كان الشيخ صفوت حجازى يسعى لإعادة القناة التليفزيونية التى كان يقدم برنامجه فيها وربما كان شريكا فيها والتى أغلقتها وزارة الإعلام بالاتفاق مع أمن الدولة، حتى لا يمكن استغلالها فى الانتخابات البرلمانية وكذلك الرئاسية ضد النظام (هكذا كانت عقلية النظام قبل الثورة)، وقد جرى فى الوقت نفسه استبعاد عدد من الإعلاميين من القنوات الخاصة.. وتم تفعيل سيطرة الأمن على برامج التوك شو المسائية، فلم يكن يتم تقديم ضيف إلا بعد مراجعة من وزارة الإعلام وأمن الدولة... فى هذا الوقت كان يسعى صفوت حجازى بما له من علاقات قديمة لتقديم جميع المبررات بأن تلك القنوات لم يكن لها علاقة بالسياسة، ولكن لم يسمع منه أحد شيئا رغم أنهم كانوا يعرفونه جيدا، هو أحد الدعاة الجدد الذين يهتمون بعلية القوم، ويقدمون الفتوى على مزاجهم، ويذهب مرافقا معهم فى رحلات العمرة والحج.. يقدم خدماته بمقابل.. وبمقابل كبير. أصبحت علاقته قوية بأجهزة الأمن، فما كان منهم إلا استدعاؤه إلى السويس ليقف مع الشيخ حافظ سلامة لتهدئة السوايسة الذين أشعلوا الثورة أمام المشرحة التى بها شهداء اليوم الأول (25 يناير)، بصرف النظر عن مبررات أنصار الشيخ حافظ سلامة بأن وجوده جاء للإشراف على تغسيل الشهداء، وتم استدعاء الثانى خصيصا من القاهرة إلى السويس لإقناع المتظاهرين بالرحيل، وبالفعل بذل الثنائى جهودا كبيرة فى مشهد كان غريبا على السوايسة بأن ينحاز الكبير حافظ سلامة للأمن رغم مواقفه من حسنى مبارك، التى كان دائم التعبير عنها فى خطبة كل عيد.. مما دفع إلى التساؤل: هل حاول الشيخ الكبير أن يحافظ على كثير من المكاسب فى الثلاثين سنة الماضية التى جعلته من أصحاب الملايين؟ وهل خاف أن يفتح أحد ملفات الأراضى التى تاجر فيها عقب عودة السويس فى أواخر السبعينيات والأراضى الثمينة النادرة التى تم تخصيصها فى أرقى أماكن السويس لإنشاء مجمع مدارسه الذى يحمل اسم جمعيته المسماة بالهداية؟ كانت المفاجأة والدهشة صادمة لأهالى السويس أن يكون رمز عزتهم وصمودهم فى وجه الأمن يطالبهم بالرحيل.. لكنهم رفضوا الاستماع له أو لضيفه الذى جاؤوا به من القاهرة خصيصا لهذا الأمر لتبدأ قوات الأمن بإطلاق القنابل المسيلة للدموع من جديد على المتظاهرين، ولكن كان الوقت قد فات لم يعد هناك خوف، وقد فوجئ الجنود بأن الأهالى يبادلونهم قذف زجاجات المولوتوف فى ما سمى فى ما بعد بمعركة «الزراير»، المكان الذى تقع فيه المشرحة، وقد تولى سكان المنطقة إنقاذ المصابين من الأهالى من اختناقات القنابل المسيلة للدموع، ومنهم من فتح لهم منزله لاستقباله وإسعافه، مما أعاد إلى المدينة أجواء مقاومة إسرائيل فى 73 وخصوصا أن هذه المنطقة كانت هى نفسها محورا لأحداث حرب أكتوبر.. ثم تم اقتحام المشرحة لأخذ الجثث لدفنها رغم أنف الجميع، على طريقة شهداء غزة، فى جنازة مهيبة شارك فيها آلاف السوايسة، حتى المدافن التى تقع خارج المدينة. ومع إصرار أهالى السويس على القتال والتصدى لعنف الشرطة، الذين بدؤوا مبكرا فى استخدام الرصاص المطاطى والحى ليسقط الشهداء.. كان واضحا للجميع أن الضعف بدأ فى إصابة الأمن بالسويس بشكل كبير، مما دفع كثيرين منهم إلى الاستسلام مساء يوم الخميس 27 يناير، منهم من سارع سواء من الضباط أو الجنود لتبديل ملابس مدنية بملابسهم العسكرية للهروب من الحصار، وقد بدأ هذا التصرف عميد فى العمليات الخاصة ومعه قوته من الجنود. يُذكر أن الشيخ صفوت حجازى لم يظهر منذ ذلك اليوم إلا فى يوم الثلاثاء أول فبراير (المليونية الأولى) بعد أن تأكد هو وأصحابه من انهيار جهاز الشرطة وأمن الدولة، وقد رحب به الشباب فى الميدان مثله مثل أى شخصية شهيرة تظهر فى التليفزيونات.. وقد استغل هذا الرجل الترحيب، لينسج من خياله بعد ذلك بطولته فى الثورة وينصّب نفسه أمينا عاما لتنسيقية الثورة والمتحدث باسمها. وقد طُردت وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية من السويس حتى لا تنقل ما يحدث، إلا أن الأخبار ظلت تُتناقل من هناك وتزيد من إشعال الثورة فى كل مكان، لقد كانت مصر حُبلى بالثورة، وبدأت الدعوات للخروج ليوم الغضب العظيم، وبدأت رسائل «sms» ودعوات على الإنترنت و«فيسبوك» لدعوة ليوم الغضب العظيم.. والمظاهرات فى النهاية ستخرج من كل مساجد مصر بعد صلاة الجمعة.. «هنعتصم فى الميادين (عيش.. حرية.. كرامة اجتماعية) ابعتهم لكل اللى تقدر عليه، لازم نوصل لخمسين مليون». وعاد محمد البرادعى من الخارج ليدعو إلى مظاهرات الغضب ليعلن مشاركته فيها فى صلاة الجمعة فى مسجد الاستقامة بالجيزة.. فى ذلك الوقت الذى لم يكن فيه لأحد من المرشحين المحتملين للرئاسة -مع احترامى لهم جميعا- أى دور فى الثورة. وجاء يوم الغضب العظيم الذى خرجت فيه مصر كلها غاضبة من الاستبداد والفساد ومبارك وعصابته... فهل المجلس العسكرى فى حاجة الآن إلى يوم غضب جديد؟