.. مستلقية ابنتى فوق ذراعى ما بين الصحيان والنوم (وهى الفترة المسمّاة بنوم الثعالب، حيث يكون ملاك النوم قد فقد أكثر من ثلثى طاقته فى حربه ضد ابنتى فتظل متيقظة مع شعور عام بالتنميل قد ينسحب فى لحظة مباغتة فيصبح الاستيقاظ فى أفظع حالاته)، كنا نتابع سويا برنامجا عن نجاح دولة القانون فى عزل المنتمين إلى الحزب الوطنى بقوة منصة القضاء بعد أن عجز المجلس العسكرى عن تطبيقه بقوة منصات الثورة، هذا هو الانتصار الأهم لدولة القانون من بعد الثورة، إذ جاء الحكم ثوريا يغلق الباب أمام محاولات الالتفاف على العزل وأمام كل الثغرات القانونية المحتملة إذا ما نجح مرشحو الحزب المنحل فى الانتخابات القادمة (بقدر ما شهدت الأيام السابقة حكايات عن نواب الحزب السابقين الذين احترموا أنفسهم واحترموا إرادة الشعب والثورة فابتعدوا عن الترشح على الرغم من عدم وجود قانون صريح يمنعهم من ذلك.. بالقدر نفسه كانت البجاحة مستحكمة فى دوائر كثيرة من بينها فى مدينتى سوهاج، حيث ترشح ثلاثة نواب سابقين وعلقوا لافتاتهم فى كل مكان.. بالمناسبة هناك اثنان منهم فى السجن حاليا وكان ترشحهم إمعانا فى البجاحة)، وكعادة كل البرامج الحوارية انزلق الحوار إلى مناطق مملة لا يميزها سوى أن كل واحد من الضيوف تحول إلى ميكروفون يزايد على قوة الميكروفونات التى تشاركه الحوار فلم يعد واضحا «مين بيقول إيه»، فى الوقت نفسه بدأت ابنتى تنزعج من هذا الضجيج وكان لا بد من الهروب إلى محطة تساعد ملاك النوم على أداء مهمته. عادة ما يلجأ الواحد إلى محطات الأطفال التى تبث أغنيات هادئة أو موسيقى ناعمة على خلفية من الرسوم المتحركة مثل «بيبى تى فى»، حولت المحطة فتوقفت بالصدفة أمام أغنية شعبية فاحشة وصاخبة. كان صوت المحطة نفسه أعلى من حفلة الميكروفونات السابقة، فانتفضت ابنتى على صوت الأغنية التى تقول «اللى تهز شمال ويمين.. بالعباية والناس ماشيين.. دى عباية تخلينا نحتار وعباية تدخلنا النار».. صدمتى جعلتنى أتوقف لثوانٍ أمام المحطة لأعرف مَن المطرب ومحطة إيه دى (خالد رجب إذن يغنى على محطة جديدة اسمها المولد)، خلال هذه الثوانى كان ملاك النوم قد انسحب من شارع قصر العينى كله فوقفت ابنتى فوق ذراعى بعفوية وعنف وهات يا رقص ولا الموديل الذى يشارك الأستاذ خالد رجب فى غنائه لقصيدة (العباية)، رقص ابنتى الهستيرى الخالى من أى توافق عصبى عضلى والملىء بالتلطيش على الوجه والعين كان مفاجئا بحيث أفقدنى السيطرة على الموقف، فى مثل هذه اللحظات أخاف عليها من هذا التلوث السمعى البصرى فأمسكت الريموت وهربت من المحطة لأخرى فوجدت الأستاذ عماد بعرور بكل ما وهبه الله من طرانشات فى حنجرته يغنى «البعد عنها شحططه والقرب منها مرمطة» الحقيقة الكليب كان آخر «مرمطة» بالفعل والمحطة اسمها «شعبيات»، على بعد ضغطة أخرى كان الأمر وقد أصبح أسوأ على محطة اسمها «التت»، ثم أسوأ على محطة اسمها «دربوكة»، كانت ابنتى فى قمة الانفعال والمرح مع كل ضغطة على الريموت تلقى بنا فى واحدة من هذه المحطات الجديدة التى تخصصت فى نوع غريب من الفن وأرجوك لا تسمه فنا شعبيا فهناك فارق بين الغناء الشعبى والغناء الواطى، هناك فارق بين الطعم البلدى وطعم عربات الكبدة الملوثة، تماما مثل الفارق بين محمد رشدى وأحمد عدوية وعبده الإسكندرانى وحفنى أحمد حسن وبين «البعد عنها مرمطة». أندهش كثيرا من قدرة وزير الإعلام على غلق قناة «الجزيرة مباشر مصر» لأنها تهدد الاستقرار (سيبك من مبرر أن ورق ترخيصها مش جاهز.. الكلام ده تقوله فى جرنان «المساء») والتلويح بإغلاق «أون تى فى» و«التحرير» لأنهما لا تعملان حسب الترخيص الصادر لهما، وفى الوقت نفسه يشهد عهده انطلاق هذه القنوات الكارثية. ما الترخيص الذى حصلتْ عليه وتعمل بموجبه؟ وهل يرى سيادة اللواء وزير الإعلام أن «التت» و«المولد» و«شعبيات» تدعم الاستقرار؟ يعنى هىّ ناقصة يا سيادة الوزير؟، فى عهد حضرتك أصبح الفضاء محمّلا بقنوات إسلامية تحارب المسيحيين وقنوات مسيحية تحارب السلفيين وقنوات مُسفّة تحارب أن يتطور وعى الناس ويأخذه خطوة إلى الأمام! يا سيادة الوزير حرام عليك، ابنتى ذات الأشهر التسعة لم تعد مقتنعة بقنوات «نيكولدوين» أو «بيى تى فى» ولا حتى «كراميش»، وأصبحت كلما ضاق خُلْقها وعكننت علينا فى البيت بِوَصلة من البكاء والزّن والصراخ، أصبحتْ لا تستجيب لأى محاولات للتهدئة لا بالهدهدة ولا الرضاعة ولا بالصلاة على النبى والتكبير فى أذنيها، أصبحتْ لا تروق إلا إذا وضعتها فوق كتفى أمام محطة «المولد» بصوت عالٍ فتضحك وترقص وتتقافز بفرحة عارمة إلى أن يهدها التعب فتنام، يا سيادة وزير الإعلام أبوس شنبك ارحمنا البت بتضيع منى.