إعداد: وائل بدوي سوهاج، تلك اللوحة المضيئة التى تضم آثارا مبهرة من الحضارات الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية. سوهاج تلك المحافظة التى تضم معبد أبيدوس الذى بناه الملك سيتى الأول، فأدهش العالم، ورسم الفنانون الفراعنة على حوائطه بعض وقائع «رمسيس الثانى» الحربية، وانتصاراته فى آسيا، تحولت فى عهد مبارك إلى معبد كبير للجهل والقبلية والفقر (انتبه، فهى المحافظة رقم واحد من حيث ارتفاع معدلات الفقر)، لذلك لم يكن غريبا أن يضم هذا المعبد انكسارات الحياة هناك (الثأر، والعنف المحموم)، حتى لو كان السبب هو نكتة تافهة، أو معاكسة، تحولت لشجار بين مراهقين، فضربا بعضهما، لتثور العائلات (العرق الصعيدى يا أبو العم)، ويشتعل الموقف.. وتقوم القيامة! الحوادث كثيرة، وبالعشرات، وآخرها حادثة دار السلام، لكن أقدم منها نسبيا، أحداث جرجا عندما نشب شجار كبير سرعان ما تطور إلى إطلاق نيران كثيف بين أهالى نجع عويس، أحد نجوع المركز، وسكان المدينة بعد خلاف بين سائق توك توك وأحد أصحاب المحال بجوار مزلقان السكة الحديد، فأسفرت الأحداث الدامية عن مصرع ثلاثة أشخاص وإصابة أكثر من 25 شخصا.. لا سامح الله الجهل المدهش! دار السلام ..عرب وهوارة.. مسلمون وأقباط من المراكز صاحبة الطبيعة الخاصة فى محافظة سوهاج. «دار السلام» يمتد فى شريط ساحلى ما بين مركز أخميم شمالا حتى حدود مركز نجع حمادى التابع لمحافظة قنا، موازاة مع نهر النيل فى حضن «الجبل الشرقى» بطول 100 كيلومتر، فى الجهة الأخرى من مراكز المنشأة والعسيرات وجرجا والبلينا، لا يربطه بالغرب إلا كوبرى سوهاج شمالا وقناطر نجع حمادى جنوبا، وتتوسط مدينة دار السلام المساحة الطولية لحدود المركز، ويستخدم سكانها العبّارات النيلية فى التنقل بين شرق النيل وغربه، وكذلك المراكب الشراعية التى تتسبب فى كوارث غرق جماعية، خصوصا فى فترة امتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية العامة والأزهرية، لتبادل الملاحظين بين مراكز الغرب ودار السلام. طبيعة خاصة ترسم المشهد فى دار السلام، لطول امتداد المركز وترامى قراه العديدة فى شكل شريطى، فالخلافات قبلية وعرقية بعض الشىء وطائفية أيضا، بين القبائل العرب والهوارة، والمسلمين والأقباط. الأحداث الساخنة الأقرب فى دار السلام، تلك التى شهدتها قرية أولاد خلف بين المسلمين والأقباط، بعدما شرع قبطى فى بناء كنيسة دون تراخيص، مدعيا إقامة منزل خاص به، وبعد علم المسلمين بحقيقة المبنى تجمع عقلاء القرية وتوجهوا إليه، وبعد محاولات عديدة لإثنائه عن إقامة الكنيسة دون تراخيص، تطور الوضع بسرعة بعد توجه الشباب إليه، حيث الشاب القبطى على سطح البناية، وأطلق النار على كل من أسفله، فأصاب ثلاثة بينهم مجند قوات مسلحة، تصادف مروره فى المنطقة، لكن تدخل قوات الأمن والجيش حال دون تحول الواقعة إلى مجزرة. وليس ببعيد عن أحداث العنف، ما شهده مركز دار السلام من صراع بين عائلة قورة، من سكان المدينة، وإحدى عائلات قرية أولاد سالم، بعد مشاجرة فى سوق المدينة، سرعان ما تطور الموقف ليصبح مواجهة مسلحة بين الجانبين، شهد إطلاقا كثيفا للأعيرة النارية، ونتج عنها عديد من الإصابات، ولم يتوقف الصراع إلا بعد تدخل مكثف لقوات الأمن. الصراعات بسبب الأراضى الزراعية لم تغب عن أزمات دار السلام الدموية، فبعد أن وصل الصراع بين عائلتين من قرى أولاد خلف وأولاد سالم إلى مصرع شخصين وإصابة ستة، بعد نزاع على 18 فدانا، عادت المشكلة للواجهة مجددا خلال الآونة الأخيرة بتبادل لإطلاق النار، لكن تدخل الأمن المبكر أجل الأحداث، ربما إلى وقت آخر، لتظل بؤرة أزمة مستقبلية وشيكة يمكن أن تندلع فى أى وقت. أحداث قرية الكشح الطائفية الدموية الرهيبة، فى نهاية التسعينيات، تبقى هى الأشهر فى تاريخ دار السلام، بعد أزمة عنيفة بين المسلمين والأقباط، كانت بدايتها بين تاجر وزبونه فى سوق المركز، لكن سرعان ما انتقلت إلى القرية التى بدا فيها ما يشبه الحرب بين الطرفين، بعد أن تسلح كل جانب فى مواجهة نارية، امتدت إلى القرى المجاورة، حيث انتشرت الأكمنة الطائفية لتفتيش السيارات المارة عن أحد أفراد الطرف الآخر، لتنفجر أشهر الفتن الطائفية، التى كان لها صدى على المستوى العالمى بعد انتشار أخبارها بسرعة كبيرة فى وسائل الإعلام العالمية، حيث أسفر عن قتلى ومصابين من الطرفين، مما حوّل كل وسائل الإعلام فجأة إلى قرية الكشح، تلك القرية المجهولة فى مركز يقبع فى طى النسيان، إلا عند كل مصاب جلل، ليتم بعدها تغيير اسم القرية إلى «السلام»، وكأن المشكلة فى اسم تلك القرية، التى تعيش فى ترقب دائم لأى حدث يؤثر فى استقرارها، حتى إن كان فى قرية مجاورة، أو حتى فى مركز آخر. وتتميز قرية السلام بأغلبية قبطية، كما تتسم بأنها مركز تجارى كبير يفوق مدينة دار السلام نفسها، فيجذب رواجها عديدا من تجار المحافظة. ورغم المجهودات الكبيرة لرجال الأمن بالمحافظة لاستقرار الأمن بمركز دار السلام، فإن الوضع دائما على وشك الاشتعال فى أى وقت. البلينا ..التعليم يسقط أمام العصبية القبلية «الحلافى» تصنع السلاح.. و«برخيل وبنى حميل والوحلية» ساحات للثأر مركز حدودى يقع أقصى جنوب محافظة سوهاج على حدودها مع محافظة قنا. خمسة مجالس قروية داخل المركز، تضم عشرات القرى، تسكنها قبائل مختلفة، ما بين عرب وهوارة، فى صراع خفى أغلب الأوقات يرتكز على تاريخ الشجار فى المركز بعديد من البؤر الساخنة بسبب خلافات داخلية فى كل قرية، أو بسبب خلافات بين قرى مختلفة أنتجت عديدا من القتلى. خلافات عائلية راح ضحيتها ثمانية قتلى، من بينهم سبعة فى حادثة واحدة، من أبرز الأحداث فى المركز، التى شهدها أحد نجوع قرية برخيل، وكانت علامة من علامات الثأر السيئ الضارب بجذوره فى المجتمع الصعيدى، الذى يغذيه أصحاب المصالح الشخصية، ممن لا يعنيهم معاناة أطراف الخصومة أو ضحاياها. قرية الحلافى سقط بها عديد من الضحايا والقتلى، من الذين وقعوا فى مشاجرات قبائل العرب والهوارة، التى تعيش فى خلاف شبه دائم، راح ضحيته عديد من القتلى فى أحداث متفرقة بين الحين والآخر، وتشعله الأسلحة بشكل كبير، حيث تم ضبط مصانع أسلحة بالقرية. ومن البؤر الساخنة فى المركز قرية بنى حميل، التى شهدت عديدا من الصراعات الكبيرة، وراح ضحيتها المئات، بفعل الثأر اللعين، ورغم مرور عشرات السنين على انفجار تلك الصراعات، فإنها دائمة الظهور، ويستمر التلويح بها فى أبسط الخلافات. قرية الوحلية أيضا، فى صدارة المشهد الدموى فى البلينا، حيث شهدت الأحداث الدامية التى راح ضحيتها النقيب عمرو مسعد، والتى أصيب فيها مجند الداخلية صابر عبد الفتاح، فى حملة أمنية لضبط الخارجين عن القانون من تجار الأسلحة والمخدرات بعد تزايد البلاغات التى تؤكد انتشار تلك التجارة فى القرية بشكل كبير. ولم يشهد مركز البلينا صراعات بين القرى والمدينة، كما حدث فى جرجا أو دار السلام، لكن شهد المركز حالات عديدة من الثأر التى وقعت فى المدينة عن طريق أهالى القرى فى خصوماتهم مع قرى أخرى. ولم تخل المدينة من حالات الثأر، فقد شهدت مآسى دموية عديدة فى صراع كبير بين عائلات المدينة، أسفر عن عديد من القتلى فى حوادث متفرقة، على الرغم من ظروف المدينة التى تختلف عن القرى. ورغم تدخل أعضاء المجالس النيابية دائما فى إتمام الصلح بين الأطراف المتخاصمة، ورغم مرور أعوام عديدة على صراعات قبلية شهيرة فى البلينا، فإن أبسط الأسباب قادرة على تفجيرها من جديد، بل تتفجر بالفعل فى أحيان كثيرة، مما يؤكد أهمية خلفيات أى صراع فى التعرف على ما يمكن أن تسفر عنه الأحداث. ورغم مجهودات الأمن أيضا فى وأد الفتنة واستئصال الثأر، فإن طبيعة الصعيد والقبلية والعصبية الضاربة فى جذور سكان الجنوب تجعل من بعض العادات الخاطئة عائقا أمام الوئام الكامل، ورغم المستوى التعليمى المرتفع لأبناء القرى والنجوع، فإن التعليم يسقط دائما فى أول اختبار أمام العادات والتقاليد. جهينة .. «لا صلح فى الدم» تشتهر جهينة وهى مركز معزول فى حضن الجبل غرب النيل بموجات من الصراعات الكبيرة، خصوصا فى فترة الانتخابات التى تشهد مناوشات عديدة، تتطور فى الغالب إلى إطلاق الأعيرة النارية، كظاهرة معتادة جدا فى جهينة، تتوافق مع الطبيعة الجبلية الصعبة للغاية للمركز، لاقترابه الكبير من الجبل، حيث ما زال هناك ما يسمى بمطاريد الجبل حتى الآن، وفقا للمعادلة الصعيدية، ما دام هناك جبل فهناك مطاريد. تجارة السلاح هى سمة غالبة على سكان جهينة، حيث يعمل كثير من أبناء المدينة فى محافظة أسوان، تحديدا فى بحيرة ناصر، مما يجعلهم خط إمداد قويا، وعلى اتصال مباشر بمصادر تهريب السلاح من السودان، أو التسلل عبر الحدود لجلب الأسلحة وترويجها فى مسقط رأسهم، جهينة. ورغم انتشار تجارة السلاح فى جهينة فإنه يندر بها الثأر، لكن إن وقع قتيل فلا مجال للصلح، فكما يقول أحد أهالى تلك المدينة الجبلية «لا صلح فى الدم». حالات قتل عديدة يستتبعها ثأر بكل تأكيد، شهدتها قرى جهينة مؤخرا، خلال مشاجرات، فى قرية المحزمين وقرية الشريفة، وأغلبها بسبب خلاف على الأراضى الزراعية، حيث يتطور الموقف إلى معارك بالأسلحة والرصاص الحى