توقفت سطور أمس عند سؤال ما العمل؟ وهل من سبيل للخروج من المأزق الوجودى الراهن الذى دفعت إليه البلاد دفعا بسبب ضعف وفشل المجلس العسكرى فى إدارة شؤون المرحلة الانتقالية؟ وتواطئه مع جماعة الإخوان فى فرض مسار انتقالى شاذ يناسب مصالح وأطماع هذه الأخيرة ويلبى شبقها المتهور وتطلعها المغرور إلى إعادة هندسة الدولة والمجتمع المصريين على مقاسها، متوسلة بنتائج تصويتية (لا أقول انتخابية) متفوقة حققتها ويتوقع أن تستكملها (مع جماعات شقيقة أكثر غلوا وأشد إمعانا فى التهور) فى سباق تصويتى برلمانى غير متكافئ جرى فى بيئة سياسية واجتماعية بائسة ومشوهة كما عانى من شتى أنواع الخروقات للأصول والقواعد الديمقراطية والانتخابية مما أثر وضعط بقسوة على الإرادة الحرة المفترضة لقطاع واسع من الناخبين..؟! سألت أمس عما إذا كان خطر توسل الإخوان وحلفائهم بتكتلهم الضخم (المتوقع) فى البرلمان المقبل للتفرد أو الهيمنة على عملية صياغة الدستور الجديد، ومن ثم احتكار رسم معالم المستقبل -وفقا لأهوائهم- صار قدرا أسود لا فكاك منه ولا سبيل لرده أو تعطيله؟ وأجاوب اليوم بأن هذا الخطر ليس قدرا أبدا، بل إن هزيمة الساعين إلى إلحاق الهزيمة بالمجتمع كله وخطفه ومصادرة ثراء تنوعه وفرض التخلف الأبدى عليه هى القدر المحتوم فعلا فى نهاية المطاف.. لكن المطاف ذاك قد يطول وتثقل كلفته وتتضخم لدرجة مؤذية، وقد يقصر وتنخفض تكاليفه إلى حدود يمكن تحملها، والأمر كله مرهون بعوامل وأطراف عدة أولها المجلس العسكرى المتحكم حاليا فى إدارة شؤون البلاد إذ يستطيع -لو تخلى عن عناده وضعفه والمبالغة فى محاباة جماعة الإخوان بالذات- أن يتحرك بجدية وسرعة لفرض الالتزام بالحل الوسط الذى توافقت عليه الجماعة الوطنية بكل أطيافها لعلاج خطيئة ترك مهمة صناعة الدستور الدائم للوطن لبرلمان المفروض أن أغلبيته (بصرف النظر عن طبيعتها وكيف أتت؟) متغيرة ولا تعبر بالضرورة عن كل مكونات المجتمع، وأقصد بهذا الحل قائمة المبادئ الدستورية الأساسية التى تحافظ على منجزات الدولة المصرية الوطنية الحديثة، وتقنن وتؤكد الحريات العامة والشخصية وحرية الفكر والاعتقاد وتكفل العدالة والمساواة المطلقة بين المواطنين ولا تفتح أى باب للتمييز بينهم على أساس اختلاف الدين أو العرق أو الجنس، وكذلك فرض الالتزام بمعايير منضبطة واشتراطات موضوعية صارمة تضمن أن يأتى تشكيل لجنة وضع الدستور متوازنا ومعبرا عن تنوعات النسيج الوطنى الاجتماعية والثقافية والسياسية وأن لا تهيمن جماعة أو اتجاه بعينه على هذه اللجنة على نحو ما رأيناه فى لجنة تعديلات الدستور الساقط سيئة الذكر والسمعة. غير أن المجلس العسكرى لا يبدو مؤهلا ولا قادرا على فعل هذا الواجب.. فأما الطرف الثانى فهو جماعة الإخوان نفسها (دعك من حلفائها البائسين) الذين ربما تدرك وتقتنع قبل فوات الأوان، بحقيقة أنه لا مستقبل لها خارج الجماعة الوطنية، وأنها لن تستطيع الانتصار فى معركة تأميم المجتمع ومصادرة تنوعه وسجنه فى زنزانة رؤاها وتصوراتها هى عن الحلال والحرام، وأن غاية ما ستنتهى إليه محاولاتها العبثية المتهورة على هذا الصعيد هو تكبيد الوطن خسائر وأكلافًا لا لزوم لها، ومن ثم تقبل طواعية بالحل الوسط آنف الذكر، وتكتفى بغنيمة القفز على نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان. فهل ستفعل الجماعة وتستجيب لنداء العقل وتتحلى بحس المسؤولية؟! أتمنى، لكنى لست واثقا من أن الغرور وسباق الغلو والتشدد الذى قد يفرضه السلفيون عليها سيمكنها من سماع صوت العقل، لهذا لن يبقى إلا المجتمع نفسه وقواه الشابة المتطلعة إلى المستقبل، يغمرها الشوق إلى النهوض والتقدم والتحرر من أغلال البؤس والتخلف، هذه القوى التى فجرت الثورة وصنعتها وما زالت تحرس أهدافها هى التى ستقاوم وتهزم مؤامرة محاولة فرض «الظلام» بالدستور وتقويض حلم بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية!! باختصار.. «ميدان التحرير» ليس بعيدا عن مبنى «مجلس الشعب» كما أن يوم «25 يناير» آتٍ على الأبواب وسوف يداهم الجميع.