■ قرأت عن الانتهاكات فى أثناء المرحلة الأولى من الانتخابات، لكننى لم أقرأ شيئا عن توقيع العقوبات على من قام بها. وهذا التسيب أو الإهمال، بالضرورة، يؤدى إلى تكرار الانتهاكات نفسها، أو المزيد منها، طالما أن القانون مجرد حبر على ورق. والأكثر خطورة من الانتهاكات هو أن تجىء نتائج الانتخابات ليست دقيقة وليست نزيهة، وإنما جاءت لتعكس مصالح الذين قاموا بالانتهاكات. أليس هذا هو الغرض من تجاوز القانون دائما؟ ■ عدد لا بأس به من الناس قام بالتصويت، ليس اقتناعا بالعملية الانتخابية، ولكن خوفا من الغرامة المالية، المفروضة، على عدم المشاركة فى الانتخابات. وهنا أود الإشارة إلى أن هذه الغرامة، فى حد ذاتها، ضربة ضد الديمقراطية. فالديمقراطية لا تعنى فقط الحرية فى الترشيح وفى الانتخابات، وضمان عدالة بين القوى السياسية، فى الدعاية الانتخابية. لكنها أيضا تعنى الحرية بين الانتخاب وعدم الانتخاب أساسا.. أن تكون حرية المشاركة محترمة تماما، مثل حرية عدم المشاركة. فما هذا الانتخاب القائم على الخوف من دفع غرامة مالية؟ ما هذه المشاركة التى تنبع من تفادى أوصاف مثل: «السلبية»، و«خيانة الأمانة»، و«التهاون فى ممارسة الحق»؟ إذا كان من حقى المشاركة بصوتى فى الانتخابات، فالمفروض أن يكون من حقى أيضا عدم إعطاء صوتى، هذا إذا كنا نتكلم عن الديمقراطية الحقيقية، وليس استعراضا لها. ■ سألنى البعض من النساء، والرجال: «لمن أعطى صوتى؟ ومن هو المرشح الذى يستحق؟ فأنا لا أعرف من الأصلح لمصر.. ومن الأكثر كفاءة فى قيادة الوطن.. الجميع يرتدون أقنعة.. كيف إذن أستطيع التمييز بين العملة الأصيلة، والعملة المزيفة». وكانت إجابتى أن مساوئ كل القوى والأحزاب السياسية هى أقل بكثير من مساؤى الحكم السياسى، المغلف بالمرجعيات الدينية. نحن نستطيع أن نخالف أى حزب مدنى مهما بلغ جبروته. ففى النهاية يقف القانون الوضعى، والعقل، والمنطق، والقيم العادلة حكما بيننا. أما مخالفة الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية، فإن مخالفتها تعنى مخالفة الله، والاعتراض على مشيئته، ومناقشة أحكامه. وبالتالى، فهى، إما تكمم الأفواه، وإما تحكم على من يخالفها بالكفر والتعدى على الذات الإلهية. والعقاب لا بد أن يكون رادعا، وعبرة للآخرين، وهو أقصى عقاب جسدى ممكن، حتى الموت. ولذلك فإن الحكم السياسى بالدين هو تاريخ الحروب الأهلية الدموية وبحور الدم، والتعذيب، والسجن، والتنكيل. ■ قالت لى إحدى النساء المحجبات، تعمل فى سوبر ماركت: «رحت أنتخب فى اللجنة بتاعتى، لقيت ورقة كبيرة مليانة أسامى، وصور كتيرة، ماعرفتش أميز أى مرشح.. سألت واحدة منقبة كانت واقفة ورايا، فقالتلى على أرقام أعلم عليها.. ولما خرجت من اللجنة عرفت أنها خليتنى أنتخب الإخوان المسلمين زيها». قلت لها: «وانتى مش عاوزة تنتخبى الإخوان المسلمين؟». قالت: «مش عشان أنا محجبة، يبقى عاوزة الإخوان المسلمين... أنا مالياش دعوة بيهم خالص، وأنا مش محتاجة الإخوان أو غيرهم، عشان أعرف ربنا». ■ حينما كان الاستفتاء على أيهما يأتى أولا، الدستور أم الانتخابات، رأيت أن الدستور لا بد أن يعد قبل إجراء الانتخابات. فهذا هو الطبيعى. لكن إجراء الانتخابات قبل الدستور، مثل من يأتى بالأزرار قبل القميص.. أو كمن يقوم بتلحين أغنية لا يعرف كلماتها. والآن، بعد نتائج المرحلة الأولى، من الانتخابات، أتساءل: هل تغير رأى الذين قالوا «نعم» للانتخابات قبل إعداد الدستور؟ ■ أسكن فى شبرا، حيث يحيط بى مجموعة هائلة من المساجد، والزوايا، والجوامع، التى تزعق ميكرفوناتها كلها، فى وقت واحد، فى أوقات الصلاة. وتزداد شدة الميكرفونات، فى خطبة الجمعة. يوم الجمعة الماضى 2 ديسمبر 2011، بعد ثلاثة أيام من إعلان نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات. كانت الخطبة فى أحد الجوامع، ولمدة 45 دقيقة، عن ضرورة التصدى لأعداء الدين، وكفار الوطن، وخصوم المسلمين. وأفتى خطيب الجامع بحرمانية ترشح النساء، وضرورة لبس النقاب للمرأة التى تذهب إلى صناديق الانتخاب، وبكفر وإلحاد التيارات العلمانية الليبرالية، التى تمشى على هوى الغرب. هكذا فى 45 دقيقة تشوه كل حياتنا السياسية والثقافية والأخلاقية. هكذا فى 45 دقيقة على الملأ وبالميكرفون، تستباح مصر، وأوله استباحة الهواء فى ضوضاء الميكرفون، ثم يتم التحريض الفعلى فى عز الضهر، على تقسيم الوطن إلى كفار ومسلمين.. إلى أصحاب الدين وأعداء الدين، بناء على سوء النية وعدم الفهم. أتساءل: ألا يوجد ضوابط تعمل فى إطارها المساجد والزوايا والجوامع؟ لماذا لا يحظر استخدام مكبر الصوت؟ لماذا لا يحظر على خطباء المساجد والزوايا والجوامع خلط الكلام فى الدين بالكلام فى السياسة، خصوصا إذا كان الكلام ضد نمط الحياة التى اختاره الوطن منذ زمن؟ مَن يقوم بدعم وتمويل المساجد والزوايا والجوامع، التى تزرع الفتن، وتشتم النساء، وتحرض على سفك الدماء؟ ■ شاهدت أحد البرامج فى التليفزيون المصرى يناقش مستقبل الوطن إذا تولى الحكم التيار الإسلامى. تطرق النقاش إلى جميع نواحى الحياة، وكيف يمكن أن تتأثر بالحكم الإسلامى، سواء كان وسطيا، أو متطرفا. انتهى البرنامج دون أن يقول أحد كلمة واحدة عن تأثير الحكم الإسلامى، وسطيا، أو معتدلا، على النساء. وبدا الأمر منفرا أكثر، حيث استضاف البرنامج امرأة ضمن الضيوف. كيف يتم تجاهل وضع النساء تحت الحكم الإسلامى ونحن نعرف أن «المرأة» هى الشغل الشاغل لكل من يتكلم بمرجعية دينية؟ كيف يتم استبعاد النساء من تأثيرات الحكم الإسلامى، ونحن نعرف أن كل المرجعيات الدينية هى مرجعيات ذكورية، متزمتة، متعصبة، متطرفة، ضد المرأة. ■ من حق ثوار التحرير أن يأخذوا هدنة «استراحة المحارب».. حيث راحة الجسد والعقل.. حيث تشحن قواهم، للمزيد من المثابرة والصمود لحماية الثورة، فى كل مراحلها المتعاقبة، وعدم التنازل عن مطالب ميدان التحرير.. فهذا هو معنى الوفاء لثورة ترسم ملامح الوطن من جديد. من واحة أشعارى: اكتشفت أخيرا أننى لا بد أن أموت حتى أعيش وأننى حتى أرى أعمق لا بد أن أطفئ الأنوار ولا بد أن أغلق الشيش اكتشفت أخيرا أن الحمل الوديع عليه أحيانا لبس جلد الشراسة حتى تختفى كل الوحوش والخفافيش