دون شك هناك نية للإصلاح.. .. وهناك استجابة لمطالب الشعب والثورة.. وتلك الاستجابة للمطالب تحققت، وبشكل أسرع، منذ استعادة الثوار للثورة فى نزولهم إلى ميدان التحرير فى 8 يوليو الماضى.. لتأكيد أن هناك ثورة، وأن هناك مطالب لتلك الثورة يجب تنفيذها وبشكل عاجل. .. فقد بدأت محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك وولديه، وتمت إذاعتها على الهواء.. وكذلك محاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين، وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى.. وشاهد الناس جميعا الرئيس المخلوع وأفراد عصابته على الهواء مباشرة وهم فى قفص الاتهام. .. وحدث تغيير وزارى.. وإن كان استعانوا فيه بالفلول ومنتسبى النظام السابق الذى يتبرأ منه الجميع حتى الآن. .. وحدث تغيير فى المحافظين، وإن أتوا بشخصيات من الزمن البائد أيضا ليضعوهم على رأس المحافظات، واختياراتهم تؤكد التغيير الفعلى، لكن كفاءاتهم -أقصد هنا الذين يحكمون- الضعيفة لا تسعفهم على الاختيار الصحيح.. فبدت من تلك التغييرات عودة الفول. .. وبدأ الاهتمام بملف الشهداء وتفعيله وصرف حقوق أسر الشهداء والمصابين. تنفيذ أحكام القضاء الخاصة بحل اتحاد العمال الذى كان الذراع العمالية للحزب الوطنى المنحل، والذى استخدمه أسوأ استخدام.. وشارك الاتحاد فى محاولة إجهاض الثورة وقتل المتظاهرين، وأذكركم أن رئيس الاتحاد «المنحل» محبوس الآن لاتهامه فى قضية موقعة الجمل، ومعه أيضا زميلته وزيرة القوى العاملة السابقة عائشة عبد الهادى.. وربما هناك كثير من قيادات الاتحاد «المنحل» الذين استطاعوا الهروب من القضية، لكن ستظل اللعنات تطاردهم. .. وقبل ذلك حل المجالس المحلية.. التى كانت بؤرة فساد للحزب الوطنى «المنحل». .. وأيضا حل الحزب الوطنى نفسه، الذى لم يكن حزبا سياسيا.. وإنما كان كيانا لمن أهانوا وأهدروا حقوق البلد.. والمتسلقين إلى المناصب العليا، ومن يريد أن يكون صاحب نفوذ يستطيع الحصول على تسهيلات حكومية وأراضى الدولة. الحزب الوطنى الفاسد.. الذى خرب البلاد وجعلها ضيعة خاصة بالرئيس المخلوع وابنه الذى كان يسعى لوراثة كرسى الحكم، بمساعدة رجال أعمال محتكرين فاسدين.. كان مصيره ومصيرهم المحاكمة. وإن كنت أرى أنه كان من الواجب أيضا أن تحل الأحزاب التى شاركت الحزب الوطنى الفساد السياسى خلال الفترة الماضية، والتى كانت تدار من خلال صفوت الشريف أمين الحزب الوطنى، وضباط مباحث أمن الدولة الذين كانوا على علاقة جيدة جدا بقيادات تلك الأحزاب.. بل إن هناك قيادات حزبية أقامت علاقات «بزنس» مع تلك القيادات الأمنية.. وللأسف أتباع هؤلاء يمثلون الآن فى حكومة الثورة -أقصد حكومة شرف- ويتكلمون عن الديمقراطية والحوار الديمقراطى!! ومع كل ذلك هناك كارثة يمكن أن تفجر كل شىء، وهى المتمثلة فى قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى.. ولا نعرف حتى الآن لماذا الالتزام بأن يكون هناك مجلس للشورى. فهذا قانون انتخابى عجيب وغريب ولا يمكن أن يكون قانونا صدر بعد ثورة كان أحد أسبابها الرئيسية انتخابات مجلس الشعب المزورة التى جرت فى 2010. فهو قانون معقد لم يراع إطلاقا إصلاحا أو تغييرا أو دفع القوى السياسية الجديدة للمشاركة فى الحياة السياسية. .. انتخابات لا هى قائمة.. ولا فردية. إنه قانون يكشف عن الالتفاف الذى حدث بعد الثورة مباشرة، فبدلا من وضع دستور جديد للبلاد يضع خارطة طريق لنقل البلد إلى مسار جديد، وهو الذى كان مطلبا رئيسيا للثورة اتفقت عليه القوى السياسية جميعا.. لكن هناك من استطاع أن يقسم تلك القوى ما بين الدستور أولا.. والانتخابات أولا.. ودفع القوى لتبنى الانتخابات أولا، لنجد قانونا لا يمكن أن يوصف «بالعار»، وكأنه شارك فى وضعه ترزية القوانين فى عهد النظام المخلوع.. ولم لا وهم لا يزالون أصدقاء ومستشارين لبعض النافذين حاليا مع الذين يحكمون البلاد. مطلوب الآن وفورا تغيير هذا القانون.. حتى ولو بالعودة إلى القانون القديم الخاص بالانتخابات الفردية.. فهو أفضل بكثير من القانون «المرقع» الذى وضعوه. التغيير الآن فى قانون الانتخابات.. وإلا انتظروا كارثة كبيرة.. تعطل الحياة الديمقراطية فى مصر التى قامت من أجلها الثورة.