بعد أن خذله البورسعيدية فى الانتخابات وصوتوا لمنافسه ممثل الإخوان كما صوتوا لكل ممثلى التيار الدينى، فى انتخابات يحكمها قانون يحرم قيام الأحزاب على أساس دينى، ويجرم استخدام المرشحين للشعارات الدينية، قصد جورج إسحاق صديقه القديم أبو العربى ليبث إليه شجونه، وقابله أبو العربى مرحبا: - قشطة ياسيحة. - مش قشطة خالص يا ابو العربى. - ما انا حذرتك وانت ماسمعتش كلامى. - إيه اللى حصل للبورسعيدية يا ابو العربى همّ مش عارفِنّى؟ - إنت اللى مش عارفهم يا سيحة. - أنا فعلا مابقتش عارفهم، فين بورسعيد الوطنية يا ابو العربى؟ - تعيش وتفتكر يا جورج. - فين أحفاد ستة وخمسين؟ - خدهم الغراب وطار. - فين بورسعيد المينا والبحر والشماسى والبلاج والغنا والرقص والسمسية والمرح والفرح والحب والبهجة والمودة والوحدة الوطنية؟ - طول عمرك رومانسى يا جورجو وعايش فى زمن الأبيض واسود ومش واخد بالك إننا بقينا فى زمن الاسود فى اسود. - يعنى إيه يا ابو العربى؟ - إنت مامشيتش فى الشوارع؟ - مشيت. - ماشفتش الستات والبنات لابسين إيه؟ - لابسين إيه؟ - عبايات سودة.. - من إمتى حصل الكلام ده يا ابو العربى؟ - من يوم ما السادات أخد مصر كلها ورماها فى حفرة من العصر العباسى، بورسعيد اللى بتسأل عليها مسافرة مشوار بعيد ومش راجعة قريب. - هستناها يا ابو العربى. - مش بقولك رومانسى يا سيحة!! - كده تبقى الثورة فشلت!! - لأ الثورة نجحت.. بس الشعب هو اللى سقط.. - مش مصدق إن بورسعيد تدينى بمبة!! - أنا مش حذرتك وقلتلك بلاش تنزل الملعب، وقلتلك إن الجمهور متعصب يا سيحة. - ماكانوش كده!! من إمتى التعصب ده يا ابو العربى؟ - من زمان قوى يا سيحة، إنت عارف السايح اللى امه داعية عليه ومركب تربط فى القنال ويغلط ويخطى برجله بره باب المينا عشان يتفرج على البلد بيحصله إيه؟ - بيحصله إيه يا ابو العربى؟ - بيلعن اللحظة اللى خرج فيها من باب المينا، السياح بيخرجوا على عماهم عشان يشوفو البلد، يلاقوا سِحَن كارهاهم، بيموتوا فى جلدهم وبيرجعوا جرى على مراكبهم، تعرف يا سيحة، إن أنا وكل البمبوطية اللى زييى عايشين على السياحة شحتنا، وفى الآخر فتحنا غرز. «هنا انتبه جورج وانتفض واقفا وسأل أبو العربى وهو يتأمل المقهى بقلق: - هى دى غرزة يا ابو العربى؟ - أحيانا. - اللة يخرب بيتك يا ابو العربى، أنا أدخل غرزة؟ دا لو حد شم خبر مستقبلى السياسى يضيع. - إنت مالكش مستقبل سياسى أساسا فى البلد دى يا سيحة، إنت وكل اللى زيك. - يا خسارة يا ابو العربى.. - إيه اللى حصلك يا ابو العربى؟ - نزلت النهر. - نهر إيه؟ - نهر الجنون. - ليه يا ابو العربى؟ - عايزنى أفضل بعقلى فى بلد كلها شربت من النهر !! عايز العيال يجروا ورايا بالطوب ويقولوا علىّ العبيط أهه!! نزلته بمزاجى بدل ما انزله غصب عنى. - طول ما مصر ولّادة هيفضل فيه أمل يا ابو العربى، والرهان مش على العواجيز اللى زيك، الرهان على الأجيال الجديدة. - اللى انت ماتعرفوش ياسيحة إن الأجيال الجديدة هى كمان نزلت النهر، إنت شفت العيال اللى بتلعب قدام القهوة وانت داخل؟ - شفتهم، أهم همّ دول أمل مصر. - طب انت تعرف أمل مصر دول بيلعبو إيه قدام القهوة؟ - بيلعبو إيه؟ - لعبة الحرب. - وماله.. كلنا لعبنا لعبة الحرب، وكنا بنقسم نفسنا فريقين، فريق المصريين وفريق الإنجليز. - دا كان زمان.. العيال دلوقتى بتقسم نفسها فى لعبة الحرب فريق مسلمين وفريق مسيحيين. - «منزعجا بشدة» يا نهار اسود.. يانهار اسود.. إنت بتتكلم جد يا ابو العربى؟ - مش مصدقنى إطلع اتأكد بنفسك. - من إمتى الكلام ده بيحصل؟ - من عشرات السنين. - وساكت يا ابو العربى عشرات السنين؟ - عايزنى أعملهم إيه يعنى؟ - تطلع تشدهم من ودانهم وتقولهم كده عيب؟ - إطلعلهم انت يا خويا ورّينا شطارتك. - طبعا هطلعلهم، وانت هتطلع معايا. - لأ أنا مأنتخ فى النهر. - خليك مأنتخ يا ابو العربى «وخرج جورج من المقى وهو يردد: - يانهار اسود.. يانهار اسود. «بعد قليل سمع ابو العربى هرج ومرج خارج المقهى، ثم رأى صديقه جورج عائدا إلى المقهى مهرولا مرعوبا وهو يحتمى بأبو العربى: - إلحقنى يا ابو العربى. «فوجئ أبو العربى بالأطفال يمطرون المقهى بوابل من الحجارة وهم يطاردون جورج ويهتفون فى صوت واحد» - العبيط أهه أهه..