يا لهول ما حدث في تلك الكرة الأرضية؛ إنها أشياء لا يمكن أن يصدقها أحد ! هل تصدقون أن في النصف الآخر من الكرة الأرضية توءم اسمه " garden father " جاردن فازر وترجمته بالعربي الفصيح هو " أبو حديقة " واسمه قريب من اسمي فأنا جوسقي والجوسق هي الحديقة الغناء؛ وأنا أعيش في درب المهابيل وهو يعيش في " كريزي ستريت " أي الشارع المجنون؛ ولكن ماهي دولته ؟ دولته هي الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث يعيش في إحدى مدنها في ذلك الشارع الذي قلت لكم عنه "كريزي ستريت" وفي مصادفة غريبة تقابلت مع توءمي هذا ومن فرط تشابهه معي كدت أجن ! وقلت في نفسي سبحان الله ! هل يمكن أن يكون هناك تشابه لهذه الدرجة ؟! كأنني أنظر في مرآة، ساعتئذ جال في خاطري تلك القصص التي كنا نقرأها ونحن صغار عن كرة أرضية في مجموعة شمسية أخرى يوجد فيها تواءم لنا ولكنهم يعيشون بطريقة مختلفة ! ومن تمام عجبي وكمال دهشتي وجدته يتكلم اللغة العربية بلكنة خواجاتي ؛ ولا أخفيكم سرا أنه أصيب بنفس دهشتي ولكنه استطاع أن يتجاوز دهشته سريعا مما دل على أنه شخصية عملية، وعلى التو قال لي متسائلًا: "يو مستر ايجبشن" ؟ قلت له: انا أبو يكح الجوسقي من مصر وأعيش في القاهرة في حارة درب المهابيل. وبعد جهد كبير استطعت إفهامه معنى "المهابيل" ثم حكيت له قصة حارتنا من طأطأ لسلامو عليكو. فرح توءمي من هذا التاريخ الذي سمعه وأيقن أن المصري يستطيع أن يفعل أي شيء، ثم سألني عن سر هذا التشابه الشديد بيننا فقلت له لعلنا نشترك في جد واحد، وأثناء حوارنا عرفت أنه من الشخصيات الساخرة في أمريكا وأنه يكتب في صحيفة أمريكية شهيرة اسمها " اعتراض " ! ولكن لعل احدكم سيسألني: أين التقيتما ؟ عذرا أيها السادة الكرام فقد نسيت أن اخبركما أنه جاء إلى مصر لكي يتعلم فنون الثورات إذ يبدو أن الشعب الأمريكي يريد أن يقلدنا ويثور على حكامه البلهاء، وكانت فرصة لا تتكرر لأسأله عن التظاهرات الأمريكية الحالية وكيف وصلت إلى هذا الحد، ثم سألته عن القمع الذي تتعرض له هذه التظاهرات والعنف الذي تمارسه الشرطة عليها. وعدني مستر جاردن بالإجابة عن أسئلتي ولكنه قال: أحب أن أقص عليك القصة الكاملة لهذه المظاهرات ولكن في حضور أهل حارتك وفي قلب حانة درب المهابيل، فتواعدنا على اليوم التالي بعد المغرب، وكان اللقاء الذي سمعنا فيه ما لم نسمعه من قبل كان الضوء خافتا في الحانة وكنا جميعا نجلس في حالة صمت وكأن الطير على رءوسنا، وبدأ مستر جاردن الحديث قائلا: أنا أمريكي أصلي، أي أنتمي إلى أمريكا منذ فجر التاريخ، أنا أيها السادة من سكان أمريكا الأصليين، أطلق علينا الغزاة الذين جاءوا من أوربا اسم "الهنود الحمر" ومارسوا معنا كل أنواع الإبادة، زعموا أننا نعبد التماثيل ونقدس "الطوطم" ونأكل لحم البشر بأن نضعهم في قدور ضخمة ونوقد أسفلها ونظل نرقص حول القدور ونحن نصيح "هووووووو". استرسل مستر جاردن قائلا: كل هذه الأشياء يا سادة هي أكاذيب لا أصل لها؛ هؤلاء الغزاة مارسوا معنا أبشع ما رآه التاريخ ولكنهم قالوا عكس ذلك في كتبهم وأفلامهم ولوحاتهم، كانوا مجموعات من اللصوص جاءت لبلدي أمريكا ليسرقوها وينهبوها، حلم الذهب هو الذي كان يسيطر عليهم ويحرك أطماعهم وجشعهم. سكت مستر جاردن هنيهة فنظرت إلى عم مغاوري فوجدته يمسح دمعة سالت من عينه فأشرت له كي يحضر شراب الجعة لضيفنا الأمريكي الأصلي، تحرك عم مغاوري فورا ووضع قدحا كبيرا من الجعة أمام الضيف ومع الجعة وضع طبقا امتلأ عن آخره بأفضل "مَزَّة" ثم عاد الأمريكي للحديث قائلا: نحن سكان أمريكا الأصليون شعب مسالم لم نفكر في أذية أحد أبدا ولعلكم لا تصدقون إننا كنا نعبد الله الواحد ولم نعبد الأصنام أبدا، كنا نؤمن بأن لهذا الكون قوة عليا تسيطر عليه وتأمر المطر بالنزول من السماء، كنا نعبد تلك القوة اللانهائية ونصلي لها ونبتهل في الدعاء، ولكن لا شيء يبقى على حاله أيها الأصحاب! سأحكي لكم عن فظائع الأوربيين الغزاة.. في إحدى الليالي الباردة جدا في أوائل القرن العشرين وكانت أعدادنا قد تناقصت جدا،وجدنا طائرة تلقى علينا أعدادا كبيرة من البطاطين فقلنا لقد ألان الله قلوب الأوربيين فهرعنا للبطاطين نتدفأ بها وفي خلال يومين وجدنا أن مرض الكوليرا القاتل قد انتشر بيننا فعرفنا أن بطاطينهم كانت ملوثة بالعدوى، ومات الآلاف من بني جنسنا، ولعلكم تعرفون كيف أنهم قتلوا الملايين في كمبوديا ونجازاكي وهيروشيما وفيتنام، وتعرفون أنهم استعبدوا الملايين من أفريقيا، اصطادوهم من السواحل الأفريقية وجعلوهم عبيدًا لهم ليقيموا بهم حضارتهم، ولكن هؤلاء العبيد سيكون بأيديهم القضاء على تلك الحضارة، وكانت البداية في التظاهرات التي انطلقت مؤخرًا. قلت لتوءمي مستر جاردن: نعم يا عزيزي نريد أن نعرف ما أسباب هذه التظاهرات وكيف بدأت ؟ قال الأمريكي: البداية كانت من درب المهابيل الأمريكي " كريزي استريت" وهي حارة قديمة والحارة نطلق عليها "جادة" لأننا نجد في السير عليها، وهذه الجادة تقع في منطقة يكثر فيها الزنوج بولاية ميسوري، إذ بينما كان شاب صغير في ال18 من عمره قد أنهى عمله في حانة درب المهابيل الأمريكية، ثم قفل راجعًا إلى بيته حتى أوقفته دورية الشرطة، لم يكن أي شيء مريب في هذا الفتى، فقد كان يسير بهدوء على (الإفريز) الأيمن للطريق وكان يغني أغنية "يابنات الأمريكية مشيكم على المحيط غية" وفجأة توقفت سيارة الدورية ونزل منها نائب الشريف قائلا له: ماذا تفعل هنا بحق الجحيم ؟ انزل سريعا لنهر الطريق حتى أتلو عليك حقوقك. فقال الشاب وقد أخذته الدهشة: تبا لك.. ما الذي فعلته لتوقفني ؟ فقال له نائب الشريف: أراك تحمل لفافة وهي لفافة مريبة. قال الشاب الزنجي: هي لفافتي أضع فيها سندوتشي الأمريكي المتخم باللحم البقري وعليه طبقات من الزبد وقليل من الكاتشب، ولي فيها مآرب أخرى. وما أن بدأ الشاب يفتح لفافته حتى أخرج نائب الشريف مسدسه محلي الصنع عيار 9 ملي ثم أطلق رصاصة على رأس الفتى اخترقت جمجمته فأرداه قتيلا على الفور، كان من الممكن أن تتوه الحقيقة ولا يعرف أحد ما الذي حدث، ومن قتل هذا الشاب الزنجي؟ ولكن من سوء حظ نائب الشريف أن شيئًا نادرًا حدث فكشف عن جريمته. كان جميع أهل حارتنا يستمعون لتوءمي الأمريكي بآذان صاغية، ولكن حدث أن توقف الأمريكي عن الحديث، ثم هب واقفا وهو يقول: سآتي لكم الأسبوع المقبل لأستكمل معكم الحكاية فانتظروني، وفي غمضة عين اختفى الأمريكي.