسلام وليس متحيزا وقادرا على العطاء فى هذا المركز فكل إنسان يؤخذ منه ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم .