جاء إلى الازهر لدراسة التصوف الإسلامى الأب «أجناديوس ديفرنشسكوا» كان يجلس بهدوء وخشوع بالكنيسة الكاثوليكية بروما، مطمئن القلب، يقرأ فى كتاب لمحيى الدين بن عربى، وعندما وصل إلى حديث «إنما الأعمال بالنيات»، انتفض قلبه، ارتجف جسده بقوة، حزم حقائبه، قاصدا مصر، وفتح له شيخ الأزهر خزائن كتب التصوف الإسلامى النفيسة، فنهل منها، فاتسعت الرؤيا وضاقت العبارة. «فيتو» التقت به بالقاهرة، وسألناه، فأجاب.. - تنقلت بين دول عربية وغربية كثيرة, لكننى أقمت بلبنان أكثر، فالطائفة الكاثوليكية بها مرتبطة بالكنيسة الإيطالية بروما، وجئت لمصر لدراسة التصوف الإسلامى، ولهذا قصة، فقد كنت أقرأ كتابا لابن عربى - المتصوف الإسلامى - وقرأت حديثا أخرجه البخارى نصه «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، فارتعد بدنى، فالنية لا يعلمها إلا الله، لذا فقد جئت إلى مصر لدراسة «النية فى التصوف الإسلامى». وبحكم إقامتى فى مصر لم أجد أقرب إلى الله من المصريين، وعندما تتبعت التصوف وجدت أن مصر بلد التصوف، وقد التقيت بالإمام الأكبر د. أحمد الطيب، ورحب بى، وفتح لى خزائن الكتب المتخصصة فى التصوف الإسلامى لابن عربى وذا النون المصرى والجيلانى وغيرهم، والأزهر منارة علمية للعالم، والأزهر حفظ الدين الإسلامى على مر العصور، وكان قائدا للثورات المصرية، وأهل مصر متصوفون بطبعهم ولا يدرون أنهم متصوفون، حياتهم تصوف، حتى إن د. أحمد الطيب صوفى يتبع طريقة والده. لم أشعر بغربة فى مصر، وجدت فيها ما لم أجده فى أى مكان بالعالم، المصريون متحابون، يجمعهم عيسى ومحمد، هم الأقرب إلى الله، يحكمون الدين فى كل أمور حياتهم، لم أجد هذه الطبيعة فى شعب آخر، والطيبة التى وجدتها فى المصريين لم أجدها فى غيرهم من الشعوب، ولدينا فى الإنجيل «الله محبة»، والدين محبة، والعلاقة بين المصريين محبة، مصر محبة، وعندما قرأت كتاب «وصف مصر» وجدت هذه الصفات، وعندما عشت فى مصر تأكدت وأيقنت أننى أحتاج إلى مجلداتٍ عند الحديث عن المصريين. لا فرق بين مسلم ومسيحى فى مصر، ونسمع عن فتنة طائفية، لكن لا وجود لها على أرض الواقع، أنا أقيم فى الكنيسة وسط مسلمين، عندما أخرج أجد المصريين متحابين، وجهود شيخ الأزهر واضحة فى الألفة بين المصريين جميعا، ولكنى وجدت العنصرية فى دول أخرى غير مصر، والتسامح من السمات الرئيسية للمصريين فيما بينهم، وأيضا مع الآخرين، وقدوتهم فى سيرة الرسول الكريم مع المسيح عليهما السلام، شعب متسامح لأبعد الحدود، وعندما أعود إلى إيطاليا فسوف أنقل لشعوب العالم الصورة الحقيقية للشعب المصرى، الذى يختلف عن شعوب العالم. فالثورة المصرية أعادت لمصر مكانتها وموقعها المتقدم بين الدول، وقد فتحت الطريق أمام الثورات فى دول عربية كثيرة. وبعد أن أنتهى من دراستى عن «النية فى التصوف الإسلامى» سوف أقوم بدراسة أخرى عن «طبيعة المصريين وقربهم من الله»، ثم دراسة عن «نظرة المسلمين للغرب» و«التصوف فى البلاد العربية»، ولست الوحيد الذى يدرس الدين الإسلامى ويتعمق فيه، فلدينا الأب «جيوفانى» من إيطاليا يشرف على رسائل إسلامية لمسلمين، وهو يشرف بحكم تخصصه وتعمقه فى الدين الإسلامى. وأحب ارتداء الزى الصوفى الخشن، فالمتصوفون القدماء كانوا زاهدين فى كل شىء، وأردت أن أكون قريبا منهم، وكثير من الرهبان يرتدون هذا الزى، مع أنه ليس زيا رسميا فى الكنيسة الكاثوليكية.