وزير التعليم يصل محافظة أسيوط لمتابعة الاستعدادات للعام الدراسي الجديد    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد سير أعمال تعديل الحركة المرورية بميدان الزراعيين    دبلوماسي سابق: المجتمع الدولي يدرك أهمية حل القضية الفلسطينية    "صنع في إنجلترا".. شكل درع الدوري المصري الجديد قبل تسلميه للأهلي "صور"    موعد مباراة أوجسبورج وماينز في الدوري الالماني والقنوات الناقلة    طعن كلٌ منهما الآخر.. طلب التحريات في مصرع شابين في مشاجرة ببولاق الدكرور    العرض الأول لفيلم "لعل الله يراني" للفنانة سهر الصايغ بالدورة ال40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    حزب الله يعلن قصف مقر الدفاع الجوي والصاروخي لجيش الاحتلال في ثكنة كيلع بصليات    خالد عبدالغفار: التشخيص الدقيق والمبكر هو الخطوة الأولى نحو الرعاية الصحية المتكاملة.. صور    صفارات الإنذار تدوي في نحو 20 مستوطنة وبلدة شمال إسرائيل والجولان    الزراعة: جمع وتدوير مليون طن قش أرز بالدقهلية    دون إصابات.. السيطرة على حريق بجوار إدارة تعليمية في قنا    وفاة مدير التصوير والإضاءة فاروق عبد الباقي.. موعد تشييع الجنازة    الأرصاد الجوية تحذر من نشاط رياح مثيرة للرمال والأتربة على المحافظات    تصل للحبس، محامٍ يكشف العقوبة المتوقع تطبيقها على الشيخ التيجاني    وزير التعليم العالي يهنئ العلماء المدرجين بقائمة ستانفورد لأعلى 2% الأكثر استشهادا    وزير المالية: نستعرض أولويات السياسة المالية لمصر فى لندن    خطبة الجمعة بمسجد السيدة حورية فى مدينة بنى سويف.. فيديو    تأملات في التسهيلات الضريبية قبل الحوار المجتمعي    "واشنطن بوست": اشتعال الموقف بين حزب الله وإسرائيل يعرقل جهود واشنطن لمنع نشوب حرب شاملة    مطالب بتسليم المكاتب السياحية لتعزيز الحركة الوافدة في الأقصر قبل ذروة الموسم الشتوي    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    تشغيل تجريبى لمبنى الرعايات الجديد بحميات بنها بعد تطويره ب20 مليون جنيه    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    أول بيان من «الداخلية» بشأن اتهام شيخ صوفي شهير بالتحرش    ليكيب: أرنولد قدم عرضًا لشراء نادي نانت (مصطفى محمد)    انقطاع المياه غدا عن 11 منطقة بمحافظة القاهرة.. تعرف عليها    وثائق: روسيا توقعت هجوم كورسك وتعاني انهيار معنويات قواتها    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    فعاليات ثقافية متنوعة ضمن مبادرة «بداية جديدة لبناء الانسان» بشمال سيناء    انطلاق قافلة دعوية إلي مساجد الشيخ زويد ورفح    «الإفتاء» تحذر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم بالموسيقى: حرام شرعًا    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024 في المنيا    ضبط 4 متهمين بالاعتداء على شخص وسرقة شقته بالجيزة.. وإعادة المسروقات    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    محافظ القليوبية يتفقد تشغيل مبني الرعايات الجديد ب«حميات بنها»    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    خبيرة تغذية: الضغط العصبي والقلق من الأسباب الرئيسية لظهور الدهون بالبطن    وزير الإسكان: طرح 1645 وحدة متنوعة للحجز الفوري في 8 مدن جديدة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام ضمك.. توني يقود الهجوم    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    بلغاريا تنفي بيع إحدى شركاتها لأجهزة بيجر المستخدمة في انفجارات لبنان    «ناس قليلة الذوق».. حلمي طولان يفتح النار على مجلس الإسماعيلي    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    دعاء يوم الجمعة للرزق وتيسير الأمور.. اغتنم ساعة الاستجابة    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    جرس الحصة ضرب.. استعدادات أمنية لتأمين المدارس    شهداء ومصابون إثر استهداف سيارة بشارع البنات في بيت حانون شمال قطاع غزة    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    القوات المسلحة تُنظم جنازة عسكرية لأحد شهداء 1967 بعد العثور على رفاته (صور)    حرب غزة.. الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط شمال القدس    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ملف مصراوي.. جائزة جديدة لصلاح.. عودة فتوح.. تطورات حالة المولد    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثروت الخرباوى يكتب: «مانفيستو» فى ظلال القرآن لسيد قطب
نشر في فيتو يوم 25 - 10 - 2014

حينما كتب سيد قطب في بداياته كتابه الأول «مهمة الشاعر في الحياة» قال النقاد والأدباء عنه: هذا شاعر يسير في طريق الشعر ولن يحيد عنه إلى غيره، وحينما كتب كتابه الذي يقص فيه سيرته الذاتية «طفل من القرية» قائلا: (هذه حياتى حينما كنت طفلا في القرية لم أتكلف في كتابتها فقد نقلتها من ذاكرتى إلى القراطيس) ظن من قرأ ذكرياته أن خصومة اشتد أوارها بين سيد قطب والتعليم الديني! ذلك أنه وإن كان قد حفظ القرآن في كُتَّابِ قريته «موشا» إلا أنه صب غضبه على التعليم الدينى وأظهر حفاوته بالتعليم المدني.
والدارس للعلاقة بين السكان والجغرافيا يعرف أن المكان حتما يؤثر في طبيعة شخصية السكان، لذلك لم يكن من المستغرب أن تؤثر قرية «موشا» وطبيعتها المتفردة في تكوين شخصية سيد قطب، تلك الشخصية التي أخرجت لنا تفسير «في ظلال القرآن»، أما عن قرية موشا التي ولد فيها قطب فهى إحدى قرى محافظة أسيوط، وتقع هذه القرية من الناحية الجغرافيّة في منطقة مرتفعة على ضفاف نهر النيل ويحيط بها جبلان، وفى الجانب الآخر تقع أراضى القرية الزراعيّة،فقد أدَّت وفرة المياه بسبب قرب الأراضى من نهر النيل، إلى وفرة البساتين والحقول.
نشأ سيد قطب إذن بين جبلين، وفى منطقة خضراء قريبة من نهر النيل، فكان للطبيعة المتفردة أثر كبير في تكوين نفسيته الشاعرة، إلا أنها كانت سببا أيضا في صفة أخرى ظلت كأمنة في نفسه، كانت تخرج إلى الوجود حينا في مواقف، وتظهر مرات ومرات في صورة أفكار، هذه الصفة هي الخشونة والحدة التي استمدت شريان حياتها من الجبلين، وانطبعت في نفسيته من الفقر والعوز الذي كان يحيط بالقرية ويحتوى أهلها بين أجنحته.
من هذه الطبيعة ظهرت موهبة قطب الشعرية، وبزغت فطرته النقدية، فكان أن بدأ وهو بعد صغير في كتابة الشعر وإرساله إلى المجلات والدوريات الأدبية، واستمرت مسيرته الأدبية وبزغ نجمه كناقد أدبى دلف في أول أمره إلى مدرسة أبولو الشعرية ثم غادرها وصب نقده عليها صبا، ثم دخل إلى أحضان مدرسة عباس العقاد الأدبية والتي أطلق عليها «مدرسة الديوان» ودافع عنها وعن العقاد الذي اعتبره الأب الأدبى والفكرى له، وظل قطب يسير في ركاب العقاد زمنا طويلا رافعا لواءه مهاجما لخصومه، تتلمذ عليه في الشعر، وتلقى عنه في النقد والفلسفة وتاريخ الأمم، إلى أن تمرد عليه وخرج من جلباب أبيه ليرسم لنفسه طريقا آخرا،طريقا لم تدل بدايته الشعرية عليه !.
وإذ أراد قطب أن يرسم لنفسه شخصية مغايرة للعقاد لا ترتبط به بل وتبزه في بعض الأحايين حينها كتب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» و»التصوير الفنى في القرآن» و»مشاهد القيامة في القرآن» وظهر من خلال هذه الكتب أن كاتبا إسلاميا بدأ يخط لنفسه طريقا في ساحة الفكر الإسلامي، كاتبا بدأ في تغيير مساره الفكري، من ناقد أدبى ليبرالى المزاج والتوجه لا يمانع وفقا لمقالاته من إنشاء شواطئ للعراة بحسب أن الإنسان في رأيه فُطر على العري،إلى كاتب إسلامى لم يأخذ العلوم الإسلامية من معاهدها وجامعاتها ولكنه تلقاها من خلال قراءاته الخاصة.
كان الاستقبال الجيد الذي قوبلت به كتابات قطب الإسلامية في الوسط الثقافى في مصر عاملا مؤثرا في انكفاء قطب على هذه الكتابات وساعده في ذلك أن مجموعة من شباب الكُتّاب كانت قد بدأت وقتها تعبر عن نفسها، مثل الكاتب الراحل خالد محمد خالد، إلا أن قطب تميز عن هؤلاء بسبب تمكنه اللغوى وشاعريته، خاصة وأن حرفة الشعر تركت أثرا كبيرا في طريقة تناوله لأفكاره، حيث وقف كثيرا أمام الصور والمشاهد والأخيلة وكان أول من تحدث عن «موسيقى النص» في القرآن الكريم.
كانت إحدى أمنيات سيد قطب حينما بدأ يكتب في الإسلاميات أن يفسر القرآن الكريم وأن يعرضه على أساس نظريته الأدبية «التصوير الفني» وتحقق لقطب ما أراد، ففى بدايات الخمسينيات من القرن الماضى طلبت مجلة «المسلمون» من سيد قطب أن يشترك في المجلة بمقال شهري.
وإذ وجد قطب أن المقالة شهرية، حينها رأى أن الفرصة أصبحت سانحة له ليكتب في تفسير سور القرآن الكريم،وقد اختار سيد قطب عنوان «في ظلال القرآن» ونشر الحلقة الأولى في عدد فبراير من عام 1952م، ثم نشر عقب ذلك سبع حلقات متتاليات بحسب تسلسل المصحف وصل فيها لقوله تعالى: (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون ) «البقرة: 103».
بدا بعد ذلك للكاتب الإسلامى الجديد سيد قطب أن يكتب تفسير القرآن في كتاب، وليس في مقالات، فقد شجعته التجربة، وشحنت نفسيته شحنا، فكان من المحال أن يتراجع وهو الصلب العنيد،من المحال أن يتراجع حتى ولو لم يكن مؤهلا لهذا العمل الجليل من الناحية العلمية، فقطب لم تكن له مناهله الإسلامية،ولم يتلق العلوم الإسلامية في المعاهد العلمية أو على يد كبار العلماء، بل كان مخاصما للعلم الدينى وغير راغب فيه بسبب ما لقيه في كتاب القرية، وهو الأمر الذي جعله يهدى مذكراته الشخصية لطه حسين.
كان هذا هو حال سيد قطب مع العلم الديني، إلا أنه بالرغم من ذلك كان قارئا لا يشق له غبار، عرفته المكتبات،وأخذ علمه كله قراءة من الكتب، ولذلك اكتفى بقراءاته الخاصة وجعل من هذه القراءات خاصة ما قرأه للكاتب الهندى المودودي، عمادا لتفسيره للقرآن الكريم! فظهر الجزء الأول من تفسير «في ظلال القرآن» في أكتوبر من عام 1952م ثم أصدر على مدى عامين بعد ذلك ستة عشر جزءًا من الظلال حتى نهاية سورة طه.
وفى غضون عام 1954 تم اعتقال سيد قطب بسبب صلته التي كانت قد توثقت مع جماعة الإخوان، والغريب أنه رغم أن لوائح السجون كانت تمنع السجين من الكتابة ولا تسمح له بامتلاك أدواتها، إلا أن حكومة الثورة كانت قد أعطت حرية واسعة داخل المعتقل لسيد قطب! فسمحت له باستكمال كتابة تفسير الظلال، وقامت بإمداده بالكتب والمراجع! والأغرب من ذلك أن الرئيس جمال عبد الناصر أصدر قرارا بتعيين الشيخ محمد الغزالى وكان من كبار موظفى وزارة الأوقاف آنذاك لتيسير أحوال سيد قطب فيما يتعلق بالكتابة داخل السجن وإمداده بما يشاء من الكتب، ومراجعة أصول ما يكتبه مع الناشر قبل أن تأخذ طريقها للنشر!.
وكان أن أكمل سيد قطب الطبعة الأولى من تفسيره «في ظلال القرآن» في نهاية الخمسينيات، ونظرا لأن تفسير الظلال تعرض في طبعته الأولى لعدد ضخم من المآخذ والاعتراضات الفقهية من علماء الأزهر فما كان من قطب إلا أن قام في بداية الستينيات بإصدار طبعة منقحة صوَّب فيها وأضاف إليها ووضع أفكارا جديدة استمدها من تجربته في السجن، ولذلك جاءت الطبعة المنقحة بمنهج يختلف قليلًا عن الأولى حيث ركز قطب في طبعته الجديدة على المعانى والتوجيهات الحركية والدعوية والجهادية في القرآن.
وضع قطب في طبعته المنقحة تصورات جهادية فاصل فيها بين مجتمع الإيمان ومجتمعات الجاهلية، وكان حجم الجزء من الطبعة المنقحة ضعف حجم الجزء من الطبعة الأولى، ومن صفحات الظلال خرج للمطبعة كتاب مثير كان له أكبر الأثر في تكوين جماعات العنف فيما بعد ألا وهو كتاب «معالم في الطريق».
وفى الخمس السنوات الأخيرة ما بين 1961م وحتى 1965م أكمل تفسير ثلاثة عشر جزءًا من القرآن وأصدرها في ثلاثة عشر جزءًا من الظلال، وتوقف عند بداية تفسير سورة «الحجر» وكان ينوى متابعة التفسير في الأجزاء الباقية وفقا لأفكاره المستجدة، إلا أنه اعتقل في صيف 1965م ثم أعدم في صيف 1966م وبذلك توقف إكمال الظلال في الطبعة الجديدة المنقحة.
هل كانت النهاية المأساوية لسيد قطب هي السبب في الشهرة التي نالها تفسيره «في ظلال القرآن» أجاب عن هذا السؤال جمهرة من العلماء الثقاة الكبار، أعطوا للرجل حجمه الحقيقى المتواضع، ولكن أغلب الظن أن إعدام سيد قطب كان من أهم أسباب التعاطف معه ومع تفسيره، إلا أن تعاطف الجماهير معه لم تعطه حصانة، فقد انتقد الظلال كثيرٌ من العلماء، حيث رفضوا اعتبارها تفسيرا معتبرا يعود المسلم إليه ليفهم ويعرف ويتعرف.
كانت شخصية قطب ونفسيته هي العنصر المؤثر في تفسيره، شخصية الفنان والشاعر، ذلك الفنان الذي تعتبر ذاتيته وإحساسه بتفرده هي الدفقة التي تدفعه للإبداع، نلحظ ذلك من مقدمته التي كتبها لتفسيره حين قال في مقطع منها «وعشت في ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة، أنظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال، وتصورات الأطفال، واهتمامات الأطفال، كما ينظر الكبير إلى عبث الأطفال، ومحاولات الأطفال، وأعجب.. ما بال هذه الناس؟! ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة، ولا يسمعون النداء العلوى الجليل ؟».
سيد قطب في مقدمته ينظر إلى الكون من مكان مرتفع، كل الناس أسفله،كلهم أهل جاهلية، تصوراتهم واهتماماتهم ومحاولاتهم هي محاولات وتصورات واهتمامات الأطفال،تبدو ذاتية قطب هنا واضحة تماما، وإحساسه بامتلاكه الحقيقة المطلقة هو الأمر الذي استحوذ على كيانه، ليست مفاصلة هنا تلك التي يضعها بين الكفر والإيمان، ولكنه يجعل الدائرة أكثر اتساعا لتكون بين أهل الجاهلية وأهل الإيمان،أهل الجاهلية من المسلمين وغيرهم،وأهل الإيمان الذين استقاموا على فهم سيد قطب الذي وضعه في الظلال.
أما من امتدحوا سيد قطب وظلاله فقالوا إنه اتبع أسلوبا فريدا في التفسير لم يسبقه إليه أحد، إذ أنه اهتدى إلى أن القرآن يرتبط كله بوحدة عضوية،تماما كما ترتبط أبيات قصيدة الشعر بوحدة موضوعية، فالسورة القرآنية هي نسق كلى ومتكامل تتكون من:
مقاطع وعناصر وأفكار ثانوية أو لقطات ومشاهد تخدم النص ككل، وهى تشكل وحدة تصورية، أو فكرة شمولية، أو مشهدا متكاملا حسب طبيعة النص القرآني، ووفقا لهذا التصور النسقي، نجد سيد قطب يفسر السورة القرآنية الكريمة تفسيرا يظهر منه تناسق وانسجام عناصرها ومكوناتها.
وضع قطب مقدمة عامة لتفسيره شغلت نحو ثمانى صفحات، تبدأ من الصفحة 11 إلى الصفحة 18، وبعدها بدأ في تفسير سورة الفاتحة، وذلك دون أن يقدم للجزء الذي يعنى بتفسيره، مما يجعل القارئ يعيش مع المقدمة وتفسير سورة الفاتحة على أنهما المدخل الرئيسى أو المذكرة الشارحة لمنهجه في تفسيره «في ظلال القرآن»، ولأنه يؤمن كما قلنا آنفا أن القرآن يرتبط كله برباط واحد لذلك فإنه كان يقدم للجزء الذي يعنى بتفسيره بمقدمة يستعرض فيها طبيعته وخصائصه، كما يحاول فيها أن يربط بينه وبين الجزء الذي سبقه، ومن ثم فإن مقدمة السورة في الظلال تعتبر تعريفا بها وبأهم خصائصها، وغالبا ما يختم سيد قطب تفسيره بخاتمة قصيرة تتميز بلغة أدبية شفيفة حالمة يربط فيها بين أولها وآخرها، ويوضح فيها تناسق وتناغم الخاتمة مع الموضوع الأساسى للسورة،إلا أن نفسية الشاعر تظهر واضحة جلية عندما يتحدث قطب في تفسيره عن الصور والمشاهد والتراكيب الحركية، ومن أجل ذلك استخدم ألفاظا للتعبير عن أفكاره لم تكن مطروقة أو مستخدمة في التفاسير من قبل مثل المقطع - القطاع - الدرس – المشهد الموسيقى المارش العسكري الموجة - الموجات - اللمسة – الجولة الدفقة الشعور المشاعر الصورة الحنان السكون الغامر.
أما التراكيب اللغوية فقد ظهر في تفسيره اهتمامه بنسق لغوى أو بالأحرى قاموس خاص لا يخرج إلا من قريحة الأدباء، وقد لفت نظرى مذ قرأت الظلال بعض العبارات التي لم أجد لها مثيلا في تفسير آخر مثل مقدمته عن سورة الضحى التي قال فيها «هذه السورة بموضوعها وتعبيرها ومشاهدها وظلالها وإيقاعها لمسة من حنان، ونسمة من رحمة، وطائف من ود، ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع» إلى أن قال «فلما أراد إطارًا لهذا الحنان اللطيف، ولهذه الرحمة الوديعة، ولهذا الرضا الشامل، ولهذا الشجى الشفيف، جعل الإطار من الضحى الرائق، ومن الليل الساجي، أصفى آنين من آونة الليل والنهار، وأشف آنين تسرى فيهما التأملات وتتصل الروح بالوجود وخالق الوجود» ولو استرسلت في شرح أدبيات قطب في الظلال لما وسعت تلك الصفحات أو اتسعت ولعلنى أضعها في كتاب قريب إن شاء الله.
ولكن لأن سيد قطب لم يتلق العلم من مصادره كما أفصحنا، ولم يدخل في مناقشات وحوارات مع علماء ينتمون لمذاهب مختلفة أو مدارس فكرية متنوعة لذلك شط به عقله ووقع في العديد من الأخطاء في تفسيره، وقد وضع الأزهر الشريف في الستينيات دراسة علمية رد فيها على كثير من أخطاء هذا التفسير الفادحة.
ومن مخالفاته الخروج عن الفهم السليم لأحاديث صحيحة وآيات واضحة من القرآن الكريم،فمسخ معناها مسخا، وانحرف في تأويلها انحرافا عجيبا كقوله عن «مسخ اليهود قردة وخنازير» ( وليس من الضرورى أن يستحيلوا قردة بأجسامهم فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم ) ومثل تفسيره لقول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ الله مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} فقال قطب(كيف! هل بَعَثَهم مِن موت وردَّ عليهم الحياة؟! هل... لم يَرِدْ عنه تفصيلٌ فلا ضرورة لأن نذهب وراءه في التأويل لئلا نتيه في أساطيرَ لا سندَ لها!.) وسيد قطب هنا يعتبر أن رد الحياة لهؤلاء الذين ذكرهم الله هو من الأساطير التي لا سند لها وكأن القرآن الكريم ليس سندا عند قطب.
وقد خالف قطب المفسرين قاطبةً في سببِ نزول بعض الآيات واعتمد في ذلك على رأيه الخاص مثل رأيه في سبب نزول الآية الكريمة {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [ البقرة/114] فقد قال إنها في ( تحويل القبلة وسعى اليهود لصدِّ المسلمين عن التوجه إلى الكعبة ).
وتأويله برأيه الذي لا سند له حين قال عن عذاب قومِ لوطٍ بالحجارة إنها ( انفجار بركانى ) وهذا تأويل عجيب لم يقل به أحد قبل قطب،وقد أخذ عليه علماء الأصول قيامه بتغيير بعضِ الألفاظ الشرعية إلى ألفاظ غير شرعية كتسميته «الزكاة» ضريبة رغم البون الشاسع بينهما.
وحين دخل سيد قطب في الفقه كان كلامه بغير وجه سديد، كما أنه تحدث عن إجماع وهو ليس كذلك ومن هذا حين كتب أن (العمرة ليست فريضةً عند الجميع)في حين أنه لا يوجد إجماع بذلك فقد قال بوجوبها الشافعى والإمام أحمد.
وقوله في تفسيره عمن استنصر بالكفار إنه (خارجٌ مِن الإسلام) وهذا من الغلو ولم يقل بمثل هذا القول إلا الخوارج وبعض مدعى الفقه من المتشددين والتكفيريين، ولعل تقسيم قطب للمجتمع إلى مجتمع مسلم ومجتمع جاهلى وفقا لنظريته التي وضعها في تفسيره ثم أخرجها في كتابه معالم في الطريق هي التي دعته إلى التسرع في تكفير المسلم الذي يستنصر بغير المسلم.
كانت تأويلات قطب التي وضعها في ظلال القرآن هي التي صاغت نظرية الإسلام السياسي، نفسية متعالية حاقدة على البشرية كلها، ثم إذا بقطب في تفسيره يسترسل عن العالم كله قائلا: «نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو اظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرًا إسلاميًا، هو كذلك من صنعة هذه الجاهلية»هكذا كان قطب يرانا، كلنا أهل جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام في بدايته، حتى ما نظن أنه فكر إسلامى أو ثقافة إسلامية هو عند قطب جاهلية!.
ثم يستطرد قطب قائلا: (ولكن ما هو «المجتمع الجاهلي»؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته ؟ إن المجتمع الجاهلى هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم! وإذا أردنا التحديد الموضوعى قلنا: إنه هو كل مجتمع لا يخلص العبودية لله وحده..متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفى الشعائر التعبدية، وفى الشرائع القانونية، وبهذا التعريف الموضوعى تدخل في إطار «المجتمع الجاهلي» جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلًا) يضع قطب بكلامه هذا تعريفا يجعل من كل مجتمعات الدنيا بما فيها مجتمعات المسلمين مجتمعات جاهلية، وحين يتحدث عن الإسلام يقول (إنه غير موجود منذ قرون كثيرة، فقد طُمس الحق، وأصبحت القضية ليست هي غياب الجهاد ولكن القضية هي غياب الإسلام ).
هذه هي الركائز التي أقام عليها قطب تفسيره، أما سبب كل ما انتهى إليه فهو أنه يعتبر أن البشرية تتحاكم إلى غير ما انزل الله، وأن الحاكمية هي المعيار الذي يجعل من هذا مسلما وذاك كافرا، نستطيع القول إذن بأن بين سيد قطب وتفسير «في ظلال القرآن» خيطًا رفيعًا حتى أننا قد نتوهم أحيانا أن قطب هو الظلال، والظلال هو قطب، حيث طبع شخصيته في الكتاب، ووضع نفسه داخل الغلاف،لا ريب عندى أن الظلال ليست من كتب التفاسير المعتبرة ولكنها خرجت كمجموعة خواطر اعتملت في عقل صاحبها فأفرغها كما قال في القراطيس، بيد أن هذه القراطيس التي سمّاها «في ظلال القرآن» رغم أن لها مالها وعليها ما عليها إلا أنها أخرجت لنا برغبة صاحبها أو بغير أن يقصد كما يقول أصحابه كتابا كان هو الدستور الأكبر للحركة الإسلامية المتشددة ألا وهو كتاب «معالم في الطريق» الذي كان «مانفيستو» حركات العنف التي اتشحت بثياب إسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.