فى القصص العادية يُحكى عن الميت، وفى قصتنا المثيرة يَحكى الميت حكايته بنفسه.. غسلوه، وكفنوه، وإلى القبر حملوه.. غير أن العناية الإلهية أنقذته قبل أن يدفن, فساعته لم تأت بعد, وفى عمره بقية, رغم رؤيته للجنة والنار عين اليقين! هو عم سيد الميت, أو هكذا يطلقون عليه فى قرية ونا القس, بالواسطى, محافظة بنى سويف.. عمره سبعون عاما وثلاثة, ومع ذلك هو قبس من نشاط ودأب.. زوجته لم يكتب لها الإنجاب, إلا أن كنيتها «أم قرنى».. ابتلى بمرض غيبه عن الوعى.. تأكد الجميع من خروج روحه إلى بارئها, فقرروا تجهيزه إلى العالم الآخر.. وعن رحلته إلى الآخرة يتحدث إليكم الميت الحى نفسه.. أقسم بأغلظ الأيمان وراح يسرد تفاصيل حقيقية أغرب من الخيال.. «بعد صلاة العصر توكلت على الله.. غادرت الدنيا إلى الآخرة».. هكذا يبدأ سيد عبد الشافى حكايته, ويواصل «تلا كل من حولى الشهادتين ترحما علىّ.. أذيع الخبر فى المساجد عبر مكبرات الصوت - لا اله إلا الله.. سيد أبو عبد الشافى توفاه الله - ثم بدأوا يعدون جثمانى لمثواى الأخير.» ضاحكا فى بشاشة, يضيف العائد للحياة: « لكن انظر لرحمة ربك وعنايته.. لأن قريتنا ليس بها سيارة نقل الموتى, قرر أهلى الانتظار حتى الصباح, لحين إحضار سيارة, خاصة وأن مقابرنا موجودة بقرية «أبويط» البعيدة عنا بعدة كيلومترات.. وفى اليوم التالى وبعد تغسيلى وتكفيني, رد الله إلى الروح ليصيح كل من حولى : «الله اكبر.. لا اله إلا الله» و ما بين الغيبة والعودة, كما يحكى عم سيد :«رأيت نفسى فى عالم آخر.. دفعت إلى مكان غريب له باب واحد.. قلت فى نفسي.. أخيرا ارتاح؟!.. كان الناس يتدافعون نحو الباب, كل منهم يريد أن يحاسب أولا.. وإلى جوارى كان يقف مخلوقان عجيبان أحدهما إلى يمينى، والثانى عن شمالي.. قال لى أحدهما: ماذا جاء بك إلى هنا, اسمك غير مدرج لدينا.. انتظر حتى نجد لك مكانا.. بكيت , فقال لى الثاني: لم بكاؤك, فهناك من هم ينتظرون منذ خمس سنوات ، وأموات لهم فى الانتظار عشر سنوات وأكثر, انتظر وإلا سنضعك أسفل منهم فليس بينهم من يحملك». مرة أخرى يعاود الرجل القسم مؤكدا على أن كل ما يرويه إنما رأته عيناه وليس «تهيؤات». . سألتهما « والى متى الانتظار» فرد من كان على يمينىّ « الدهر كله».. فقلت له : لن أستطيع.. قال إذن عد من حيث أتيت. . ثم امرنى بان أغمض عيناى, ثم فتحتهما كما امرنى , وقال لى إن تلك هى الآخرة, فرأيت خيطا دقيقا مصنوعا من شعر حصان, وكأنه الصراط المستقيم, وعليه يمر الناس , فيقع هذا فى المنطقة الخضراء «الجنة».. ويقع ذاك فى المنطقة الحمراء «النار». بدموع تتساقط من عينيه, يكمل عم سيد حكايته «رأيت مشنقة يذهب إليها البعض طواعية, ورأيت أناسا فى ملابس بيضاء ينعمون بفواكه لم ترها عيني.. وسمعت من كان على يمينى يقول انظر إلى هذا, فإذا به كتاب كبير, وقال «هذا كتابك» ثم نفخ فيه فصار قصاصات تطايرت فى الهواء, وصرخ فى « اليوم ولدت من جديد» ثم طلب مني دعوة كل من أقابله للمواظبة على الصلوات والعمل.. فأغمضت عيناى وفتحتهما لأجد نفسى استغفر الله وانطق الشهادتين وحولى مشيعو جثماني». أم قرنى, رفيقة كفاح عم سيد واحد شهود العيان على الجزء الأول من حكايته, قالت إن زوجها رجل تقى «بتاع ربنا» سمعه ضعيف لا ينتبه لاى صوت سوى الأذان, فيسبق الجميع إلى المسجد, ثم أضافت « عندما علمت بوفاته اسودت الدنيا أمام عيني, لكن المأتم تحول إلى فرح حين ردت له الروح وعاد إلى الدنيا».