صدمة وذهول.. فزع ورعب.. قلق وترقب.. هذه المشاعر جميعها لازالت تسيطر على الأهالى فى محافظة الشرقية، بعد الحادث البشع الذى شهدته مدينة مشتول السوق.. ففى حوالى الساعة الثانية من بعد ظهر أحد الأيام الماضية قتل شخصان جزارا أمام محله، وفى لمح البصر تجمع أهالى المنطقة وأقارب القتيل ومزقوا جسد القاتلين والسائق الذى كان يرافقهما، ولم يكتفوا بذلك بل قطعوا الجثث وأشعلوا النار فيها.. محقق «فيتو» انتقل إلى مشتول السوق وهناك اكتشف تفاصيل ومعلومات أغرب من الخيال، كما حصل على فيديو يظهر عملية قتل أحد المتهمين والتنكيل بجثته. فى ميكروباص مدينة مشتول السوق.. لاحظ المحقق نظرات القلق والريبة فى عيون الجميع.. استوقف احد المارة وسأله عن الواقعة.. نظر إليه الرجل مشدوها ثم ضرب كفا بكف وانصرف.. استغرب المحقق من هذا الموقف وأيقن أن هناك تفاصيل مثيرة فى الحادث.. واصل تجوله فى شوارع المدينة الى ان وصل الى المنطقة التى شهدت مقتل الجزار حمدى يحيى، وهناك التقى بشاهد عيان رصد تفاصيل الحادث منذ البداية وحتى النهاية. سأله المحقق عن معلوماته فقال: تصادف وجودى بالقرب من محل الجزارة المملوك للقتيل حمدى يحيى وقت الجريمة، وبدأت الأحداث بحضور شخصين يستقلان سيارة ميكروباص مع سائقها.. نزلا من السيارة وتحدثا معه فى أمور لم استوضحها.. احتد النقاش بينهم فقام الجزار بصفع أحدهما على وجهه.. أخرج الأخير فرد خرطوش من بين طيات ملابسه وأطلق رصاصة اصابت الجزار فى رقبته، وفر هاربا باتجاه محطة السكة الحديد، بينما فر زميله باتجاه قرية «العجمى».. تجمع أهالى المنطقة وحملوا الجزار وانطلقوا به إلى مستشفى الزقازيق فى محاولة لإسعافه، لكنه مات فى الطريق.. وفى ذات الوقت أمسك البعض بالسائق وراحوا يضربونه بعنف وهو يصرخ قائلا: «أنا مليش دعوة بيهم» ولكنهم لم يستمعوا له وقتلوه بطريقة بشعة.. قاطعه المحقق متساءلا: وماذا عن القاتل وصديقه؟.. أجاب: « انطلق الأهالى خلفهما حتى أمسكوا بهما وأوثقوهما بالحبال، وفى مشهد دموى مثير انهال أبناء القتيل عليهما ضربا بالسكاكين والسواطير حتى مزقوا جسديهما، ثم راحوا يدهسون الجثتين بالموتوسيكلات والتكاتك، وبعد ذلك حملوهما مع جثة السائق وانطلقوا بهم إلى مزرعة مواشٍ مملوكة للجزار فى منطقة زراعية بعيدة عن المدينة وهناك قطعوا الجثث وأشعلوا فيها النار، ودفنوا الأشلاء ولم يسلموها للشرطة أو الأجهزة المختصة، وعندما حاولت قوات الأمن دخول المنطقة قاموا بغلق الطرق حتى تدخلت قوات الجيش وفتحتها مرة أخرى. سجن المزرعة عاد المحقق يسأل شاهد العيان عن السبب الحقيقى الذى دفع الشابين الغريبين لقتل الجزار وسط اهله فقال: حمدى يحيى كان رجلا معروفا فى مشتول السوق كاملة، وكان يلعب دور الوسيط فى إعادة السيارات المسروقة لأصحابها، والأطفال المختطفين لأسرهم مقابل عمولة يتحصل عليها.. والسيارة الميكروباص التى جاء بها الشابان كانت مسروقة، وقد أحضراها إليه ليعيدها لأصحابها مقابل حصولهما على 25 ألف جنيه، ولكنه عرض عليهما 15 ألفا فقط فحدثت بينهما مشادة كلامية وتطورت الأحداث بسرعة شديدة وانتهت بمقتلهم جميعا».. صمت الشاهد قليلا واستطرد: «القتيل حمدى يحيى كان متزوجا من سيدتين وانجب منهما 16ولدا معظمهم متزوج من سيدتين أيضا بهدف تكوين عزوة كبيرة، كما يمتلك مزرعة مواشٍ ضخمة فى منطقة نائية». الشاهد أضاف أن الأهالى يرددون أقاويل كثيرة عن تلك المزرعة منها أنها تضم عددا كبيرا من البلطجية والهاربين من السجون، يتخذون منها وكرا لهم..يختفون بداخلها فى النهار ويخرجون منها ليلا ليقطعوا الطريق على الناس ويستولوا على أموالهم، ويعطوا ما يسرقون لحمدى ويتولى هو توزيع الغنيمة عليهم بعد الحصول على نصيبه، وفى أحيان كثيرة كانوا يسرقون المواشى ويخفونها فى المزرعة ثم يعيدونها لأصحابها مقابل عمولة. أيضا يردد البعض أن الجزار كان يقتاد هو وأعوانه أى شخص يختلف معه الى هذه المزرعة، ويحتجزه فيها لأيام طويلة يتعرض خلالها لأبشع أنواع التعذيب، وقيل إن أشخاصا كثيرين قتلوا ودفنوا فيها أو بالقرب منها دون أن يشعر بهم أحد، لذلك أطلق الناس عليها اسم «سجن المزرعة». واصل المحقق تجوله فى مدينة مشتول السوق والتقى بعدد من الاهالى, البعض أكد أن ما حدث من تمثيل بالجثث وإحراقها جريمة غير مقبولة، والبعض الآخر قال إن البلطجية والقتلة يستحقون أكثر من ذلك.. أحد الأهالى تحدث للمحقق موضحا: القتيل حمدى يحيى كان مثالا للرجل الشهم.. يساعد الجميع ويقف بجوار الضعيف ويأخذ له حقه من القوى المفترى، وليس صحيحا أنه كان يأوى البطجية والهاربين، بل على العكس كان يقف لهم بالمرصاد ويمنعهم من دخول المنطقة وأن مشتول السوق فقدت بموته رجلاً شهماً محباً للخير.. من قتله يستحق ما جرى له وأكثر. مجزرة بالفيديو أثناء تجول محقق «فيتو» فى مدينة مشتول السوق بالشرقية بحثا عن تفاصيل أو معلومات جديدة فى هذا الحادث المثير، فوجئ بأحد الأشخاص يستوقفه وينتحى به جانبا ويقول: أنا شاهد عيان على وقائع قتل وسحل أحد المتهمين بقتل الجزار حمدى يحيى.. قال المحقق: ماذا رأيت؟.. أجاب: «فور ان أمسك أقارب ومعارف القتيل بالمتهم انهالوا عليه ضربا بالسواطير والسكاكين ثم حملوه فى توك توك، وانطلقوا به الى منطقة بعيدة وسحلوا الجثة على الأرض.. بعضهم كان يرفعها ويلقيها بعنف وهو يسبه ويلعنه بأبشع الألفاظ، وطالب آخر بإلقائه فى الترعة وسط اعتراضات الآخرين، وفى النهاية عادوا بالجثة الى المدينة وانطلقوا بها مع الجثة الأخرى الى الزراعات حيث قطعوهما وأشعلوا النار فيهما.. صمت الشاهد قليلا وأضاف موجها حديثه للمحقق: « لدى تصوير بالفيديو لهذه الأحداث «.. حصل المحقق على الفيديو، وفيه يظهر مجموعة من الأشخاص يلتفون حول شخص يرتدى «جلباباً أبيض» ملطخا بالدماء، ويظهر عدد كبير من الموتوسيكلات والتكاتك، وبين الحين والآخر يقترب أحدهم من القتيل ويضربه على وجهه، ويأتي آخر ليرفعه ويلقيه على الأرض. عاد المحقق من مشتول السوق وقد امتلأت نفسه هما وغما من هول ما سمع ورأى، وفى ذهنه دار سؤال مهم: « إلى متى سيستمر هذه الانفلات الأمني.. وإلى متى سيضطر المصريون للدفاع عن أنفسهم وارتكاب هذه الجرائم البشعة؟»