بغض النظر عن أسباب ومبررات الإخوان فى الانسحاب من المجلس الاستشارى العسكرى.. فإن السؤال يتجدد: ما دور هذا المجلس؟ ولماذا الآن؟ ولماذا تتكالب عليه الشخصيات ويمنحون الثقة ل«العسكرى» الذى فقدها شعبيا لأدائه السيئ والفاشل خلال الأشهر العشرة الماضية من عمر الثورة العظيمة؟! كل تلك الأسئلة وغيرها مطروح دون إجابة، خصوصا من الذين استجابوا سريعا لدعوة المجلس العسكرى.. .. وذلك فى ظل الارتباك الذى يشهده «العسكرى» والتصريحات المتناقضة بين جنرالاته حول دور هذا المجلس، وهى تصريحات تصب فى الالتفاف حول مطالب الثورة الحقيقية، والتى فشل المجلس العسكرى -عمدا- فى تحقيقها. فنجد جنرالا يتكلم عن الدور المهم والأهم للمجلس الاستشارى فى التخطيط للمرحلة الانتقالية (التى لا يعلمون متى تنتهى)، بما فيها قانون انتخاب رئيس الجمهورية، واختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التى تشارك فى وضع الدستور الجديد، كما قال اللواء مختار الملا للصحافة الأجنبية، وهو بالطبع ما أغضب الإخوان.. وأعلنوا انسحابهم من المجلس الاستشارى وهم الذين شاركوا فيه من البداية.. واجتمعوا عدة مرات مع المجلس العسكرى، وربما كانوا موافقين على أشياء كثيرة.. كما وافقوا من قبل على وثيقة المبادئ الدستورية الحاكمة، فى مقابل إجراء الانتخابات أولا.. وعادوا ليسحبوا موافقتهم بعد ذلك! ونجد جنرالا آخر، وهو اللواء الدكتور ممدوح شاهين، الذى تم صرفه من قبل المجلس العسكرى كفقيه قانونى، ينفى كل ما ذكره الجنرال الملا من دور المجلس الاستشارى فى وضع القوانين واختيار أعضاء اللجنة التأسيسية، مؤكدا أن البرلمان هو المنوط بذلك.. والجنرال ممدوح شاهين.. (وما أدراك ما ممدوح شاهين) هو من أتى بالمستشارين القانونيين الذين وضعوا الخريطة القانونية المرتبكة.. وأدخلونا فى الجدل العقيم ما بين «الدستور أولا» أو «الانتخابات أولا».. لينتصر المجلس العسكرى ل«الانتخابات أولا»، وعبر الاستفتاء الذى روجوا له باعتباره معبرا عن شرعيتهم فى السلطة.. فهذا ما كان يهم الجنرال ممدوح شاهين لتقديمه إلى جنرالاته باعتباره الفقيه القانونى الذى كان يحضر إلى مجلس شعب فتحى سرور المزور.. ولجان التشريعات التى كان يرأسها مفيد شهاب.. ومعه عدد من القانونيين الذين كانوا فى خدمة نظام مبارك المخلوع، والذين كانوا يقدمون خدمة القوانين التفصيل على مقاس مبارك وعصابته.. وهم من استعان بهم أيضا الجنرال ممدوح شاهين لوضع القوانين الجديدة المشوهة والسيئة، من قانون مباشرة الحقوق السياسية.. فالأحزاب.. فقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر العجيب والغريب.. فلماذا إذن المجلس الاستشارى ل«العسكرى»؟! .. ولماذا انسحب الإخوان الآن على الرغم من أنهم كانوا مشاركين ويعلمون الكثير.. وينسقون مع المجلس العسكرى من اليوم الأول، ويطلعون على كثير من الأمور قبل أن تصدر عن المجلس العسكرى؟ويستجيب الإخوان لطلبات «العسكرى» بالنزول فى المظاهرات أو الابتعاد عن المليونيات المطالبة برحيل «العسكرى». بل هناك حوار دائم ومتصل.. وهناك شخصية قيادية إخوانية تذهب إلى «العسكرى» بشكل أسبوعى للحوار المفتوح المتواصل بين الطرفين، والتنسيق بينهما.. فلا غرابة فى موقف الإخوان الذين ربما أصابهم الغرور بنتائج انتخابات مجلس الشعب فى المرحلة الأولى، وهى نتائج لم يكونوا يتوقعونها.. لكن جاءت نتيجة خدمة المجلس العسكرى لهم بإطالته الفترة الانتقالية، وإجراء الانتخابات دون وجود لقواعد معلومة أو حتى اختصاصات واضحة للبرلمان، ودون دستور.. وإبقائه على جماعة الإخوان -بمرشدها ومكتب إرشادها بعد أن حصلوا على حزب شرعى-تمارس السياسة وغيرها وتحصل على تبرعات وتمويل وتفتتح المقرات.. ولا أحد يسألها عن شرعيتها الآن! الغرابة الآن فى موقف الذين استجابوا لنداء «العسكرى» لتشكيل المجلس الاستشارى، ومن بينهم أصدقاء وشخصيات محترمة.. وبينهم أيضا من كانوا فى لجنة الحكماء فى أثناء أيام الثورة، ومنهم من يركبون قطار الثورة الآن.. وكانوا ضدها.. وينافقون النظام المخلوع.. وقد استطاع المجلس العسكرى أن يجمع بين الشتات، ليجلسوا معا ويرضوا بما يفرض عليهم.. وهو فى النهاية تجميل للمجلس الذى فشل فى إدارة البلاد فى الفترة الانتقالية، والتف حول مطالب الثورة والثوار.. وجاء الآن ليستعين بالمدنيين.