يقول الجنزورى: «هو فيه ثائر عمره 12 سنة؟»، وأقول له: «هو فيه واحد عنده 80 سنة.. منها 12 سنة فى الثلاجة يقدر يقود حكومة مطلوب منها تنقذ الوطن فى هذه الظروف التى نعيشها؟». يقول الجنزورى: «إن الطفل صاحب ال12 عاما، لم يختبر فقرا أو ظلما»، وأقول له بما إن حضرتك كنت فى الثلاجة فقد فاتك إن معظم من أججوا نار الثورة، وحركوها لم يختبروا على المستوى الشخصى ظلما أو فقرا، ومعظمهم قادمون من حيوات مستقرة جدا، بل إن بعضهم لم يختبر الحياة الحقيقية بعد، إذ إنه ما زال طالبا فى كليته، التى قد تكون مصروفاتها بالمناسبة بآلاف الدولارات، لم يخرج أحد من أجل ذاته فى هذه الأيام، وكانت القلة المندسة هى الجهة الوحيدة فى مصر المشغولة بالأغلبية الشريفة. لأن حضرتك يا دكتور جنزورى، بعيدا عن حقيقة الأمور، لم يقولوا لك إن الاعتصامات والإضرابات تبدأ على خلفية سياسية سلمية بحتة، وفى ظروف غامضة تتحول إلى خناقة بلدى، الناس تعتصم فى أماكنها بالأسابيع دون أن تثير مشكلة واحدة، أو احتكاكا واحدا، لكن مراسيل الجيش يستطيعون استدراجهم بالكر والفر والاستفزاز إلى معركة، سرعان ما يتسلل إليها كثيرون، رفضهم للظلم والقهر أكبر من حبهم للثورة، شباب وأطفال ومراهقون رأوا أنفسهم والدماء تسيل من أصدقائهم، ويشيعون رفاقهم فى سيارات الإسعاف، وهم لا يعرفون إن كانوا سيرونهم مرة أخرى أم لا.. شباب ومراهقون فى عروقهم نخوة وشهامة مصرية يفتقدها كثيرون، ينسون الثورة ويشتبكون حزنا على أو دفاعا عن مسن تهشمت عظامه، وبنت مسحولة نصف عارية على الأسفلت، ومصحف يلقيه جندى غشيم فى نار الخيمة، التى تحترق، وامرأة ينزع عنها نقابها، وشاب مات وهو يقف بينهم، وعسكر يتبولون عليهم، ويتحدونهم بإشارات خارجة، فى لحظة ينحى هؤلاء الشباب والمراهقون ثورتهم جانبا لتصبح معركتهم ضد من يهدرون قيما إنسانية يعرفها الواحد بالفطرة، أيا كان مستواه الاجتماعى أو الثقافى أو العمرى. كلما فكر الواحد فى الاقتراب من الصفوف الأولى للمواجهة لحماية هؤلاء الشباب من غشم العسكر ومن أنفسهم أيضا يعود إلى مكانه مشاركا فى حمل مصاب جديد، يلقونه أصدقاؤه على بطاطين المستشفى الميدانى، ثم يعودون للثأر له، هؤلاء يا دكتور جنزوى الذين يسهرون الليل مشتبكين مع الجنود تقول إنهم أطفال!طيب كيف تعامل معهم الكبار الراشدون البالغون العاقلون؟ هؤلاء يا دكتور جنزورى ليسوا شباب 25 يناير الجميل، لكنهم حفنة من الجهلة والعشوائيين.. طيب كيف تعامل معهم الرسميون المثقفون النخبة الصفوة أصحاب القرار وأدوات تنفيذه؟ يا دكتور جنزورى حضرتك تتعامل مع الأمور بسطحية لا تختلف عن سطحية «أبناء نابليون»، الذين هرونا تبكيتا على حريق المجمع العلمى، الذى لم يزوروه يوما، ويمرون إلى جواره منذ عشرات السنين، دون أن يعرفوا ماهية هذا المبنى، الحزن على المجمع العلمى واحتراق الوثائق هو أمر لا يمكن لأحد أن ينكره، ولكن أن تختزل حضرتك هذا المشهد العريض بالدم المنسال على جوانبه فى خسارة أوراق نادرة فهو بعينه الحق الذى يُراد به باطل. وحزن حضرتك الرسمى كرئيس حكومة، وبيانك الذى أصدرته بعد الحريق بساعة، بينما رفضت التعليق على السحل والموت والإصابات حتى مر على الأمر أكثر من 24 ساعة، موقفك هذا يجعلك فى عينى مجرد أمين مكتبة مجتهد. حضرتك تنظر إلى الأمور بسطحية مثل كثيرين لا يدركون أنهم يقدمون أكبر إهانة لتاريخ العسكرية فى مصر، عندما ينكرون أن الجيش المصرى شىء والمجلس العسكرى شىء، إصرار حضرتك على أن من يقوم بهذا الأفعال المشينة المنقولة على الهواء مباشرة لكل دول العالم هم حقيقة الجيش المصرى هو جريمة يجب أن تتم معاقبتك عليها (سامعنى يا أستاذ بكرى).. كان أولى بك وأنت تتحدث عن عظمة الجيش المصرى أن تقول إن من يطاردنا فى الشوارع، ويهتك عرض بناتنا هم ميليشيات المجلس العسكرى، وليسوا جيشنا العظيم. يخطأ الثوار أحيانا لكن المجلس العسكرى يعالج الخطأ دائما بكارثة، ويذكرنا المجلس أنه أقسم على حماية المؤسسات الحكومية فيقتل العشرات دفاعا عن مبنى الداخلية أو مجلس الوزراء.. خلى المبنى ينفعكم.. سيذكركم التاريخ بأنكم كنتم حفنة من خفراء الدرك، الذين لا يترددون فى التنكيل بمن لا يرتدى الميرى المموه، دون التفرقة بين قاض أو عامل، بين أم أو ابنة محجبة أو غير محجبة، بين شيخ عالم دين كبير وقور أو طفل عنده 12سنة.