العبد يعتقد أن تصديق كذب سيده يرفعه إلى مرتبة صديقه الوفى وكاتم سره الأمين. لا يدرك أن انكماش المسافة بينه وبين سيده إذ يصدق أكاذيبه مبعثها تدنى السيد لا ارتفاع العبد. العبد لا يوافق على إرغام سيده على التوقف عن ضربه، ففى ذلك «كسر نفس، وإسقاط هيبة» للسيد لا تستقيم معه الحياة. العبد يتفهم جدا كل تصرفات السيد، كل قصصه المختلقة الكاذبة، ولا سيما لو صاحبت الكذبة ابتسامة، أو تلويح بعقاب. هذه وظيفة العبد فى الحياة، هكذا أفهموه، وهكذا ربوه. العبد يصدق كذب السيد لأن تصديق الكذب أهون على نفسه الراضية بالوضاعة من مواجهة الحقيقة. إن قالوا له إن أخاك قتل، وألقى فى الزبالة، وهذه هى صورته، قال لا، بل «إن هذه الصورة فى اليونان»، هكذا قال السيد. تصديق هذا الهراء مهمة أيسر كثيرا من مهمة التصرف كإنسان حر. قد يرى الجنود بملابسهم، بعضهم يلقون الطوب من فوق المبنى، وأحدهم يرخى بنطاله ليتبول على مواطنين مثله، فيقول لا، بل السيد يقول «لم يكن على سطح المبنى أحد». وآفة العبد أنه بلا دين ولا لون ولا جنس يميزه، إنه أنا وأنت، يشبهنى ويشبهك. مرضه متخف فى نفسيته لا فى مظهره. بين الكذب والسلطة المتسيدة علاقة تعاقدية، وسيطها الغباء. العبد يعلم أنه تحت رحمة السيد. والأفضل له، من ثم، أن يتغابى ويقبل كل ما يقوله سيده. يقول لنفسه ربما لو أرضيته لكافأنى. لكنه للأسف، لا يكافأ إلا بمزيد من تغابى السيد، مزيد من تقريب المسافة بينهما. وكلما صدق العبد قصصا أكذب وأوهى تغابى السيد أكثر فى صياغة قصصه وأكاذيبه. منحدر بلا قرار. والسلطة المتسيدة الغاشمة تصر على امتلاك شيئين، الموت دونهما ودون إصلاحهما: جهاز للكذب وجهاز للقمع. جهاز ينشر للعبيد القصص وجهاز يرفع لهم العصا، وتمضى مسيرة الغباء. هل تصدقون أن الجنزورى يملك صلاحيات؟ هل تصدقون أنه يريد إعلاما حرا؟ هل تصدقون أنه يريد شرطة لا تستخدم العصا مع مواطنيها؟ هل تعتقدون أن من قبلوا مناصب المجلس الاستشارى على دماء الشهداء يصدقون هذا؟ بالطبع لا. لا يصدقه إلا راغب فى تصديقه من الانتهازيين والساعين إلى رضا السيد والأغبياء. آفة حارتنا يا صديقى الكذب. فالكذب ليس فقط عدو الإصلاح، بل عدو الرغبة فى الإصلاح، وعدو الذكاء، وعدو التفكير المنطقى. وهو عرَض من أعراض الجبن، والغدر، والنفاق، وإضمار الأذى. آفة حارتنا يا صديقى الكذب. «المؤمن» يكذب من أجل كرسى فى البرلمان، والسائق يكذب من أجل جنيه إضافى فى الأجرة، والعامل يكذب لكى لا تذهب المهمة لغيره. صاحب السلطة يكذب لكى يبقى، والساعى إلى السلطة يكذب لكى يصل. والجمهور يتقبل الكذب لأن هذه الطريقة الوحيدة لكى تستمر المسرحية دون أن يبارح مكانه. لا شىء يعصم من الكذب فى بلادنا، لا القوة التى تغنى عنه، ولا التدين الذى يجرمه بالجحيم. الكل كذابون. الكل كذابون وإن سموا كذبهم حكمة، وإن سموه وطنية، وإن سموه استقرارا. ولا يتألم من الكذب إلا الأذكياء. الباقى ما بين غبى يصدق، وانتهازى يبرر، وكذاب لا يجد فيه غضاضة. فإلى أين يا دولة الكذب، يا جمهورية الأوهام، يا أرض النفاق، يا تربة المظاهر بلا جذور؟ 2 هل سمعتم الجنزورى وهو يقول أمس: قلنا ونؤكد أننا لن نلجأ إلى العنف؟ هل سمعتموه وهو ينفى ما رأيناه جهارا نهارا من استخدام الجيش العنف ضد المواطنين؟ هل سمعتموه وهو يكذب؟ لا تردوا عليه. فقط سموه الكذاب، كذاب الجنزورى، أو الجنزورى الكذاب، الراجل الكبير الشايب الكذاب. ارسموه فى كل كاريكاتير بأنف طويلة. احرقوه معنويا وشخصيا بما يستحق. حاسبوه على كل جرائمه التى نفد بها من قبل وأهينوه فى خاتمته، فذاك أقل ما يستحق، وأقل مما يستحق.