استقرار سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم    تداول 13 ألف طن و696 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    وزير الاتصالات يناقش التعاون مع «UNDP» لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعى ودعم الشركات الناشئة    وزير الداخلية اللبناني عن الغارات الإسرائيلية: لا شيء يُطمئن.. والله يحمي البلاد    إعلام إسرائيلي: حزب الله قد يضرب أهدافا في تل أبيب وسنكون مستعدين للرد    فضيحة النازي الأسود تقود كبار موظفي حملة المرشح لحاكم نورث كارولاينا إلى الاستقالة    تأجيل حفل افتتاح مونديال الأندية لكرة اليد بسبب مباراة السوبر بين الأهلي والزمالك    كشف ملابسات واقعة سرقة مبلغ مالى من شخصين بالجيزة .. وتحديد وضبط مرتكبى الواقعة    الصحة تعلن حصول مستشفى القناطر الخيرية على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    الاثنين 23 سبتمبر 2024.. ارتفاع جماعى لمؤشرات البورصة فى بداية التعاملات    وزير الاستثمار يبحث زيادة معدلات التجارة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي    وزيرا التنمية المحلية والإسكان ومحافظ القاهرة يتابعون التحضيرات لاستضافة مصر للمنتدى الحضري العالمي    وزيرة البيئة تلتقي بسفراء مصر الجدد قبيل سفرهم لتولي مهام عملهم في الخارج    خبير تربوي يكشف عيوب ومميزات الواجب المنزلي الموحد للطلاب    حالات تمنع صرف تعويض عن الحبس الاحتياطي بمشروع قانون الإجراءات الجنائية    بالأسماء، وزير الداخلية يسمح ل 21 شخصًا بالحصول على جنسيات أجنبية    أنباء عن أن الجيش الإسرائيلي اخترق شبكة الاتصالات التابعة لوزارة الاتصالات اللبنانية في قضاء صور    محافظ شمال سيناء يتفقد المدرسة اليابانية بالعريش    هل يتعاقد برشلونة مع حارس مرمي جديد بعد انتهاء موسم تير شتيجن؟    انطلاق دورة إنقاذ الغرقى والإسعافات الأولية بكفر الشيخ ضمن مبادرة «بداية جديدة»    عفت نصار: الزمالك أصبح يتعامل مع الصفقات مثل «قفص الطماطم»    دغموم يكشف صعوبة مواجهة الهلال الليبي في الكونفدرالية    جمال عبد الحميد يحذر الأهلي قبل قمة السوبر الإفريقي    محامي التؤام: مستحقات حسام وإبراهيم في المصري وصلت ل6 ملايين جنيه    اليوم.. فتح باب تعديل الترشيح بجامعة الأزهر إلكترونيًا وحتى الأربعاء    بقصد الاتجار.. حبس عاطل لحيازته كوكتيل مخدرات في كرداسة    «تعاني من اكتئاب».. «الداخلية» تكشف حقيقة استغاثة فتاة من احتجازها بالمنصورة    «الداخلية» تواصل حملات ضبط جرائم السرقات والتشكيلات العصابية ب 3 محافظات    ضبط 1.5 طن زيت طعام يعاد استخدامه وتحرير 91 محضرا خلال حملة تموينية بجنوب سيناء    خلال 24 ساعة.. ضبط 30129 مخالفة مرورية متنوعة    دفتر أحوال النجوم.. سامو زين وإيمي سمير غانم يتعرضان لوعكة صحية    إسرائيل: عشرات الطائرات الحربية هاجمت أكثر من 150 هدفا في الجنوب اللبناني    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    «التضامن»: تحمل تكلفة مترجمي الإشارة للطلاب بكليات التربية النوعية    جامعة القاهرة تعلن برنامج ال 100 يوم للقوافل التنموية المشاركة في "بداية"    اليوم.. أولى جلسات محاكمه الفنان عباس أبو الحسن    المستشار الألماني يلتقي زيلينسكي وأردوغان ولولا في نيويورك    متحور XEC.. هل المضادات الحيوية فعَّالة في الوقاية من متحورات كورونا؟‬    شعبة الأدوية توضح كيفية تحصل الأدوية الناقصة في السوق    هانى فرحات يختتم حفلات صيف الرياض بليلة رابح صقر    ماذا قال محمد صلاح لأحمد فتحي بعد اعتزاله كرة القدم ؟    الخارجية الأردنية: إعادة شخصين بعد احتجازهما عقب إطلاق النار على جسر الملك حسين    استشهاد 4 أطفال فلسطينيين ووالدتهم جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي    أحداث الحلقة 2 من مسلسل «تيتا زوزو».. زيارة صادمة تفاجئ إسعاد يونس    أحمد سعد يعلق على سرقة مقتنياته الثمينة في حفل زفاف نجل بسمة وهبة: "المكاسب من عند الله"    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    إصابة فى مقتل    مصدر حكومي ل«إكسترا نيوز»: مؤتمر صحفي لوزير الصحة في أسوان اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    اليوم.. حفل توزيع جوائز مسابقة هيكل للصحافة العربية لعام 2024    «قوم اطمن على رصيدك».. عطل فودافون يجتاح السوشيال ميديا    وفاة اللواء رؤوف السيد رئيس "الحركة الوطنية".. والحزب: "كان قائدًا وطنيًا"    وفاة اللواء رؤوف السيد رئيس حزب الحركة الوطنية    عرض «كاسبر» يناقش القضية الفلسطينية في مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي ال14    وفاة والد الإعلامي أحمد عبدون    بالفيديو.. خالد الجندي يرد على منكرى "حياة النبي فى قبره" بمفأجاة من دار الإفتاء    اللهم آمين | دعاء فك الكرب وسعة الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيتى أنا.. بيتك
نشر في التحرير يوم 13 - 12 - 2011

كان الهواء منعشا والمطر الخفيف يبلل الرصيف فى تلك الليلة الخريفية، وهو يسير على غير هدى فى شارع سان دينيس فى باريس. لم يعرف أين يذهب بالضبط، لكنه لم يشأ العودة إلى الفندق حيث الوحدة والصمت. توقف إلى جانب فريق من الموسيقيين المتسولين الذين لم يمنعهم البلل بالشارع من افتراش الرصيف ونصب عدة الشغل ومن ضمنها القبعة التى تتوسطهم، وفيها يضع المارة ما تيسر من الفكة لزوم شراء العشاء والشراب آخر الليل. كان العزف بديعا والمقطوعات التى لعبوها متنوعة وبعضها ليس سهلا ويحتاج إلى تدريب! تعجب بينه وبين نفسه من هؤلاء العازفين الذين يمتلك أغلبهم موهبة لافتة كانت خليقة بدفعه وسط فرقة تعزف على المسرح وتقدم الفن لجمهور كبير.. لكنه استدرك وتذكر أن الأمور لا تسير هنا بالضرورة على هذا النحو، وساءه أن وجد نفسه يفكر داخل الصندوق كما تعود أهل بلده الذين يقدرون الوظيفة حتى لو فى الفن! لا شك أن هؤلاء الناس قد اختاروا حياة الصعلكة طواعية ودون ضغوط، وطبيعى أن الواحد منهم يجد سعادته فى الانطلاق والحرية وحياة الطيور الذين يحطون هنا وهناك ويغردون أنى يحلو لهم. سرح بخياله فى حياته وتمنى لو كان بإمكانه أن يمضى بقية عمره مع هؤلاء الناس، يلف ويدور ويسافر ويبيت كل يوم فى مكان مختلف ويعيش فى سلام لا يؤذى أحدا فى هذه الدنيا ولا يؤذيه أحد.. لكن حتى هذه الأحلام البسيطة التى ليس بها رغبات فى الصعود والترقى وجنى المال ومن ثمَّ الاصطدام بطموح الآخرين.. غير ممكنة!
واصل تسكعه بالشارع ومضى يشوط علبة بيبسى فارغة ثم يطاردها ليركلها من جديد ثم يجرى وراءها فتقفز العلبة فى الشارع فيندفع خلفها تاركا الرصيف، وإذا بسيارة مسرعة تدهس العلبة على بعد سنتيمترات من قدمه الممدودة التى كاد أن يفقدها فى لحظة عبثية. تلقى شتائم السائق الفرنسى فى صمت وعاد إلى الرصيف من جديد.. ولا يدرى لماذا قفزت إلى ذهنه فى هذه اللحظة حكاية غابت عنه منذ سنوات؟.. رأى نفسه طفلا مع أصدقائه فى الشارع يجمعون أغطية زجاجات البيبسى ويقومون بفردها ثم يعملون من الصفيح المفرود كراسى ومناضد.. كانت المشكلة أنهم يفردونها بوضعها فوق قضبان الترام الذى يعبر شارعهم، وبعد أن يمر الترام يأخذون فى جمع المحصول. المشكلة فى هذه المرة الأخيرة أن المحصول كان يضم ساق صاحبهم أنور التى بترها الترام! غشت نفسه كآبة لدى تذكره الحكاية القديمة التى شهدها بعينيه، ثم بدأ يغنى فى الشارع بصوت عال.
أعجبه صوته وكان جميلا فعلا وتحسر للمرة الألف لماذا لم يسع ليكون مغنيا ما دام يحب الغناء إلى حد إزعاج الناس فى الشارع الذى أخذ يكسوه الهدوء فى باريس آخر الليل؟ لقد كان يحب الرياضيات ولم يصبح مهندسا، ويحب الفلاحة ولم يأخذ قطعة أرض ويزرعها، ويحب السينما ولم يدرسها. أحب أشياء كثيرة وبرع فى أغلبها، لكنه ما اشتغل بشىء منها وسلم نفسه إلى الناس فصار طبيبا كما أرادوا له.. وها هو يأتى إلى عاصمة النور على حساب شركة الأدوية الكبيرة مكافأة له على زيادة مبيعاتها، ليحضر مؤتمرا طبيا تدور فاعلياته حول ترويج دواء جديد مشكوك فى جدواه! أخرج من جيب سترته بطحة معدنية بها شرابا كحوليا ممزوجا بالكولا.. إنه لا يحب الشرب لكن أعجبته فكرة الوعاء المعدنى الذى يدخل فى جيب السترة الداخلى والتى رآها فى أفلام كثيرة وأغرم بشكلها!.. أخذ جرعة ثم جرعة أخرى ولمعت عيناه وهو يقف مبتسما بجوار عمود نور.. ابتسم لأنه تذكر أن معدته ستلفظ الشراب وتدفعه إلى الخارج بعد قليل، لكنه على الأقل فعل ما يريد رغم المعدة الغبية! على إحدى النواصى وجد بارا خافت الأضواء ذى لافتة زرقاء تحمل اسم «دولفين» قرر أن يدخل ليسمع ثرثرة الناس ويلقى بنفسه فى وسطهم، لكنه فوجئ بالمكان الخالى إلا من زبون عجوز يجلس فى أقصى المكان ونادلة صغيرة تقوم بتلميع الأكواب وتستعد فى ما يبدو للإغلاق. لاحظ جمالها فجلس قبالتها وطلب كوب ماء.
أحضرته له وانصرفت إلى شأنها، بينما أخذ هو يتطلع إلى حُسنها البادى ثم يقلب بصره بينها وبين سقف المحل وجدرانه المكسوة باللوحات.. وفجأة ارتفع صوته بالغناء من دون مقدمات وأخذ ينشد: «بيتى أنا بيتك.. وما إلىِّ حدا. من كتر ما ناديتك وسع المدى.
نطرتك ع بابى وع كل الأبواب. كتبت لك عذابى ع شمس الغياب. لا تهملنى لا تنسانى.. مالى غيرك لا تنسانى. بلدى صارت منفى. طرقاتى غطاها الشوك والأعشاب البرية. ابعت لى بها الليل من عندك حدا يطل على». للغرابة وجد الفتاة الفرنسية تنظر إليه والدمع ينسال من عينيها.. قام فأخذها من يدها إلى وسط المحل وهمس وهو يراقصها بأن ما يغنيه هو ترنيمة كنسية شرق أوسطية.
رجته أن يكمل الغناء فأنشد: «من أيام المظلومين، من لفتات الموعودين، عم أنده لك خلى يضوى صوتك علىّ.. وأنا ع الوعد وقلبى طاير صوبك غنيّة. لا تهملنى لا تنسانى يا شمس المساكين. من أرض الخوف بننده لك يا شمس المساكين. أنا زهرة من زهورك.. باركنى ساعدنى. بالدمع بتزرعنى، بالفرح بتحصدنى. عدلك فاض علىّ كرمك ضوانى. إذا كِلُنْ نسيونى وحدك ما بتنسانى. ناديتك من حزنى عرفت إنك معى.. وسعى يا مطارح ويا أرض اركعى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.