فى كل التشكيلات والمجموعات السياسية، عادة ما تكون القواعد أفضل وأنقى وأفهم من قمة الهرم، إلا فى تشكيل واحد: الدكتور البرادعى وحملته، وأدور أحدث نفسى: يا جدعان حد ينقذ الراجل من حملته. إلا أنه، وإحقاقا للحق، نزل أعضاء حملة البرادعى كافة إلى الميدان فى أثناء حرب الأيام الست. لم يكن الأسبوع كله مرارا، كان مطعما برائحة الدماء والغاز وأصوات الصفارات التى يطلقها الشباب استعدادا للهجوم، وبفضل حزب الكنبة، الذى سأعيش ما تبقى من عمرى ممتنة له، تجدد طعم الأمل. لأول مرة منذ سقوط مبارك تجتمع المليونيات اليومية فى الميدان دون القوى السياسية، ولأول مرة على الإطلاق تهتف هذه المليونيات: قول ما تخافشى العسكر لازم يمشى.. مش حنمشى المجلس يمشى. إذن.. فليرحل العسكر. ارتفعت بعض الأصوات القليلة المربكة: وإيه البديل؟ وكانت هى ذات الأصوات التى تحدثت عن «الفراغ الدستورى» إذا ما تنحى مبارك. قال الناس: مجلس رئاسى مدنى. قلت: حقة بقى يا جدعان.. الدكتور البرادعى دايما كده سابق عصره ويقول الحاجة ما نفهمهاش وفى الآخر يطلع معاه حق، هو أول من نادى بمجلس رئاسى مدنى... توكلنا على الله. قال الناس كلهم: توكلنا على الله. وطرحوا أسماء توافقية ليكفوا أنفسهم شر اعتراض التيارات السياسية التى لا ترحم ولا تترك غيرها يعمل لاستنقاذ الأبرياء من تحت الدبابة. طيب.. توكلنا على الله... هييييييه... إحم... هممممممم... يا الله... يا ولى الصابرييييييين... ما تخلصونا بقى هنجتوا مننا ليه؟ الناس تموت، وتطرح أسماءكم فى الميدان، وكنا ننتظر منكم، ومن الدكتور البرادعى تحديدا، أن تنزلوا بخيامكم إلى الميدان وتقولوا: جئنا لنموت مع الناس، لا أن تأتوا زوارا طوافين، وانتظرنا إعلان المجلس الرئاسى المدنى من الميدان، لا أن يجتمع بعضكم بالمجلس أو المشير، وتوقعنا تمسككم بمطلب المجلس الرئاسى المدنى، لا أن تبلبلوا الناس وتتحدثوا عن «حكومة إنقاذ وطنى»! ولم نتوقع أبدا أن تفتحوا نقاشات جانبية خاصة بتأجيل الانتخابات ليتحول الصراع من مطلب إجماع شعبى بإسقاط الحكم العسكرى إلى تنازع مع قوى سياسية أخرى، عليها عفريت اسمه الانتخابات. لا أفهم كيف كان يخلد مرشحو الرئاسة إلى النوم ونحن نقضى ليلنا مع القنابل وأصوات الإسعاف؟ ولماذا لم يضع أحدهم الروب على كتفيه وينزل مسرعا ليدور على كل الشخصيات المهمة ويطلب منهم خلق بديل مستقل عن الحكم العسكرى؟ ثم إن عشمى الشخصى فى الدكتور البرادعى خيل لى أنه أول من سيندفع نحو الميدان ويبيت فيه ويعلن المجلس الرئاسى المدنى منه ويدور على بيوت الشخصيات التوافقية ليطرق أبوابها قائلا: الناس تموت.. وإن لم تهبوا لإنقاذها فسأفضحكم جميعا. ما هو أنا نوارة عشم مش نوارة نجم. انتظرنا، وانتظرنا، وانتظرنا، ولا حد سائل فينا. ثم أخذ بعض الشباب زمام المبادرة بأيديهم وذهبوا إلى مرشحى الرئاسة فحدث ما يلى: قال الدكتور البرادعى: اتفضلوا عندى فى البيت. فقال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح: وليه نروح له البيت؟ ما ييجى هو أو نتقابل فى حتة محايدة، فقال الدكتور البرادعى: وهو ليه ما يقبلش عزومتى؟ كل ده والمطرة والقنابل نازلين على دماغنا. ثم صرح كل من اقترح اسمه فى المجلس الرئاسى المدنى للشباب بأن حكومة الإنقاذ الوطنى ستكون أفضل! أفضل طبعا.. لأن حكومة الإنقاذ الوطنى هى فى الواقع حكومة إنقاذ العسكر، ولن تفرض على أعضائها أى مواجهات مع المجلس العسكرى.. نعم، هكذا يقف الفقراء ليواجهوا الموت، بينما تتهيب النخبة من الاجتماع بشكل منفصل عن علم المجلس العسكرى حتى لا يفهم من اجتماعهم أنهم يتحدون العسكر، ثم إن حكومة الإنقاذ الوطنى لن تتشكل إلا بتكليف من العسكر، وليس فيها أى إجراء ثورى. موظفون يعنى، لما سيادة المدير يبقى يبعت لى الملف أبقى أبص فيه. أما شباب الحملات فهم لا يختلفون كثيرا عن الذين وقفوا يكبرون بعد أى جملة يقولها حازم أبو إسماعيل حتى لو عكس بعضها. كان الحكم العسكرى على شفا جُرف هار، وكان على وشك الانهيار، لولا تباطؤ الشخصيات التى عوّلنا عليها، واقترحنا أسماءها، وظننا أنها ستهب لنجدة مساكين فقراء لا يملكون من الدنيا سوى أرواحهم ليبذلوها فى سبيل بلادهم، وقال أحدهم لإحدى الناشطات التى دخلت فى شارع محمد محمود: ارجعى يا ست.. إنت شكلك بنت ناس، إحنا داخلين نموت وانتوا لازم تعيشوا عشان تخلوا البلد نضيفة! خطأ... أخطأت يا أخى، كان يجب أن تموت النخب وتعيش أنت، إن كنا نريد أن تصبح البلد «نضيفة». لسه الغسيل ما خلصش.